أن المشكلة الأساسية في التشريعات التي تؤثر وتحكم مسار العملية الإعلامية في الأردن أن المشرع لم ينطلق من رؤيا توسع من فضاءات حرية الإعلام ولم تستلهم روح الدستور الأردني في ضمان حرية الصحافة والتعبير ، ولم تواكب المعايير والمعاهدات الدولية لحرية الإعلام.
ولذلك فإن الكثير من التشريعات الإعلامية وغير الإعلامية اتجهت لوضع العراقيل أمام الإعلام والصحافة وتحولت بعض المواد في التشريعات إلى ” مصائد ” ” وحقول الغام ” من الصعب بعدها ممارسة الإعلامي لعمله بحرية دون الخوف من الوقوع في شركها.
هناك من يعتقد أن مشكلة الإعلام تكمن في التعامل مع قانون المطبوعات والنشر ، و/ أو قانون نقابة الصحفيين ، غير أن التجربة الحقيقية تكشف عن أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك ، فالقضايا التي رُفعت على الصحافة منذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989 لم تستند فقط إلى القانون الخاص بالصحافة والإعلام بل تعدّت ذلك إلى العديد من القوانين الأخرى فأصبح الصحفيون يحاكمون بموجب قانون المطبوعات و النشر وقانون العقوبات أو أية قوانين أخرى في آن معاً .
وبعيداً عن المشكلات التشريعية فإن التجربة العملية كشفت أيضا عن أن قضايا الصحافة في السنوات الماضية تدخلت فيها السياسة ومارست الحكومات والأجهزة التابعة لها ضغوطاً على القضاء خاصة في السنوات السابقة التي كثر فيها تحريك الحكومة لقضايا ضد الصحافة وتحديداً الأسبوعية منها .
أن هناك مشكلات أساسية في التشريعات تقتضي سرعة المعالجة والبت وتؤثر على حرية الإعلام وأبرزها :-
أولاً : التوقيف والحبس
إن القاعدة في التشريعات الجزائية الإجرائية أن الإنسان بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي قطعي . وأهمية هذه القاعدة أنها لا تجيز المساس بحرية الإنسان الشخصية إلا ضمن الضمانات المقررة لها في القانون .
ويعتبر التوقيف خروجاً على هذه القاعدة إذا تم في غير الحالات التي يتطلبها القانون .
فالمعروف قانوناً أن التوقيف من الأهمية بمكان للحفاظ على الأمن العام والنظام عند ارتكاب الانسان لجرائم خطيرة على الأفراد والمجتمع . أو أنه يخشىمن هروبه وعدم التزامه بحضور جلسات المحاكمة .
لكن السؤال هنا لماذا يتم توقيف الصحفيين على الرغم من عدم توافر متطلبات التوقيف ؟! فالصحفي وأثناء ممارسته لوظيفته لا بد من توفير الضمانات اللازمة له للقيام بوظيفته بحرية لا أن تقوم بوضع العوائق أمامه .
يبدو أن النصوص التشريعية لها الدور الأكبر في عملية توقيف الصحفيين وأهم هذه النصوص :
المادة /114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (9) لسنة 1961
بعد استجواب المشتكى عليه يجوز للمدعي العام أن يصدر بحقه مذكرة توقيف لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً إذا كان الفعل المسند إليه معاقباً بالحبس لمدة تزيد على سنتين أو بعقوبة جنائية مؤقتة ، وتوافرت الدلائل التي تربطه بالفعل المسند إليه ، ويجوز له تجديد هذه المدة كلما اقتضت مصلحة التحقيق ذلك …
المادة 7/ب من قانون محكمة أمن الدولة رقم (17) لسنة 1959 وتعديلاته
(على الرغم مما ورد في قانون أصول المحاكمات الجزائية المعمول به للمدعي العام إصدار مذكرة توقيف بحق المشتكى عليه في الجنح الداخلة في اختصاص محكمة أمن الدولة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً قابلة للتجديد إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك على أن لا تتجاوز مدة التجديد شهرين .)
يتضح من ذلك أن المشرع الأردني يجيز توقيف الصحفي في الجنح التي تزيد عقوبتها على سنتين وفي الجنح التي تقل عن سنتين إذا كانت تلك الجريمة من اختصاص محكمة أمن الدولة .
وهناك العديد من الجرائم التي يحال عليها الصحفيون إلى محكمة أمن الدولة عملاً بأحكام المادة (3) من قانون محكمة أمن الدولة .
ومن المعروف أن التوقيف هو عقوبة مسبقة فقد أثبتت السوابق القضائية أن العديد من المشتكى عليهم بعد أن تم توقيفهم يحكم ببراءتهم أو بعدم مسؤوليتهم فكيف إذن سيكون الحال بالنسبة للصحفي ؟! .
إذن لا بد من إيجاد منهجية للخروج من هذا المأزق القانوني. إن المشكلة ابتداء تكمن في تطبيق تلك القوانين على الصحفيين فلو كان الصحفي عند ارتكابه لأخطاء أثناء ممارسته عمله يخضع لقانون خاص فقط ( قانون المطبوعات والنشر ) لما كان بالإمكان أن يتعرض للتوقيف .
أو أنه بالإمكان الاستفادة من التشريعات المقارنة في هذا المجال من خلال وضع نصوص قانونية لا تجيز توقيف الصحفيين أو تستثني الصحفيين من التوقيف .
فقد نصت المادة 41 من قانون تنظيم الصحافة في مصر على حظر توقيف الصحفي إلا في حالة واحدة وهي ذم رئيس الجمهورية .
كما تنص المادة (135) أصول الإجراءات الجنائية في مصر على :
( لا يجوز الحبس الإحتياطي في الجرائم التي ترتكب بواسطة الصحف )
أما عن تعرض الصحفي لعقوبة الحبس فحدث ولا حرج فجميع الجرائم التي قد يحال عليها الصحفي إلى المحاكم بموجب القوانين باستثناء قانون المطبوعات والنشر تجيز إيقاع عقوبة الحبس على الصحفي.
وإذا كان من الواجب حماية الصحفي أثناء ممارسته عمله وإتاحة كافة السبل أمامه لا بد من خضوعه فقط لقانون المطبوعات والنشر وليس لأي قانون آخر .
خاصة أن الاجتهادات القضائية أثبتت أن الصحفي يتعرض لعقوبتين في العادة واحدة بموجب قانون المطبوعات والنشر وهي الغرامة وأخرى بموجب قوانين عقابية أخرى وهي الحبس .
أو أنه من الأفضل إيجاد نصوص تستثني الصحفيين من عقوبة الحبس والاكتفاء بالغرامة، حيث يمكن إضافة مادة لقانون المطبوعات والنشر و/أو قانون المرئي والمسموع تنص “على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر لايجوز توقيف و/أو سجن الصحفيين في قضايا الصحافة والإعلام”.
ثانياً :قيد مثول الصحفيين أمام المحاكم
لقد أصبح من المعروف أن الإجراءات القضائية الجزائية تأخذ وقتاً طويلاً حتى يأخذ القاضي قراره المقتضى ولقد أثبتت السوابق القضائية مثول العديد من الصحفيين حوالي ثلاث أو أربع سنوات أمام المحاكم وفي النهاية يحكم ببراءتهم .
حقيقة إن الناظر للتشريعات الجزائية الأردنية يجد أنها لا تجيز حضور محامٍ وكيل عن الصحفي أمام المحاكم إلا بوجود ذلك الصحفي .
حيث أن الجريمة التي يحال عليها الصحفي إما أن تكون جناية أو جنحة. ولقد أفرد المشرع الأردني نصوصاً قانونياً خاصة بأصول الإجراءات الجزائية أمام المحكمة بصفتها محكمة جنح وأخرى بصفتها محكمة جنايات .
وفي القسمين يجبر المشرع الأردني مثول الصحفيين أمام المحاكم طوال جلسات المحاكمة ورتب نتائج سلبية على عدم مثوله .
ففي الإجراءات الخاصة بالقضايا الجنحوية لا يوجد نص يجيز للصحفي عدم المثول أمام المحاكم أو أن ينيب عنه وكيلاً إلا في حالة واحدة نصت عليها المادة 168 حيث نصت :-
يسوغ للظنين في دعاوى الجنحة غير المعاقب عليها بالحبس أن ينيب عنه وكيلاً ما لم تقرر حضوره بالذات .
وحقيقة لا يوجد تطبيق عملي لهذه المادة في المحاكم هذا من جهة ومن جهة أخرى يقتصر حق الصحفي في ذلك فقط عندما تكون الجنحة غير معاقب عليها بالحبس . وهذا فقط يكون عندما يعاقب بموجب قانون المطبوعات والنشر لان كل العقوبات الواردة فيه هي من نوع الغرامة.
أما باقي الجنح فلا بد من حضوره كافة جلسات المحاكمة وما يؤكد ذلك ما نصت عليه المادة 169 من ذات القانون عندما نصت :
( إذا لم يحضر الظنين إلى المحكمة في اليوم والساعة المعينين في مذكرة الدعوى المبلغة له حسب الأصول ، للمحكمة أن تحاكمه غيابياً ولو كان كفولاً ولها في مثل هذه الحالة أن تصدر مذكرة قبض بحقه ) .
أما الإجراءات الخاصة بالقضايا الجنائية .
فقد أوجبت حضور المتهم كافة الجلسات وإلاّ اعتبر فاراً من وجه العدالة حيث وردت إجراءات محاكمة المتهم الفار من وجه العدالة في المواد من (243-255 ) عقوبات.
ولقد نصت م/ 246 على :
( لا يقبل وكيل عن المتهم في المحاكمة الغيابية ) .
ولقد نصت م/255/2 على :
( تسري أحكام هذا الفصل على المتهم الذي يفر من السجن أو لم يحضر إلى المحكمة بعد تبليغه أو تبليغ محل إقامته موعد المحاكمة إذا كان مكفولاً ) .
وحقيقة من خلال تلك النصوص نجد أنه لا بد من مثول الصحفي أمام المحاكم كافة الجلسات .
وإذا كان المشرع الأردني يهدف حقيقة إلى رفع سقف حرية الصحافة والإعلام لا بد من إعادة الصياغة التشريعية بحيث يستثني الصحفيين من المثول أمام المحاكم بشرط أن ينيبوا عنهم وكلاء لحضور كافة الجلسات.
ويمكن الاستفادة من تجربة مصر في هذا المجال فقد نصت المادتين (40و41) من قانون تنظيم الصحافة في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف لا يشترط حضور الظنين أو المتهم شخصياً بشرط إنابة وكيل عنه ( محام) إلا إذا أمرت المحكمة بحضوره شخصياً .
ثالثاً : قيد الحصول على المعلومات
لقد نص قانون المطبوعات والنشر في المادة الثامنة منه على حق الصحفي في الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية .
إلاّ أن هذا القانون لا يلزم هذه الجهات بإجابة طلب الصحفي بالحصول على المعلومات ولا يوجد أيضاً أي إجراء يتخذ بحقها إذا لم تزوده بالمعلومات .
إضافة إلى وجود قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم (50) لسنة 1971 والذي هو قانون مؤقت منذ عام 1971م . حيث أن هذا القانون يعتبر أكبر شبكة لسرية المعلومات دون سبب منطقي فنصوص هذا القانون اكتست بثوب الغموض تارة وتارة أخرى جاءت نصوصه فضفاضة وواسعة التعبير من شأنها توسيع دائرة التجريم والعقاب دون مبرر قانوني منطقي .
لذلك لا بد من وضع آليات في القانون تلزم الجهات الرسمية بتقديم المعلومات للإعلاميين و حقهم باللجوء للمحاكم إذا رفضت و / أو امتنعت الجهات الرسمية عن إعطائهم المعلومات.
رابعاً : قيد المسؤولية المفترضة لرئيس التحرير ( مخالفة مبدأ شخصية العقوبة ) و( مخالفة قرينة البراءة )
لقد اعتبرت المادة (41/ب ) من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته رئيس تحرير المطبوعة فاعلاً أصلياً في جرائم المطبوعات والنشر حيث نصت على :
( تقام دعوى الحق العام في جرائم المطبوعات الدورية على رئيس التحرير المسؤول وكاتب المادة الصحفية أو مُعدها ، باعتبارهم فاعلين أصليين ………)
كذلك اعتبرت م/23/ج رئيس التحرير مسؤول عما ينشر في المطبوعة التي يرأس تحريرها . كما يعتبر مسؤولاً مع كاتب المقال عن المقال.
وهذا يعني أن المشرع الأردني اعتبر أن النية الجرمية والعلم اليقيني لدى رئيس التحرير متوافران ابتداءً .
بحيث افترض مسؤوليته عن المادة الصحفية ومحتواها بمجرد نشرها دون البحث والتحري لاستظهار أركان وعناصر الجريمة المنسوبة إليه .
إن هذا الافتراض يجافي المنطق القانوني السليم . إذ ليس من الممكن أن يحيط رئيس التحرير ويلم بكل ما ينشر في صحيفة تتعدد صفحاتها وتكثر مقالاتها ويبحث في كل جزئية أو عبارة تضمنتها المقالات بعين الفاحص .
وفي ذلك مخالفة لمبدأين هامين في الفقه والقضاء الجزائي :
وهما مبدأ شخصية العقوبة .
ومبدأ قرينة البراءة .
فمن المعروف فقهاً وقضاءً أن الانسان لا يسأل عن فعل غيره ولا يجوز توقيع العقوبة على شخص لم يرتكب فعلاً جرمياً عن وعي وارادة إذ أن العقوبة توقع على مرتكب الجرم لوحده دون غيره .
وعلى ذلك نصت المادة 74/1 من قانون العقوبات الأردني :
( لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة )
كما نصت المادة 75 عقوبات على أن :
( فاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها ).
كما أن ذلك يؤدي إلى إعفاء النيابة العامة من واجبها في إثبات العلم والإرادة لدى رئيس التحرير وهذا يعني نقل عبء إثبات نفي الجرم على رئيس التحرير .
وفي ذلك مخالفة لقرينة البراءة. ذلك المبدأ الفقهي القضائي الذي نصت عليه المادة (147) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) .
والذي يعني أن الأصل في الانسان البراءة وكأحد أهم النتائج المترتبة على ذلك المبدأ هو إلقاء عبء الإثبات على النيابة العامة وليس على المشتكى عليه .
وحقيقة إن افتراض مسؤولية رئيس التحرير يشكل مساساً بمبدأ المساواة المقرر بمقتضى المادة (6/1) من الدستور الذي اعتبر الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وذلك عندما نقلت المادة ( 41/ب) عبء إثبات نفي التهمة المنسوبة لرئيس التحرير على عاتقه .
وبعيداً عن البحث في دستورية ذلك النص فإنه يجب على التشريع أن يقرر سقف الحرية ذاته الذي أراده الدستور للصحافة والإعلام السابقين م/23/ج و 41/ب والاخذ بنص المادتين 74و 75 من قانون العقوبات . لأن ذلك سيعيد رئيس التحرير إلى وضعه القانوني السليم وفق قواعد العدالة والمنطق القانوني اللذان يحافظان على حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور لكل أردني .
***
وإذا كان من الأهمية بمكان السرعة في معالجة الاشكالات السابقة مما يسهم في رفع سقف حرية الإعلام فإنه من الضروري إلقاء الضوء على بعض القوانين التي تضع قيوداً على حرية الصحافة والإعلام مع الاخذ بعين الاعتبار ان هناك العديد من القوانين التي لم نتعرض لها و تشكل قيداً على حرية الاعلام وأبرز الأمثلة ما يلي:
1- قانون العقوبات
2- قانون حماية أسرار ووثائق الدولة .
3- قانون أصول المحاكمات الجزائية .
4- قانون محكم أمن الدولة .
5- قانون انتهاك حرمة المحاكم .
وسوف نتناول بشيء من التفصيل بعض أهم النصوص القانونية في بعض تلك القوانين التي تضع قيوداً أمام حرية الإعلام .
أولاً : قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته
لقد تضمن هذا القانون العديد من النصوص التي تحد من سقف حرية الصحافة والإعلام بطريقة مباشرة وغير مباشرة من خلال وضعه معوقات تحد من حرية الصحفي والصحافة بشكل عام وأهم هذه العوائق :-
1- عدم اعتبار المشرع حسن النية عنصراً مفترضاً لدى الصحفي .
2- تعريض الصحفي لعقوبة الحبس .
3- التشدد في توسيع دائرة التجريم والعقاب
ولقد تمثلت هذه المشكلات في العديد من النصوص وأبرزها :
المادة (61) والتي تنص على :
لا يعتبر الإنسان مسؤولا جزائياً عن أي فعل إذا كان قد أتى ذلك الفعل في أي من الأحوال التالية:
1- تنفيذاً للقانون .
2- إطاعة لأمر صدر إليه من مرجع ذي اختصاص يوجب عليه القانون إطاعته إلا إذا كان الأمر غير مشروع .
إن هذه المادة جاءت تحت باب أسباب التبرير الواردة في قانون العقوبات ومن المعروف أن قيام الركن القانوني للجريمة يستلزم أن لا يخضع الفعل الذي يعد جريمة لسبب من أسباب التبرير بمعنى أن انتقاء أسباب التبرير بمعنى توافر أحد عناصر الركن القانوني للجريمة . بمعنى آخر أن وجود أحد أسباب التبرير فإنه يزيل الصفة الجرمية عن الفعل ويحوله إلى فعل مبرر ارتكابه.
وحقيقة وجود هذا النص يؤكد لنا عدم تنظيم المشرع الجزائي الأردني نظرية كاملة لحسن النية فهو لم يذكر حسن نية الفاعل كأحد أسباب التبرير وهذا على سبيل المثال يؤدي إلى تقييد حرية الصحفي في نقد الشخصيات العامة خاصة أن الصحفي عند كتابته لأي مقال يكون هدفه تحقيق مصلحة عامة وحقيقية إن وجود هذا النص سيؤدي إلى اعتبار الصحفي مسؤولا جزائياً في جميع الحالات وحتى لو أعتقد بصحة المعلومات أو الواقعة التي يكتبها وحتى لو كانت نيته حسنة .
لذا نقترح تعديل هذا المنظور القانوني لأسباب التبرير بإضافة بند ثالث إلى المادة (61) ينص على ما يلي :
(إذا أُرتكب الفعل بحسن نية بحيث كان يُعتقد مشروعيته حال ارتكابه بناء على أسباب معقولة)
إن هذا التعديل يجعل الصحفي خلال ممارسته عمله متحرراً من أي قيود سابقة أو لاحقة تحد من نشاطه ويكون لحسن النية دور كبير في توافر أو عدم توافر أركان الجريمة المسندة للصحفي وذلك لأن بقاء النص كما هو سوف يضع الصحفي في قفص الإتهام مسبقاً وحتى لو أتيحت له الفرصة لإثبات حسن النية فإن ذلك دون جدوى .
وهذا وإن كان يهدر حق الدفاع المقدس إلا أنه يتعارض أيضاً مع قرينة البراءة التي تفترض أن عبء إثبات سوء القصد على النيابة العامة.
ولعل أبرز مثال على ذلك ما نصت عليه المادتان 130 و 131 من قانون العقوبات حيث جاء في المادة 130ما يلي :
( من قام في المملكة زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة )
أما المادة 131 فقد نصت على ما يلي :
1- يستحق العقوبة المبينة في المادة السابقة من أذاع في المملكة في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة .
2- إذا كان الفاعل قد أذاع هذه الأنباء وهو يعتقد صحتها ، عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر .
فهذا النص يؤكد عدم اعتبار المشرع أهمية دور حسن النية في اكتمال عناصر الجريمة المسندة للصحفي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت سياسة المشرع الأردني رفع سقف حرية الصحافة والإعلام كان الأجدر به بدلاً من النص الحالي أن يضيف إلى آخر الفقرة الأولى من المادة 131 العبارة التالية :-
[ إلا إذا كان هناك أسباب مقبولة دفعته للاعتقاد بصحتها ] .
لأن رفع سقف الحريات جميعها يتطلب ابتداء الالتزام بالمبادئ الأساسية .وأهم المبادئ الأساسية هي افتراض حسن النية .
المادة (188) :-
1- الذم هو إسناد مادة معينة إلى شخص ما ولو في معرض الشك والاستفهام من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أو لا .
2- القدح : هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره ولو في معرض الشك والاستفهام – من دون بيان مادة معينة .
والملاحظ هنا أن المشرع شدد في جريمة الذم والقدح عندما جرّم الفعل حتى لو كان بين عدد من الناس قل أم كثر ، وبغض النظر عما إذا كانوا من أهل الوطن أم من الأجانب حيث أن المشرع الأردني اكتفى لقيام الجريمة أن يكون الإسناد من شأنه فقط أن يعرض الشخص لبغض الناس ولو لم يكن مؤدياً إلى احتقارهم .
وهذا يعني أن المشرع الأردني يحاول التوسيع من دائرة التجريم من خلال التشديد على وسائل الذم والقدح .
لذا لا بد من تضييق دائرة التجريم من خلال تعديل النص الحالي بحيث يصبح أكثر تماشياً مع حرية الصحفي أثناء كتابته للمقال .
لأن وجود هذا النص سيكون ذريعه واسعة تستخدم للحد من حق الصحفي في نقد الشخصيات العامة أو الموظفين مثلاً .
م/191 والتي تنص على :-
[ يعاقب على الذم بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا كان موجهاً إلى مجلس الأمة أو إلى إحدى الهيئات الرسمية أو المحاكم أو الإدارات العامة أو الجيش أو إلى أي موظف أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها .]
ومن الملاحظ ونتيجة إلى التوسع في التجريم الذي ذكرناه في المادة 188 فإنه يمكن اعتبار أي وصف لعمل سيء لإحدى الهيئات الرسمية من قبيل الذم وبالتالي تشديد العقاب .
وأثبتت السوابق القضائية أنه قد تم تجريم بعض الصحفيين استنادا لهذه المادة .
وحقيقة لا بد من تحديد أكثر للأفعال الجرمية في هذه المادة من خلال تعديل هذه المادة بإضافة فقرة تبين ما هي الأعمال أو الكتابات التي تشكل ذماً لهذه الأجهزة المذكورة وذلك لخصوصية تلك الدوائر والأجهزة وحساسية وأهمية نشاطاتها داخل المملكة وخارجها .
المادة (150) :-
كل كتابة وكل خطاب أو عمل يقصد منه أو نتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو يحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسماية دينار .
المادة (152) :-
من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (73) وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الإسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائة دينار.
المادة (224 ) :-
كل من نشر أخباراً أو معلومات أو انتقادات من شأنها أن تؤثر على أي قاض أو شاهد أو تمنع أي شخص من الإفضاء بما لدي من المعلومات لأولي الأمر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسين ديناراً.
إن هذه النصوص القانونية يجمعها طابع الغموض في صياغة النص والاكتفاء بالكتابة أو النشر لقيام الجريمة دون الأخذ بعين الاعتبار لدور حسن النية في اكتمال أركان الجريمة وهذا يتضح من خلال استخدام المشرع الأردني لعبارات ( يقصد منه أو نتج عنه …………)
وأيضاً ( وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة ….)
وأيضاً ( من شأنها أن تؤثر ………)
وحقيقة إن بقاء هذه النصوص القانونية وغيرها العديد من النصوص بالقالب اللغوي القانوني الموضوعة فيه يوضح ان النهج التشريعي الأردني يهدف إلى الحد من حريات الصحافة والإعلام في الأردن .
إذ لا بد إعادة صياغة تلك النصوص بحيث تصبح أكثر تحديداً للأفعال التي يعتبرها المشرع مجرّمة ولأركان الجريمة وعناصرها .
ولا ننسى في هذا المجال أن وجود تلك النصوص ستعرض الصحفي لعقوبة الحبس وإضافة لعقوبات أخرى في قوانين أخرى وهذا يتنافى مع مبدأ عدم تعدد العقوبات .
لذا نقترح في هذا المجال استثناء جميع ما ينشر او يذاع او يبث بجميع وسائل الاعلام المرئية و المسموعة والمقروءة من النصوص المجرمة في قانون العقوبات والاكتفاء بنصوص قانون المطبوعات والنشر وذلك لخصوصية عمل الصحفي وكون قانون المطبوعات والنشر هو قانون خاص بأعمال الصحافة .
ثانياً : قانون حماية أسرار ووثائق الدولة قانون مؤقت رقم (50) لسنة 1971
إن هذا القانون بكل بساطة يعتبر سوراً منيعاً أمام حق الصحفي والمواطن في الحصول على المعلومات فلقد عرف هذا القانون وفي المادة الثانية الأسرار والوثائق المحمية بالآتي :-
أية معلومات شفوية أو وثيقة مكتوبة أو مطبوعة أو مختزلة أو مطبوعة على ورق مشمع أو ناسخ أو أشرطة تسجيل أو الصور الشمسية والأقلام أو المخططات أو الرسوم أو الخرائط أوما يشابها والمصنفة وفق أحكام هذا القانون .
لقد قسم هذا القانون الأسرار والوثائق المحمية إلى ثلاثة أقسام أو درجات :-
1- سري للغاية 2- سري 3- محدود .
وذلك في المواد من ( 3-9)
والملاحظ على هذه المواد أنه لا يوجد أي معلومة يمكن للصحفي أن يأخذها إلا وتكون محمية بموجب هذا القانون ولا يجوز له بالتالي الوصول إلى هذه المعلومات دون سبب منطقي وكأمثلة على ذلك ما يلي :-
م/ 3- تصنف بدرجة ( سري للغاية ) أية أسرار أو وثيقة محمية إذا تضمنت الأمور التالية :-
أ- أية معلومات يؤدي إفشاء مضمونها لأشخاص تقتضي طبيعة عملهم الإطلاع عليها أو الاحتفاظ بها أو حيازتها إلى حدوث أضرار خطيرة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو إلى فائدة عظيمة لأية دولة أخرى من شأنها أن تشكل أو يحتمل أن تشكل خطراً على المملكة الأردنية الهاشمية .
ابتداء يبدو أن هناك خطأ في صياغة هذه المادة إذ لا بد من إضافة حرف ( لا ) بعد كلمة(لأشخاص) بحيث تصبح العبارة ( لأشخاص لا تقتضي طبيعة عملهم الإطلاع عليها ….) وذلك حتى يستقيم المعنى وفق الأسس المنطقية للصياغة التشريعية .
– إن هذا النص فضفاض بشكل واسع ويعطي المجال الواسع أمام الجهات الرسمية بمنع وصول الصحفي للمعلومات دون مبرر لأنه يمكن التذرع بأن تلك المعلومة قد تضر بالأمن الداخلي أو أن تلك المعلومة تشكل خطراً على المملكة دون رقيب أو حسيب فمن يحدد خطورة أو أهمية المعلومة ؟! وما هو المعيار لذلك ؟؟
م/8 -تصنف بدرجة ( محدود ) أية معلومات أو وثائق محمية تتضمن معلومات تنطبق عليها الأوصاف التالية :-
د- التقارير التي من شأنها إفشاء مضمونها إحداث تأثير سيىء على الروح المعنوية للمواطنين مالم يؤذن بنشرها .
فما هي الروح المعنوية للمواطنين ؟ وكيف يقاس مقدار هذا التأثر ؟؟ .
ولم يكتفِ المشرع بذلك إذ أنه قيد أيضاً حق الحصول على معلومات والوثائق الرسمية الأخرى غير التي صنفها بدرجة ( سري للغاية ) أو ( سري ) أو ( محدود ) عندما نص في المادة (10) على :
( مع مراعاة أحكام أي قانون آخر تعتبر جميع الوثائق الرسمية الأخرى التي لا تشملها أحكام هذا القانون ( وثائق عادية ) وعلى المسؤول أن يحافظ على الوثائق العادية ويحفظها من البحث أو الضياع ولا يجوز إفشاء مضمونها لغير أصحاب العلاقة بها ما لم يصرح بنشرها ) .
وأخيراً وبعد أن قيد المشرع الأردني حق الصحفي في الحصول على المعلومات من المواد (11-13) قام بوضع عقوبات شديدة جداً كلها عقوبات جنائية وأهمها :
المادة 16 :-
من وصل إلى حيازته أو علمه أي سر من الأسرار أو المعلومات أو أية وثيقة محمية بحكم وظيفته أو كمسؤول أو بعد تخليه عن وظيفته أو مسؤوليته لأي سبب من الأسباب — أو إفشاءها دون سبب مشروع عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات .
إذن إن الملاحظ من كل ذلك أن المشرع قد سن تشريعاً يهدف إلى تقييد إحدى الحريات الضرورية ليس فقط للصحفي وإنما للمجتمع بأكمله وهو حق المعرفة أو حق الوصول للمعلومات .
وقد أثبتت السوابق القضائية وقوع العديد من الصحفيين وغيرهم في شرك أسرار ووثائق الدولة.
إن وجود مثل هذا القانون وبتلك الصياغة التشريعية يتعارض مع مواكبة ثورة المعلومات والعولمة ومكافحة الفساد والشفافية وحقيقة لا بد من وضع آلية تضمن حق الصحفي والمواطن في الحصول على المعلومات .
ولعل أفضل آلية لحل هذه المشكلة هو أن يُنص على هذا الحق في الدستور الأردني ومن ثم ترجمة هذا الحق من خلال سن تشريع يضمن حق الصحفي والمواطن في الوصول إلى المعلومات .
ولقد نهجت العديد من الدول هذه الآلية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا.
فمن الدول التي تنص دساتيرها على حق الوصول إلى المعلومات هولندا حيث نصت م/110 من الدستور الهولندي :
( على الحكومة واجب مراقبة حق الشعب في الوصول إلى المعلومات ) .
ومن الدول التي اعتمدت قوانين تضمن حق الوصول إلى المعلومات الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك قانون لضمان حق الوصول إلى المعلومات (FOIA) وفي النرويج يوجد قانون يسمى قانون تيسير حصول العامة على الوثائق .
لكن في العديد من تلك الدول تستطيع الحكومة رفض الكشف عن معلومات معينة قد تخل بالعلاقات الدولية أو الأمن العام او أمن الدولة أو الحريات الشخصية .
ومع ذلك يكون ذلك القرار خاضعاً للطعن أمام المحاكم الإدارية للنظر في مدى توافق الرفض مع القانون وحق الوصول إلى المعلومات .
لذا نعتقد ونحن في القرن الحادي والعشرين أنه لا بد من إلغاء قانون حماية أسرار ووثائق الدولة والذي هو مؤقت منذ عام 1971 وإتباع آلية الدول المتقدمة في رفع سقف حريات الصحافة والإعلام إذ ليس من المعقول أن تضع الدول المتقدمة قانوناً لحماية حق المجتمع بالمعرفة ويبقى في الأردن قانون يهضم المجتمع ذلك الحق .
قانون محكمة أمن الدولة:
على الرغم من التوجه الدولي لإلغاء المحاكم الخاصة كمحكمة أمن الدولة إلا أن المشرع الأردني ما زال مصراً على التمسك بهذه المحكمة على الرغم من الإجحاف الذي يلحق بالماثلين أمام تلك المحكمة نتيجة للنصوص القانونية المجحفة التي يتضمنها قانون محكمة أمن الدولة .
ولعل تلك المحكمة أصبحت تغدو الوحش المرعب في هاجس كل صحفي عند كتابته لأي مقال .
فقد سعى المشرع الأردني في ذلك القانون وتعديلاته بموجب قوانين مؤقته إلى تقييد حرية الصحافة والإعلام متبعاً في ذلك منهجية التشدد في الإجراءات الجزائية التي تمارسها نيابة أمن الدولة وتوسيع نطاق اختصاص محكمة أمن الدولة ومصادرة حق الطعن بقرارات محكمة أمن الدولة الصادرة بحق الصحفيين وأبرز تلك النصوص ما يلي :-
المادة (3) وتنص على :-
تختص محكمة أمن الدولة بالنظر في الجرائم المبينة أدناه التي تقع خلافاً لأحكام القوانين التالية أو ما يطرأ عليها من تعديل يتعلق بهذه الجرائم أو ما يحل محلها من قوانين :-
1- الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 .
3- الجرائم الواقعة خلافاً لأحكام قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم(50) لسنة 1971 .
6- الجرائم الواقعة على السلامة العامة المنصوص عليها في المواد من (157) إلى (168 ) من قانون العقوبات .
7- مخالفة أحكام المادة (195) من قانون العقوبات .
والملاحظ أن معظم الجرائم التي قد تنسب للصحفيين تدخل ضمن تلك الجرائم وهذا يعني مثول الصحفيين أمام محكمة أمن الدولة.
المادة 7/ب/1 وتنص على :-
( يمارس المدعي العام وأي من مساعديه من أفراد الضابطة العدلية وظائفهم استناداً للصلاحيات الممنوحة لهم بموجب أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية المعمول به ويجوز لأفراد الضابطة العدلية عند الضرورة الاحتفاظ بالمشتكى عليهم مدة لا تتجاوز سبعة أيام قبل إحالتهم للمدعي العام ) .
في حين أنه لا يجوز للضابطة العدلية بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية الاحتفاظ بالمشتكى عليه أكثر من 24 ساعة .وإذا بقي المشتكى عليه أكثر من 24 ساعة لوحق الموظف المسؤول بجريمة حجز الحرية الشخصية المنصوص في قانون العقوبات وهذا ما جاء في نص المادتين 112 و 113 من القانون .
والفرق واضح بين القانونين وهو تشدد المشرع في إجراءات التحقيق قبل الإحالة للمدعي العام أو المحكمة .
( على الرغم مما ورد في قانون أصول المحاكمات الجزائية المعمول به للمدعي العام إصدار مذكرة توقيف بحق المشتكى عليه في الجنح الداخلة في اختصاص محكمة أمن الدولة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً قابلة للتجديد إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك على أن لا تتجاوز مدة التجديد شهرين )
من الملاحظ أن معظم قضايا الصحافة هي من نوع الجنحة ولقد أعطى قانون أصول المحاكمات الجزائية الحق للمدعي العام في التوقيف في الجنح التي تزيد عقوبتها عن السنتين أما التي تقل عقوبتها عن السنتين لا يجوز له التوقيف فيها .
إلا أن قانون محكمة أمن الدولة وبموجب المادة السابقة ألغى العمل بهذه المادة بالنسبة للجرائم الداخلة في إختصاصها .والملاحظ أن الغاية هي التشدد أيضاً في اجراءات التوقيف .
المادة 9/ب :-
والتي حصرت حق الطعن بقرارات محكمة الدولة في الجنايات فقط وهذا يعني أن قراراتها في الجنح لا يجوز الطعن بها .وهذا مصادرة لحق دستوري من جهة ويخالف نص دستوري من جهة أخرى .
والغاية أيضاً التشدد في العقاب دون رقيب . يتضح مما سبق أن المشرع الأردني لم يعمل على زيادة مساحة حرية الرأي والتعبير ، وليس هناك من سبيل للخروج من المأزق الذي وضعت به الصحافة إلا إلغاء قانون محكمة أمن الدولة .
قانون انتهاك حرمة المحاكم
رقم (9) لسنة 1959
لقد احتوى هذا القانون على عدة نصوص تجرم بعض الأفعال والأقوال ومن ضمنها النشر والتي تؤثر على سير العدالة ومن شأنها إنتهاك حرمة وقدسية المحاكم بصفتها محراب عدالة .
ونحن حقيقة مع هذا القانون قلباً ولكن لسنا معه قالباً لأنه صيغ بعبارات واسعة وفضفاضة تتيح للنيابة العامة وبسهولة تفسيرها لتصبح في قالب التجريم . وهذا يخدم منهج المشرع الأردني في الحد من حرية الصحافة ومثال ذلك :-
م/11 :
( والتي عاقبت كل من نشر أمراً له تأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى …)
فكيف تستطيع النيابة العامة أن تقيس ابتداءً الرأي العام ؟ ومن ثم تقيس إذا كان له تأثير على طرف لمصلحة طرف أخرى في الدعوى ؟
لذا نوصي بتعديل القالب اللفظي لنصوص ومواد هذا القانون لتصبح أكثر تمشياً مع حرية التعبير والإعلام .
***
نعتقد أخيراً بعد بيان أهم المشكلات والقيود أمام الصحافة والإعلام وبيان أسبابها ونتائجها أن أسرع وأفضل الطرق لحل تلك المشاكل هو تحقيق مبدأ سيادة القانون وأن أسمى القوانين وأعلاها هو الدستور وهذا يقتضي سيادة الدستور على الدولة بمرافقها وتشريعاتها.
وفي الوقت ذاته يجب مراجعة كل التشريعات التي تؤثر على حرية الإعلام لتتوافق مع المواثيق والمعايير الدولية لحرية التعبير والإعلام.
فالمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقع وصادق عليها الأردن لها صفة السمو على التشريعات المحلية.
وللحفاظ على حرية التعبير والإعلام قد نصبح في حاجة ماسة وملحة إلى تعديل الدستور مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية حين أجرت أول تعديل على دستورها ونص:_
“يحظر على مجلس الكونغرس تشريع أي قانون يؤدّي إلى دعم ممارسة أي دين ، أو تشريع أي قانون يؤدّي إلى منع ممارسة أي دين ؛ أو تشريع أي قانون يؤدّي إلى تعطيل حرية الكلام أو النشر الصحفي أو حق الناس في إقامة تجمعات سلمية أو إرسالهم عرائض إلى الحكومة تطالبها برفع الظل”