في الوقت الذي يحاول فيه الأردن أن يحجز له مكاناً متقدماً في عالم الديمقراطية، لم يعد من السهل التقدم “خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف”.
الآن وبعد أن هدأت الأعصاب، سواء عند من كانوا مع أو من كانوا ضد توقيف الزميل فهد الريماوي رئيس تحرير المجد، تبين أن توقيفه كان خطوتين إلى الوراء، وأساء إلى صورة الأردن الذي يحاول أن يقدم نموذجاً للتحول الديمقراطي في المنطقة.
في الخمسينات كانت قوانين المطبوعات لا تجيز توقيف الصحفي قبل صدور قرار قطعي من المحكمة، وأيضاً كان ينص قانون المطبوعات لسنة 1973 على حظر توقيف الصحفي قبل صدور قرار قطعي من المحكمة، والآن ليس من المعقول و التطور السماح بتوقيف الصحفيين قبل صدور قرار قطعي من المحكمة.
إن توقيف الصحفي أمام الإدعاء العام أو غيره هو عقوبة سابقة لأوانها، وهو إجراء يجب أن يناط فقط بقرار قطعي من المحكمة، خاصة إذا علمنا أن المحاكم النظامية وليس الخاصة لم تسجن أي صحفي بقرار قطعي منذ إنشاء الأردن كإمارة عام 1921، (سوى حبس 3 من صحفيي اسبوعية الهلال العام الماضي بقرار من محكمة أمن الدولة).
وطالما اهتدينا بما يجري في الشقيقة الكبرى مصر، ففيها يحظر الحبس الاحتياطي في قضايا المطبوعات ما عدا مخالفة المادة 179 عقوبات متعلقة بذم رئيس الجمهورية، وكذلك الأمر في اليمن.
كما أن المعايير الدولية لحرية الصحافة في مجتمع ديمقراطي، لم تعد تتفهم سجن صحفي في قضايا الرأي، فقد أصبحت حرية الصحافة عاملاً أساسياً في النمو الاقتصادي ومكافحة الفساد ومراقبة أعمال الإدارة حتى في أكثر دول العالم ديمقراطية.
وبتاريخ 28/8/2001 صدر القانون اللمؤقترقم 44 لسنة 2001 والذي وسع اختصاص محكمة أمن الدولة وجاء فيه:
أ. تختص محكمة أمن الدولة بالنظر في الجرائم المبينة أدناه والتي تقع خلافاً لأحكام القوانين الحالية أو ما يطرأ عليها من تعديل يتعلق بهذه الجرائم أو ما يحل محلها من قوانين.
ب. الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي و الخارجي المنصوص عاليها في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960.
وبهذا أصبحت محكمة أمن الدولة مختصة بالنظر في القضايا المرتكبة خلاف المادة 118 من قانون العقوبات التي تعاقب بالإعتقال المقت لمدة خمس سنوات على الأقل لكل من يقوم بكتابات لم تجزها الحكومة من شأنها أن تعكر صفو العلاقات مع دول أجنبية.
وقبل تعديل قانون محكمة أمن الدولة بقانون مؤقت، 112 قانوناً أقرتها حكومة أبو الراغب، كانت الولاية لمحكمة الجنايات في النظر بما يرتكب خلاف المادة 118، وقبل سنوات تمت محاكمة الزميل الريماوي نفسه على أساسها، عندما دعا البحرين للاقتداء بقرار الراحل الملك الحسين بتعريب قيادة الجيش العربي، وبأن تقوم البحرين بطرد مدير الاستخبارات البريطاني فيها، وصدر القرار بعدم مسؤوليته.
ولأن القانون الأردني يبيح نقد القوانين ولا يعاقب على بيان خطورتها، فإن قانون محكمة أمن الدولة هو قانون عرفي وغير ديمقراطي ويعمل على تشويه صورة الأردن. وآن الأوان لإلغاء المحاكم الخاصة، فلم يعد مقبولاً محاكمة صحفي في مجتمع ديمقراطي أمام محكمة عسكرية. وهذا لا يعني بأي حال أننا ننتقد أشخاص قضاة المحكمة أو مدعيها العام أو نحاول التأثير عليهم.
أما في قرار تعليق صدور صحيفة المجد فلا يوجد نص قانوني يتيح تعليق صدورها، ذلك أن تعليق الصدور كان ينص عليه قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998، قبل تعديله بقانون رقم 30 لسنة 1999 الذي ألغى حق تعليق صدور الصحيفة.
كما أن جوار تعليق صدور الصحيفة حسب المادة 150 من قانون العقوبات لم يعد قائماً، بعد إلغاء نص المادة كما جاء بالقانون رقم 54 لسنة 2001 والمنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 4510 الصادر بتاريخ 8/10/2001، والعودة إلى نصها الأصلي. حيث كانت المادة 150-2 تنص ” … كما ويقضى بإغلاق الصحيفة أو المطبوعة بصورة مؤقتة أو دائمة وفقاً لما تقرر المحكمة، ( وليسش النيابة ) ” .
لكن الذي جرى أنه تم إلغاء هذا العديل بقانون مؤقت بتاريخ 21/4/2003 وتمت العودة إلى النص الأصلي للمادة، وبهذا تم إلغاء تعليق صدور الصحيفة أثناء التحقيق أو أثناء نظر الدعوة.
أما قانون المطبوعات النافذ حالياً فلا يجيز تعليق صدور الصحيفة، وإن كان يجيز للوزير إيقاف المطبوعة عن الصدور عند خلو منصب رئيس التحرير لمدة أقصاها شهران.
كما يجوز للمحكمة، (البداية) وليس الإدعاء العام، إلغاء رخصة المطبوعة إذا خالفت شروط ترخيصها، شريطة أن يكون الوزير أنذرها مرتين. (المادة 19- ب)
بعد توقيف الزميل الريماوي، وردود الفعل المحلية والدولية المستنكرة لذلك، من الضروري أن يكون ما جرى للزميل الريماوي آخر محاولة لمن يريدون تكميم الأفواه، ولو قرأ صانعوا القرار هذا المقال، لنصحتهم بوعد الريماوي، بان ما جرى معه هو المرة الأخيرة التي يتم فيها إعتقال صحفي على رأي، وأنا متأكد أنه سيعيد إصدار “المجد” كصوت آخر يجب أن نتيح الفرصة له، إذا كنا نؤمن قولاً وفعلاً بالضمانة الدستورية: “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير …” إلى آخر المادة 15 من الدستور الأردني.