أثلج صدرنا الملك عبدالله الثاني حين قال بكلام واضح لا لبس فيه أن "توقيف الصحافيين في قضايا النشر لن يتكرر في الأردن" وأنه "ممنوع توقيف الصحافيين"بعد الآن في قضايا المطبوعات والنشر وقال أيضا "انني لا أرى أي سبب لتوقيف صحافي لأنه كتب شيئا" لافتا في ذات الوقت إلى حق المواطن في اللجوء إلى القضاء في حال تعرضه للاساءة عبر وسائل الإعلام.
كلام الملك لا يحتاج إلى تأويل ، وقد لقي ارتياحا عظيما في أوساط الصحفيين ، حيث شعروا أن الملك هو سندهم الدائم في مهنتهم ، وكلامه الصارم يوفر للصحفي والكاتب جوا مريحا ، وبيئة مواتية للابداع وخدمة الوطن والأمة.
كلام الملك الجميل والدافىء الداعم لحرية التعبير بشكل مطلق ، يفتح المجال للحديث في قضية أثارت جدلا ولغطا كبيرا في الأوساط الثقافية ، وهي حبس الشاعر والاعلامي اسلام سمحان الموقوف في سجن الجويدة منذ يوم الاحد 18 ـ 10 ـ 2008 بتهمة مخالفته قانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات ، تصريحات الملك بخصوص الصحفيين ، من باب أولى أن تنطبق على الكتاب والشعراء والأدباء ، مع الاحتفاظ بحق أي جهة معترضة على هذا التصرف أو ذاك باللجوء إلى القضاء ، إن كان ثمة خصومة بحق هذا التصرف ، أما أن يتم حبس شاعر بسبب قصيدة ، فهذا ما لا يمكن أن يفهم ، وهو بمثابة إدانة لـ "الظنين" الذي يمكن أن تثبت براءته مما اتهم به ، بعد محاكمة عادلة وعلنية ، صحيح انه غير مسموح على الاطلاق الاجتراء على القيم الدينية ، ولا التعرض بأي شكل من الأشكال للمقدسات ، ولكن لتقل المحكمة كلمتها التي نجل ونحترم ، ثم لتصدر الحكم العادل ، أما أن يحبس شاعر بسبب قصيدة ، قابلة للتأويل ، والفهم متعدد الوجوه ، فهذا مما لا يمكن فهمه ، في ظل موقف القصر الملكي ، الواقف بشدة ضد حبس الصحفي ، فما بالك بالشاعر،؟؟
محنة إسلام سمحان ، تذكرني بمحنة أحد أعلامنا الكبار ، وهو الإمام المحدث ابن حبان ، الذي يعرفه جيدا دارسو الحديث النبوي الشريف ، وهو صاحب كتاب الأنواع والتقاسيم الذي أطلق عليه أهل العلم اسم (المسند الصحيح) ، ومفاد المحنة أن الإمام ابن حبان أثناء إلقائه لأحد الدروس في نيسابور سئل عن النبوة فقال: النبوة "العلم والعمل" ، وكان يحضر مجلسه بعض الوعاظ فقام إليه واتهمه بالزندقة والقول بأن النبوة مكتسبة ، وارتفعت الأصوات في المجلس وهاج الناس بين مؤيد للتهمة ونافْ لها ، وخاضوا في هذا الخبر على كل وجه ، حتى كتب خصوم ابن حبان محضرًا بالواقعة وحكموا عليه فيه بالزندقة ومنعوا الناس من الجلوس إليه ، وهُجر الرجل بشدة ، وبالغوا في أذية ابن حبان وتمادوا في ذلك حتى كتبوا في أمر قتله وهدر دمه إلى الخليفة العباسي وقتها ، فكتب بالتحري عن الأمر وقتله إن ثبتت عليه التهمة ، وبعد أخذ ورد اتضحت براءة ابن حبان ولكنهم أجبروه على الخروج من نيسابور إلى سجستان. وهناك وجد أن الشائعات تطارده والتهمة ما زالت تلاحقه.
وتصدى له أحد الوعاظ هناك واسمه يحيى بن عمار وظل يؤلب عليه حتى خرج من سجستان وعاد إلى بلده "بست" ، وظل بها حتى مات رحمه الله مهمومًا محزونًا من الأباطيل وتهم الزندقة والإلحاد ، هذه الحادثة تذكرنا بمقولة الإمام مالك الشهيرة: [إذا قال الرجل قولاً يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهًا والإيمان من وجه واحد حملناها على الإيمان] ترى هل يبقى الشاعر إسلام سمحان محبوسا بعد كل هذا؟؟