يعتقد وعلي نطاق محصور في أعلي مستويات القرار في الأردن بان الملف الإعلامي تحديدا وبعض تفاصيله المثيرة دخل مختبر القصر الملكي وسط توجهات عامة ذات ملامح إنفتاحية في البلاد يرعاها الملك شخصيا ويفترض ان تنعكس قريبا علي مجالات العمل الصحافي والإعلامي وأجواء الحرية الإعلامية التي شابتها بعض القيود في الآونة الأخيرة.
وثمة دلائل ووقائع وحقائق تثبت بان ملف الإعلام يطهي علي نار هادئة وسيشهد قريبا بعض المفاجآت والتغييرات، فالمجلس الأعلي للإعلام إنتهي تقريبا من بنية المقترحات التشريعية لتوصياته وزود الحكومة بوثيقة هامة ومفصلية تحدد المطلوب منها وينتظر الرد عليها، فيما يبدو ان المؤسسة مهتمة جدا بسمعة البلاد الإعلامية وتخطط لإحياء مشاريع وطموحات قديمة تفتح الفضاء الأردني علي مصراعيه للإنفتاح والتغيير في سياق عملية إستثمارية في المقام الأول.
وقريبا جدا ستجلس مؤسسة جديدة هي إدارة المرئي والمسموع في كرسي خارطة المعنيين بالملف وتستقر لتقوم بدورها المأمول في مجال إدخال القطاع الخاص في عالم البث الإذاعي والتلفزيوني في المستوي الوطني أملا في إستقطاب إستثمارات وطنية وعربية وأجنبية في هذا المجال لمنافسة تجارب عربية أخري مجاورة.
كما يبدو ان الخطط الخاصة بمشاريع طموحة لتأسيس محطة تلفزيون جديدة تتسارع هي الأخري فيما يرشح ان قضايا وملفات أخري ستبرز خلال الأسابيع القليلة المقبلة من بينها إحياء دور اللجان الإستشارية الملكية في التخطيط المهني والوطني للمستقبل والبحث مجددا في تأسيس مجلس إستشاري مركزي يلعب دور مطبخ الأفكار للنظام والدولة وكذلك البحث في خط الإنتاج الثاني لتطبيقات شعار الأردن أولا.
وللبقاء في دائرة الملف الإعلامي بات واضحا ان العهد الجديد في المملكة لا يزال يحتفظ بحلمه القديم الخاص بتحويل العاصمة عمان التي أصبحت مسرحا لصناعة الخبر الإقليمي في المنطقة لمسرح علي مستوي عربي للإنفتاح الإعلامي والفضائي والصحافي مع تزايد في قناعات النخب المختصة بان البلاد مستعدة تماما سياسيا وأمنيا لتحول من هذا النوع وان الحكومة مستعدة لدفع الثمن الواجب لإستقطاب مشاريع مهمة في مجال صناعة الإعلام.
وصناعة الإعلام من المسائل المهمة جدا للأردنيين في المرحلة اللاحقة فبعد الإستقرار النسبي في الخطط الإقتصادية وتزايد ارقام نمو الإقتصاد وإستقرار الجو او الشكل الديمقراطي عبر الإنتخابات في البرلمان والبلديات تشير الكثير من المصادر إلي ان الخطوة اللاحقة هي التغيير في الملف الإعلامي وإعداد الجميع لمرحلة مثيرة في هذا الإتجاه عنوانها القيام بما يتوجب لإقتناص ما يمكن إقتناصه من إستثمارات عربية ووطنية في مجال الإعلام حيث أبدت جهات إستثمارية خليجية مهمة إستعدادها للإقامة في الأردن وإطلاق مشاريع رائدة إذا ما كانت البلاد مستعدة لذلك.
وعلي هذا الأساس أصلا خرجت في وقت سابق وثيقة الرؤية الملكية لمستقبل الإعلام، وعليه إنتهي المجلس الأعلي للإعلام من إعداد سلسلة وثائق شاملة لكل التشريعات ذات الصلة بالموضوع وقدم رؤية شبه تفصيلية لما ينبغي ان تكون عليه البنية التشريعية في مملكة المستقبل وأسس لمجموعة تصورات ومؤسسات ستحظي بدور مستقبلي فيما تناقش في كواليس مؤسسات القرار قفزات مدروسة في الأفق الإعلامي.
والمجلس الأعلي واحدة من الحلقات المهمة في إتجاه التأسيس لصناعة الإعلام فقد إنتهي لتوه من سلسلة حوارات مثمرة مع ممثلي الجسم الصحافي كأفراد ومجموعات وأعد تقارير حول جميع التشريعات التي تؤثر في المجال الصحافي من قريب او بعيد ويسعي لعملية تغيير شاملة تهدد ما وصفته الصحف المحلية بكل تشريعات الإنتداب ذات الصلة وهي حصريا القوانين والتشريعات التي تأثرت بالإنتداب البريطاني او تلك التي تعتبر من تراثيات العثمانيين والتي تكثر من عقوبة السجن للصحافيين في قضايا المطبوعات.
وأخبار المجلس تقول ايضا انه بصدد تفعيل عمل مؤسسة حديثة وغير مسبوقة لفض النزاعات بين الأفراد والمؤسسات وبين الصحف والصحافيين وهي مؤسسة ستقوم بدور الوسيط لحل النزاعات قبل الوصول للقضاء، فيما تعهدت نقابة الصحافيين اصلا بتفعيل ميثاق الشرف الصحافي كنظام اخلاقي يحرم الحكومة من الذرائع التي كانت تستخدمها في تقييدها للحريات الصحافية والإعلامية.
وقريبا سيفعل المجلس الأعلي بالتوازي دوره كوسيط مرجعي تحترم كلمته من كل الأطراف عبر التأسيس لمركز علمي حديث لقياس مستوي المهنية في العمل الصحافي، لكن ذلك لايكفي للحديث عن انجازات حقيقية دون ان تقوم الحكومة بواجبها في هذا الإتجاه ولذلك أرسلت للحكومة وثيقة متكاملة لم يكشف بعد النقاب عنها وعن تفاصيلها وتتضمن وصفة او دليلا حول ما يتوجب علي الحكومة ان تفعله لكي تساهم في إنطلاق قطار التغيير الإعلامي وذلك من وجهة نظر المجلس.
والوثيقة المشار إليها تقترح حضور دائم للرأي الآخر وللمعارضة في مؤسسات الإعلام الرسمية وإستقلالية تامة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون تشمل الإستقلالية المهنية كما تقترح تأسيس جهاز إعلام مركزي يتبع الحكومة ويتولي إدارة عملية التعبير عن موقفها ووجهة نظرها مع تغييرات موازية في وكالة الأنباء الحكومية (بترا).
والحكومة لم تقل بعد كلمتــها إزاء مثل هذه المقترحات لكن الجسم الصحــــافي يتفـــاءل بإلتــــزام علني ووشيك للحكــــومة بالتوصـيات المشار إليها بعد ان اصبح صحافيا عريقــــــا وعضوا في المجلـس الأعلي هو الدكتور نبيل الشــريف وزيرا للإعلام بمعني انه في موقع القرار.
والجانب الأكثر إثارة في هذا المسار هو ما يتردد من أنباء حول تغييرات راديكالية متوقعة قريبا وبدعم من القصر الملكي ستدعم إحداث نقلة نوعية في مجال التشريعات ذات الصلة بالعملية الإعلامية مثل قانون العقوبات وقوانين المطبوعات والنشر وبقية القوانين الناظمة للإيقاع الإعلامي وذلك في إطار نهضة متوقعة ونقاش جاد لن يهدده إلا مواقف محافظة من اعضاء مجلس النواب التقليديين الذين يتوقع بعض المراقبين تحولهم لخصوم لأي تجربة إنفتاح حقيقية في المجال الإعلامي.
وما يبدو عليه الأمر ان إعادة قراءة تشريعات الإعلام في المستوي الوطني وفي ضوء مؤشرات الإنفتاح التي تتعزز بالمملكة خطوة موازية في إتجاه إعداد البنية التحتية اللازمة لتأسيس صناعة للإعلام في البلاد، وهي مسألة ذات صلة مباشرة بأحدث أهم مؤسسة ولدت في البلاد مؤخرا وهي هيئة المرئي والمسموع التي ستناط بها مهمة تنظيم قطاعات الإذاعة والتلفزيون والفضائيات في عصر الإستثمار والإنفتاح.
والهيئة تعمل الآن مع ديوان التشريع علي مجموعة الأنظمة ولوائح التعليمات التي تنظم عملها وتبحث عن كادرها الفني المؤهل وإختارت مقرا لها لكن طبيعة الدور الذي ستقوم به سيكون مرتبطا حصريا بوجود قرار سياسي يسمح لأول مرة في تاريخ البلاد بالإستثمارات في مجالات البث الإذاعي والفضائي وهي مجالات تتعطش لها الساحة ويهتم بها فعلا العشرات من المستثمرين وفي إطارها ستتأسس أصلا فكرة صناعة الإعلام.
والمثير للإهتمام هنا ان رأس المال الكويتي حصريا بدا مهتما بالإستثمار في مجال الإتصالات والمطبوعات (الصحافة المكتوبة) مؤخرا في الأردن ولم يعرف بعد ما إذا كان سيهتم بإستثمارات الفضائيات إلا ان ذلك متوقع في ظل تزايد الحميمية في العلاقات بين البلدين.
وكل ذلك في الواقع يأتي في إطار التخطيط لوجبات وحصص إضافية في مستوي الإنفتاح السياحي والسياسي في البلاد رغم المنزلقات الإقليمية التي تعاني منها المنطقة فبسبب بعض قرارات الإنفتاح السياحي تواجه الحكومة معركة مع النواب الإسلاميين والمحافظين في البرلمان حاليا وأجواء المزيد من الإنفتاح السياسي ستدرسها سلسلة نقاشات وورش عمل ستعقد في إطار ما يمكن تسميته التفكير الموازي لمؤسسة القرار عبر لجان إسشارية متخصصة تتوسع قاعدتها وتشارك بفعالية أكثر في مجالات التفكير بالإستراتيجيات.