كتبت نيفين عبدالهادي:يمكن لاي مراقب للمشهد الاعلامي العربي ان يلحظ بوضوح ان الرسالة الاعلامية العربية تتأطر في ذات القالب وتعاني من ذات المشكلات والهموم باستثناءات قليلة، وغدت الصحافة مهنة خطرة الى جانب كونها مهنة المتاعب لما يواجهه الصحفي العربي من ترسانة هائلة من القوانين والمحاذير التي تجعل من درب الصحافة مزروعا بالالغام اضافة الى ان هذه الرسالة لا تزال تبدو غير ملائمة لعصر يؤكد تمسكه بخيار الديمقراطية، اضافة الى ان الهم الصحفي في العالم العربي اصبح واحدا ولا تختلف دولة عن اخرى في هذا الاطار تقريبا.
ويقابل مشهد الترسانة اصرار من الصحفيين العرب كافة على الدفاع عن حقهم في حرية الصحافة والرأي والتعبير وان كانت لا تزال الخطى حذرة والتقدم ليس بحجم الحلم.. هكذا يبدو مشهد الاعلام العربي في دولنا العربية كافة.
في هذا الاطار اجمع عشرات الصحفيين والمحامين من »10« دول عربية على ان اكثر ما يهدد الصحفيين والحرية الصحفية هي مسألة توفير الحماية القانونية لهم، رغم ان معظم الدساتير العربية وقوانينها تشدد على مسألة حرية التعبير والرأي وضرورة توفير المعلومة والحرية الصحفية الا انه وللاسف لا تزال معظمها غير ملتزمة بذلك او ان تطبيق هذه القوانين لا يزال يخضع للانتقائية والمزاجية!!
في ظل ذلك يبقى السؤال كيف يمكننا كصحفيين عرب اقامة سياج قوي من الضمانات المهنية والادبية والقانونية وكذلك السياسية لنحمي بها مسيرتنا الصحفية من اية تدخلات او اعتداءات دون الحاجة الى زيادة الثقافة القانونية.
وبحسب اراء عدد من الصحفيين والمحامين العرب ممن شاركوا في ورشة عمل »الحماية القانونية للاعلاميين« التي نظمها مركز حماية وحرية الصحفيين فان المنطقة العربية وفقا لتقارير التنمية الانسانية في العالم العربي عن برنامج الامم المتحدة الانمائي هي اقل مناطق العالم السبع فيما يتعلق بالحريات السياسية والمدنية بوجه عام ورغم ان جميع الدول العربية تقريبا صادقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الا انها لم تقم بمراجعة تشريعاتها لجعلها اكثر اتساقا مع العهد وتضع العقبات والعراقيل امام الحريات الصحفية.
جورج انسي من صحيفة »صباح الخير« في جمهورية مصر قال ان موضوع الحماية القانونية من الموضوعات الشائكة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بحرية الرأي والتعبير وهي بالاساس تعتمد على رؤية الدولة لمهنة الصحافة والاعلام والقوانين الموضوعة لتنظيمها، وفي الاغلب فان معظم دول العالم الثالث تضع من القوانين والتشريعات ما يقيد العمل الصحفي، ومن هنا فانني ارى ان الحماية القانونية لمهنة الصحافة وللصحفيين من تعسف السلطة تأتي من خلال الغاء جميع العقوبات السالبة للحرية في جرائم الرأي باعتبار ان جريمة الرأي تختلف تماما عن طبيعة الجرائم الاخرى وبالتالي فان تفعيل حماية الصحفيين يتم من خلال الحكومات العربية كافة -كخطوة اولى- وذلك بهدف وضع اطار عام لالية التعامل مع الجرائم التي يرتكبها الصحفيون بصورة موحدة وفي نفس الوقت لا تتعارض مع القوانين المنظمة للعمل الصحفي في كل دولة على ان يكون الاحتكام في النهاية لهذا القانون الموحد.
واشار انسي الى ان ما دار في ورشة مركز حماية وحرية الصحفيين يؤكد ان الصحفيين العرب في حاجة ماسة الى هذا القانون اضافة الى تفعيل المراكز والجمعيات الاهلية الداعمة لحماية الصحفيين وتعريفهم بحقوقهم في مواجهة تعسف اي سلطة.
المحامية نسرين زريقات -المركز الوطني لحقوق الانسان- قالت ان مهفوم الحرية القانونية للاعلامي وحرية التعبير والرأي والاعلام قد تم النص عليه صراحة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وكذلك تمت الاشارة الى هذه الحرية في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ناهيك عن الدستور الاردني في مادته »15« لكن يقابل ذلك اصدار قوانين ادت الى الانتقاص والحد من هذه الحرية بفرض العقوبات الجزائية على الصحفي وهذا من شأنه التأثير سلبا على حرية التعبير والرأي.
واشارت زريقات الى ان من ابرز مقومات الحماية القانونية للاعلاميين رفع سقف الحرية السياسية ورفع سقف الحريات العامة وهذا يتطلب اولا واخيرا تنمية المعرفة القانونية لدى الصحفي والاعلامي بالقوانين التي تتناول جرائم الصحافة وكذلك بيان المفاهيم القانونية الضرورية التي من شأنها مساعدة الصحفي على التلاعب والتملص من النص القانوني بطريقة تكفل حرية الصحافة واطلاق الاقلام الحرة.
بدورها قالت رولا سرحان صحفية من فلسطين- المجلس التشريعي الفلسطيني- ان حرية الرأي والتعبير احد اهم الحقوق والحريات العامة التي لا يجوز المساس بها والتي كفلتها معظم الدساتير ونصت عليها المواثيق والاعراف المتعلقة بالحريات ولكن ورغم ذلك نجد انه ليس هناك فعليا حماية حقيقية لهذه الحريات ولربما نجد في بعض الاحيان جهلا في الاوساط الصحفية في كيفية التعامل معها، من هنا تأتي اهمية الحماية والوعي القانونيين للصحفيين فالمصطلحات الفضفاضة والقيود التي تفرض على حرية التعبير في الدول العربية لا تساهم ولا تدفع باتجاه وجود حماية قانونية فاعلة للصحفيين.
فالحماية القانونية تعني ان تمكن الصحفي من التعرض للامور العامة بكل حرية وبضمانات قانونية بعيدة عن الادانة.
ومن اليمن يقول المحامي والصحفي خالد سالم: اذا ادرك الصحفي حقيقة المهنة التي يمارسها وانها رسالة خلاقة باعثها الاول الحب وان كلماته التي يسطرها تبعد عن نفسه قبل كل شيء وان غايته تقويم الاخر الذي يتناوله لا الانتقام منه مثله مثل الطبيب الجراح الذي يستخدم المشرط ليستأصل الداء لا لقتل المريض. واذا وضع الصحفي نفسه موضع الاخر الذي يعزم ان يتناوله بالنقد والكتابة وعامله كما يحب ان يعامله الاخرون فان ذلك هو معيار الحماية القانونية الاول لان القانون بقلوبنا قبل ان يكون بالاوراق وهو يتفق مع الفطرة ولا يختلف معها.
أما المعيار الاخر الذي يلزم كل فرد في المجتمع وعلى رأسهم اعضاء السلطة المحاسبة فهو الالمام بالقواعد والمهارات الاساسية للقوانين. وبين المعيارين معيار بسيط جدا ومهم جدا هو الالتزام بالمهنية.
زياد حيدر مراسل جريدة »السفير« اللبنانية في سوريا اشار بدوره الى انه ليس ممكنا الالمام الكامل بالقانون وبالتالي الحذر المطلق في الكتابة لانها تضيق على الكاتب من داخل نفسه واحسب ان الحماية القانونية تحتاج الى المام نسبي في المسائل الاكثر شيوعا واللجوء الى مستشار قانوني اذا ما احتجنا الى استشارة في قضية شائكة او مثيرة للجدل.
واشار حيدر الى ان الصحفي عليه التركيز عند نقل الاحداث او كتابة المقال على مسألة لماذا ينشر؟ والى ماذا يهدف وان كنا نريد تميزا في عملنا فلا بد من المخاطرة.
واشار حسن العجمي صحفي من دولة الكويت بدوره الى ضرورة ان يضع الصحفي او الاعلامي مشاعر الاخرين ومعتقداتهم في عين الاعتبار وعدم التجريح بهم وعليه ان يكون صادقا في نقله للاحداث التي تدور من حوله سواء كانت تتفق مع رأيه الشخصي او لا تتفق.
وطالب العجمي بضرورة منع حبس الصحفي الا فيما يتعلق بالذات الالهية ورمز الدولة والاديان.
واشار الى ان ورشة عمل الحماية القانونية كانت بمثابة سراج ينير الطريق المظلم في بحثه عن الحقيقة بأسس قانونية تحفظ له حقوقه.