مرةً أخرى يستهدف الحقد الأسود رجال الإعلام العراقيين، المسلحين بالفكرة والقلم، والساعين لكشف الحقيقة للمواطن غير القادر على بلوغها، الساهرين الليل لتكون صحفهم بين أيدي القراء قبل انبلاج الفجر. يستهدفهم الظلاميون الذين لا يملكون مقارعة الحجة بالحجة، أو مناقشة الفكرة بفكرة، لكنهم يملكون فعلاً بالإضافة إلى عقولهم المنغلقة على الغيبيات، شهوة الدم والموت والخراب. وحين يعجزون عن مواجهة الحقيقة القائلة بأن العراق تجاوز الفكرة المضحكة بتحوله إلى إمارات طالبانية يحكمها المتخلفون من أتباع الارهابي الدولي أسامة بن لادن، يلجأون إلى أحط الوسائل، المتمثلة بالتفجيرات الجبانة التي استهدف آخرها مقر نقابة الصحفيين العراقيين، وقبلها اغتيال فريق تلفزيوني كان يعد برنامجاً شعبياً في الموصل. وقبل ذلك زرع عبوة ناسفة في سيارة الصحفي جواد الحطاب، نجا منها بعناية الله وفضله.
وإذ تأتي هذه الحوادث بتتابع مثير للشك والغضب، فانها تعيد إلى ذاكرتنا، أسماء حوالي 250 صحفياً وإعلامياً، لقوا حتفهم على يد هذه العصابات الاجرامية، وهي حوادث تستحث كل ذوي الشأن، للنظر إلى الأمر بالخطورة التي يستحقها. نقول ذلك ونحن نؤكد أن كل دم تسفكه القاعدة هو خسارة للعراق، لكن الرسالة المبثوثة بين ثنايا استهداف الصحفيين تستدعي وعياً مختلفاً وأساليب مواجهة مختلفة، لانها باختصار رسالة مفعمة بالحقد على كل ما هو خير ونبيل، وهي تعني أن كل العراقيين يقعون في مرمى حقد وظلامية القاعدة، وأن استهداف حاملي مشعل الحقيقة والتنوير يعني أن انطلاقة العراق نحو المستقبل المأمول ستظل هدفاً للارهاب، وبخاصة أن الصحفيين لايحظون بأي اجراءات خاصة لحفظ حياتهم. وأن طبيعة عملهم تدفعهم للتحرك الدائم، والوجود المستمر في النقاط الساخنة.
وإذ نقدر عالياً ما أعلنه وزير الداخلية العراقي جواد البولاني بأن وزارته ستبذل جهدها لخلق وضع مريح لقيام الصحفيين بعملهم، ووفق ضوابط وآليات ستساعد بصورة كبيرة العاملين كافة في المجال الإعلامي على تأدية أعمالهم دون أذى، وإصدار أوامره إلى كل الدوائر المعنية في الوزارة لتسخير إمكاناتها لمساعدة الصحفيين، واستعدادها لتقديم الحماية والأمن لكل صحفي إذا ما طلب منها ذلك وفي إي وقت كان، وبالتعاون مع مرصد الحريات الصحفية، ومثلما نثمن إعلان الداخلية اعتمادها آليات جديدة لتنقل وحماية الصحفيين ولتوفير جو آمن لهم أثناء قيامهم بالتغطيات الصحفية في مختلف مناطق البلاد. فاننا اعتماداً على تجارب سابقة لن نشعر بالأمان، إلا بعد التطبيق الفعلي، ورؤية نتائج هذه الوعود حقيقة على أرض الواقع، تمنح الصحفيين الأمن والهدوء للقيام بواجبهم المقدس.
وللتوضيح فان نقابة الصحفيين العراقيين التي تضم أكثر من 5000 صحفي وإعلامي عراقي، عدا المسجلين في نقابة الصحفيين الكرد وتشمل جغرافيا 15 مقاطعة عراقية باستثناء المقاطعات الكردية الثلاثة اربيل والسليمانية ودهوك. وقد شرد 40% من مجموع المنتمين اليها داخل العراق أو خارجه. لم تحظ برعاية خاصة من الحكومة العراقية التي انشغلت في وقت ما عن الالتفات إلى ما يتعرض له الصحفيون العراقيون، لكن مجموعة من الناشطين بادرت قبل أربع سنوات الى تأسيس منظمة غير حكومية مستقلة، تخصصت بترسيخ حرية الصحافة والتعبير في المجتمع العراقي، وبتقديم المساعدات القانونية للصحفيين والكتاب الذين يحتاجونها. لكن ذلك لا يعتبر كافياً لا هو ولا وعود وزير الداخلية، والمطلوب تحرك حكومي عاجل ومؤثر يضمن حرية وحياة الصحفيين، على أن يكون مؤازراً من القوى السياسية الفاعلة كافة والمنظمات غير الحكومية وكل النقابيين.
وإذا كان الصحفيون العراقيون ينتظرون دعماً فاعلاً من نظرائهم العرب فان عليهم تذكر بيت الشعر القائل :.
لقد أسمعت لو ناديت حياً. ولكن لاحياة لمن تنادي….