Skip links

قسرية الانتساب لنقابة الصحفيين: بين تنظيم المهنة وانتهاك حرية العاملين فيها

استجابة لطلب نقابة الصحفيين الأردنيين، ممثلة بمجلسها، أصدر رئيس الوزراء في 22 آب تعميما على الوزارات والمؤسسات الرسمية يقضي بعدم اعتماد أو التعامل مع الصحافيين غير الأعضاء في النقابة. وهو ما أثار انتقادات صحفيين من داخل النقابة وخارجها.

يقول نقيب الصحفيين، طارق المومني، إن طلب التعميم يأتي في ظل الجهود التي يقوم بها مجلس النقابة “لوضع حد لتجاوزات بعض الصحف والتي تخالف ميثاق الشرف الصحفي والقوانين وتتعدى حرية الرأي والتعبير والصحافة”.

ويضيف أن هذا الإجراء يهدف إلى “تنظيم هذه المهنة ووضع حد لمن يتجاوزها ومن ينتحل صفة الصحفي”. ويوضح النقيب أن الصحفي هو كل من اتخذ الصحافة مهنة له والمسجل في سجلات نقابة الصحافيين، وأن أي شخص لا تنطبق عليه المواصفات يعتبر منتحلا للصفة ومخالفا للقانون ويستوجب مساءلته.

“هناك مجالس تأديبية ستقوم بدورها مع كل من يخالف من أعضاء نقابة الصحافيين، قوانين الشرف والقوانين الناظمة للعملية الصحفية والإعلامية”.

بسام بدارين، عضو نقابة الصحفيين وعضو سابق في مجلسها، يرى أن تعميم رئيس الوزراء هو قرار مؤسف وينطوي على خطأ، ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع والالتزام به.
“التعميم غير مدروس ومتسرع ويغفل حقيقة أن عددا كبيرا من الزملاء المتميزين والمؤثرين والعاملين مع أهم المؤسسات الإعلامية الأجنبية ومعترف بهم كصحفيين بارزين في مختلف أنحاء العالم، لا يستطيعوا أن يصيروا أعضاء في نقابة الصحفيين بحكم القانون والتعقيدات البيروقراطية وبحكم انغلاق نقابة الصحفيين على نفسها”.

ويضيف أن التعميم ينتقص من حقوق هذه الفئة في مزاولة العمل الصحفي. “وهذا يثبت أن الحكومة تتخذ بعض الإجراءات الإدارية بدون إجراء مشاورات مكثفة مع الأطراف المعنية في المعادلة”.
لكن النقيب يؤكد أن معظم التجاوزات والمخالفات يرتكبها أشخاص من خارج مظلة نقابة الصحافيين. “وبالتالي فإن ما نقوم به هو دعوة هذه المؤسسات حتى تسجل العاملين لديها في نقابة الصحافيين”.
في حين يرى عضو النقابة بدارين أن النقابة يجب أن تبحث عن طريقة لاستقطاب الصحفيين لحل مشكلة غير الأعضاء فيها. “بدلا من ممارسة الضغط على الحكومة لاتخاذ مثل هذه الخطوة، كان الأهم بالنسبة لمجلس نقابة الصحفيين أن يعملوا على رفع سوية المهنة للأعضاء الموجودين في الهيئة العامة”.

تقول ريم الرواشدة، عضو مجلس نقابة الصحفيين، أن النقابة هي المظلة التي تجمع جميع الصحفيين العاملين في الأردن. “هي يجب أن تكون كذلك”.

وتضيف: “في الآونة الأخيرة لاحظنا بعض التجاوزات من قبل ناس يعرفون أنفسهم بأنهم صحفيين. هذا سبب لنا الكثير من الإحراج وتجاوزات في المهنة. فكان التعميم هو أحد الإجراءات التي ستتبعها النقابة من أجل تنظيم المهنة”.
“مشكلتنا مع الأسبوعيات كبيرة، فغالبية العاملين فيها ليسوا أعضاء نقابة وليس لنا ولاية عليهم، لذلك فإن أي إجراء قانوني نود اتخاذه في حقهم هو أن نحولهم للمدعي العام”.

وتلفت إلى أن طلب النقابة من الحكومة الحالية لم يكن الأول. فقد سبق أن طالبت النقابة بذلك من حكومات سابقة. “استجابت حكومة عبدالرؤوف الروابدة لكن القرار استمر يوما واحدا ثم مات القرار في حينه”.

وتشير الرواشدة إلى وجود إعلاميين يمارسون العمل الصحفي دون أن يكونوا أعضاء في النقابة. “إذا كان قانون النقابة غير قادر على – أو لا يسمح لهؤلاء أن ينضموا للنقابة فهذه ثغرة يجب أن تعالج”.
وتوضح عضو المجلس: “نحن نطالب بتعديل قانون النقابة، لكن الأجندة الوطنية، والسرحان الذي سرحوه فينا، هي التي تعيق القيام بذلك. فنحن الآن ننتظر قانون النقابات المنظور حاليا في مجلس النواب، إذا ألغي هذا القانون فإنه من السهل تعديل قانون نقابة الصحفيين”.

وتعترف الرواشدة بوجود متضررين من هذا القرار، لكنها تؤكد أن المجلس على استعداد لأن يدرس علاج ذلك. “نحن على استعداد لدراسة هذه التظلمات وتحديد الخطأ واستدراكه”.
لكنها لا تعتقد بأولوية تعديل القانون قبل اتخاذ خطوة التعميم. “كان الوضع يستوجب اتخاذ اجراءات سريعة”.
وهذا ما يؤكده المومني الذي يقول إن التجاوزات في قطاع الأسبوعيات “وصلت مرحلة لا يمكن السكوت عليها”.

فيما يتعلق بالصحفيين العاملين في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، فقد تمكنوا من الحصول على عضوية النقابة بناء على البند هـ من المادة 8 في قانون نقابة الصحفيين لسنة 1998، والذي ينص على أن “عمل الصحفي المسجل في أي من الوظائف الإعلامية في الوزارة أو في أي دائرة إعلامية رسمية” يعتبر ممارسة للعمل الصحفي. لكن القانون لا يعالج عضوية الصحفيين العاملين في الإعلام على الإنترنت والإذاعات الخاصة العديدة التي انطلقت مؤخرا وكذلك التلفزيونات الخاصة التي انطلق واحد منها لغاية الآن، ومنتظر انطلاق أخرى قريبا.

يقول المومني: “هذا قد يكون قصورا (في القانون) ويجب أن يتم معالجة هذه المسألة. نحن بصدد إجراء تعديلات على قانون النقابة بما يساهم في قبول هؤلاء الأشخاص من الإذاعات الخاصة أو الصحافة الإلكترونية”.

لكن نقيب الصحفيين وعضو المجلس الأعلى للإعلام لم يطرح حتى اللحظة، كما أفاد رئيس المجلس إبراهيم عز الدين، موضوع تعديل قانون النقابة في المجلس، وهو الجهة الاستشارية التي تقدم للحكومة اقتراحات تعديل قوانين الإعلام.

من جهته، يرى النقيب أن مسألة تعديل القانون تأتي من خلال مجلس نقابة الصحافيين باعتباره المعني في هذا القانون دون غيره، “وإذا كان سيحصل تعديل قانون فإنه سيكون من داخل النقابة بالتشاور مع الحكومة”.
ويضيف أن “المجلس الأعلى للإعلام ليس صاحب ولاية في الموضوع”.
ويوضح أن “هناك قوانين عامة نتعاون فيها مع المجلس الأعلى للإعلام، ومنها قوانين الإعلام والنشر. أما قوانين النقابة فهي شأن يخص نقابة الصحافيين وحدها وتعديله سيكون بين الحكومة ومجلس النقابة”.

ورغم ما يمثله التعميم من تعارض مع مشروع قانون حق الحصول على المعلومات ومع الدعوات الملكية والحكومية برفع سقف حرية الإعلام، يرى المومني في الإجراء الأخير “تعزيزا لحرية الصحافة وضبطا للمهنة ووضع حد لكل التجاوزات وانتصارا وخدمة لمهنة الصحافة التي نعتز جميعا بالانتساب إليها”.

في حين يشير عضو النقابة بدارين، إلى وجود صحفيين لديهم قناعة بأنهم ليسوا مضطرين لأن يكونوا أعضاء نقابة من باب إيمانهم بحرية انضمامهم إلى التنظيمات المدنية والنقابات المهنية ومن باب رفضهم لإلزامية العمل النقابي. ويؤكد أن موضوع التعميم طرح سابقا عندما كان عضوا في مجلس النقابة لكنه عارض القرار في حينها.

انطلاقا من المعايير الدولية في حرية الصحافة وحقوق الإنسان، يوضح يحيى شقير، مستشار في المجلس الأعلى للإعلام ورئيس سابق للجنة الحريات في نقابة الصحفيين، أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونفس المادة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تنص على “حق كل إنسان بالتماس المعلومات وتلقيها وبثها بدون تدخل”. كما أن حرية التعبير هي حجر الأساس لجميع الحريات الأخرى. وهو ما ورد في أول جلسة عقدتها هيئة الأمم المتحدة في عام 1946.
ويضيف أن إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين، حسب المعايير الدولية، تتناقض مع التزامات الأردن بعد توقيعه على المعاهدات الدولية ذات العلاقة، ومنها “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” (المادة 19) ونفس المادة من “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.
ويلفت شقير إلى أن منع الصحفيين من التمتع بنص المادة 19 في تلقي المعلومات لعدم عضويتهم في النقابة، ليس فقط انتهاكا للمعايير الدولية وإنما انتهاكا أيضا لحق الجمهور المتلقي في المعرفة.

أما رئاسة الوزراء، مصدر التعميم، فتعذر الحصول على أية معلومات منها. فبعد العديد من الاتصالات، على مدار أيام، مع الناطق باسم رئاسة الوزراء، علي العايد، لم نفلح في معرفة تفاصيل أخرى عن التعميم أو حتى تعليق حول الهدف من الخطوة.
واكتفى نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة مروان المعشر في لقائه الإعلامي الأسبوعي، بتعليق موجز أكد فيه على ضرورة الالتزام بتنفيذ قانون النقابة، وقال: “القانون النافذ يعطي لنقابة الصحافيين حق تمثيل العاملين في الجسم الصحفي. بغض النظر عن رأي الحكومة أو مجلس النواب أو نقابة الصحفيين أو الجسم الصحفي، طالما أن هناك قانون مر عبر القنوات الدستورية فالقانون هو الذي يحكم”.
وأضاف: “إذا كان هناك ثغرات أو خلل في القانون فالنظام والدستور الأردني يتيح لكل من يريد إدخال أية تعديلات أو معالجة أية ثغرات القيام بذلك”.