قبل صدور حكم القضاء كان الانطباع بأن القضية المرفوعة بحق الاستاذ خالد
محادين قضية خاسرة ولم نكن بحاجة الى جولة قضائية جديدة لتذكرنا بأن نقد المؤسسات
العامة و المسؤولين بصفتهم العامة حق مباح كفله الدستور.
غير ان مجلس النواب »سلطة التشريع« وهنا المفارقة هي التي اختارت اللجوء
الى القضاء لتجريم الكاتب على مقالته »مشان الله يا عبدالله« لكن قرار القاضي
محمود الفريحات بدا وكأنه لفت نظر من سلطة القضاء الى سلطة التشريع بالبدهيات
الدستورية والقانونية فجاء نص القرار واضحا صريحا واستند الى مواد دستورية تكفل
للكاتب و او المواطن حق نقد الشخصيات العامة. ووجدت المحكمة "ان المقال موضوع
الدعوى تناول قضية ذات طابع اجتماعي يهم جميع افراد المجتمع ويطال شرائح الشعب
كافة ويتصل اتصالا وثيقا بالمصلحة العامة وهو بذلك يكون محلا للنقد والتمحيص
وابداء الرأي ضمن الحدود التي يجيزها القانون في ظل حماية دستورية مكرسة ومصانة".
القرار يعد مكسبا لحرية الصحافة ولحق المجتمع في المعرفة يضاف الى سلسلة من
القرارات السابقة التي تشكل في مجملها مظلة قانونية تحمي حرية التعبير.
لقد تأذى الاردن من قرار »النواب« بتحريك دعوى ضد صحافي خاصة في الخارج, لكن
حكم القضاء اكد من جديد ان الحريات الصحافية في الاردن مصانة بالقانون.
مشكلة السياسيين في بلادنا انهم ومن شدة تعلقهم بالسلطة لا يفرقون بين
صفتهم الشخصية والعامة فيتماهى الموقع الرسمي مع الشخص لدرجة يتراءى فيها للمسؤول
ان النقد الموجه للسياسات والمؤسسات نقد لشخصه الكريم يعود ذلك بالطبع الى البيئة
السياسية والاجتماعية التي تكرس ثقافة ابويه غير ديمقراطية لا تقيم وزنا لحق
المجتمع في مساءلة ومراقبة المسؤولين.
للمشكلة وجه اخر يخص الصحافة والصحافيين ايضا لان ليس كل نقد نقرأه او
نسمعه ينطبق عليه "النقد المباح" في القانون. والحكم الصادر في هذه
القضية فرصة للتذكير بالمسؤولية المترتبة على الصحافي وقد اشار اليها نص القرار
عندما شدد على ان نقد الشخصيات العامة يكون بصفتها العامة "لا بصفتها الشخصية".
فما يتصل باداء المسؤول وقراراته وسياساته هو ما يهم المجتمع وغير ذلك يقع
في باب الاساءة الشخصية والمناكفة لاعتبارات وحسابات لا تعني الهم العام وافراد
المجتمع.
ومقال الزميل المحادين ينتمي الى النوع الاصيل من النقد المباح ولهذا كسب
المعركة القضائية ومن قبل تضامن القوى الحية في المجتمع والخارج فيما خسر "النواب"
المعركتين معا.