كردة فعل
احترازية على اختطاف اثنين من صحافييها، اتخذت قناة «فوكس» الأميركية إجراءات
لـ«لجم» مذيعيها، ومنهم من هو معروف بأساليبه وآرائه اللاذعة كالمذيع بيل أورايلي،
وذلك في محاولة منها لحماية مراسل ومصور تلفزيوني تابعين لها كان خطفا في غزة،
بحسب ما ذكرت مطبوعة «برودكاست» البريطانية المتخصصة في الإعلام مؤخرا. ونقلت
«برودكاست» عن مصادر داخلية في القناة التي تُوصف كثيرا بأنها بوق لليمين الأميركي
المتشدد أن رسالة تحريرية وزعت على الموظفين والمذيعين الرئيسين محذرة إياهم
بأن«لا يتحدثوا او يستضيفوا محللين حول الموضوع (اختطاف الصحافيين)». من جهة ثانية
تقوم كبيرة مراسلي القناة في القدس، جنيفر غريفين، بتلاوة آخر التطورات كل ساعة
تقريبا منذ ان تم اختطاف مراسل القناة الأميركي ستيف سينتاني ومصوره أولاف ويغ في
الرابع عشر من شهر أغسطس (آب) الجاري. وعلى الرغم من المحاولات والاتصالات
المتكررة للحصول على تعليق، ومعرفة ما إذا كانت هذه الإجراءات ستؤثر على سياسة
القناة التحريرية بشكل دائم ، فإن مسؤولة العلاقات العامة في المركز الرئيسي
لـ«فوكس» في الولايات المتحدة لم تلتزم بالموعد النهائي المتفق عليه مع «الشرق
الأوسط» للرد، كما أنها لم ترسل اعتذارا أو توضيح لأسباب عدم التجاوب. وتقول إنعام
العبيدي، رئيسة قسم الإعلام في جامعة بيرزيت الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط» إن قناة
«فوكس» الأميركية تمثل الوجه المفضوح للإعلام الأميركي المنحاز للسياسات الاميركية
ضد القضايا العربية…لكنها لا تعتبر أن ذلك يبرر خطف الصحافيين أبدا، وتحمل
الإدارة الأميركية المسؤولية المباشرة عن خطف الصحافيين، وتقول إن على بوش أن يسأل
عن الأسباب، إذ لا خيار آخر للمستضعفين والفئات التي هي نتاج السياسة الأميركية
سوى عمليات المقايضه تلك. وترى العبيدي أن هذه العمليات تفسح المجال للمتربصين
بالقضية الفلسطينية لرسم صورة الإرهابي للشعب الفلسطيني، وهي بذلك تسيء للنضال
الفلسطيني، وتعتقد العبيدي أن القناة رغم انحيازها الفاضح غير معروفه لدى عامة
الناس، وان كانت تغطيتها لوقائع الحربين على العراق ولبنان ساعدت على فضح مواقفها
أكثر، ولذلك فإنها تتشكك في استهداف القناة تحديدا، وترى ان الهدف من خطف
الصحافيين ابعد من ذلك، مع احتمال تحديد القناة كأميركية منحازة وسيلة للضغط،
وترفض العبيدي مقارنة المشهد في غزة مع ما يحدث في العراق لكنها فقط تتمنى ألا
يتحول القطاع الى عراق آخر، وتعتقد انه لا يزال آمنا بالنسبة للصحافيين الأجانب.
ويختلف الإعلامي الفلسطيني والمحلل السياسي يحيي رباح مع قناعات العبييدي، ويرى أن
اتهام «فوكس» بالانحياز رأي غير علمي، ومبني على دعوات غير مدروسة بشكل جيد لقطع
الجسور مع ما سماه الآخر، ويعتقد انه يجب التقرب الى «فوكس»، ومدها بالمعلومات،
وكثير من الحقائق، حتى لو كانت منحازة للاسرائيليين، بهدف كسب تعاطف الرأي العام
الأميركي مع القضية الفلسطينية. وشدد رباح على ضرورة مواصلة الجهود لحمل «فوكس»
على الانضمام الى قائمة أولئك الذين يخدمون فلسطين وقال: «إن الثورة الفلسطينية
حرصت وكان لها أصدقاء إعلاميون يرفعون الصوت عاليا في كل معاركها التي خاضتها،
ونحن يجب أن نضاعف حجم الأصدقاء». ولا يخشى رباح من سوء استخدام المعلومات أو
تغييبها في فوكس، ويقول إن ما جرى أصلا يثبت أن ما تعرض له صحافيو «فوكس» لا علاقة
له بانحياز القناة، ولا بالقضية الفلسطينية، بل يهدف الى الإساءة لهذه القضية. لكن
هناك من يخالف رأي رباح، منطلقا من تجربة شخصية، فمنذ نحو 3 أسابيع تسربت الى
منتديات الإعلام على الانترنت قصة استقالة موظفتين عربيتين عملتا مع قناة «فوكس»
من مكتبها في العاصمة الأردنية عمّان، وهما الأردنيتان سيرين صباغ وجمانة كرادشة،
وبحسب المنتديات فإن صباغ وكرادشة كتبتا في رسالتة استقالتهما أن قرارهما يأتي
احتجاجا على السياسة التحريرية للقناة، وانهما لم تعودا قادرتين على العمل «مع
مؤسسة تدعي أنها عادلة ومنصفة.. وهي أبعد ما يكون عن ذلك». وفي حديث مع «الشرق
الأوسط» أوضحت سيرين صباغ أنها عملت مع القناة لمدة 3 سنوات كمنتجة وإدارية،
وتحديدا قبيل انطلاق الحرب في العراق. وردا على سؤال حول لماذا اختارت الاستقالة
من القناة الآن فيما «فوكس» متهمة بتوجهها اليميني منذ زمن بعيد، تقول «اتخذنا
القرار تحديدا بعد مجزرة قانا الثانية.. لم اعد استطيع التحمل». وتوضح سيرين
«عندما انضممت للعمل مع «فوكس» كنت على أمل أن أصنع فرقا»، ولكنها تضيف انه اتضح
لها انه «من المستحيل تغييرها (السياسة التحريرية للقناة)». ومن كلام سيرين يبدو
واضحا انزعاجها من الانتقائية في اختيار المعلومات والضيوف، وتعطي مثالا انه تمت
استضافة محلل إسرائيلي للتعليق على الحرب الأخيرة، فسأله المذيع «لماذا أنتم
مكرهون لهذه الدرجة؟».. فأجاب الضيف الإسرائيلي «لأننا نخوض حرب الدفاع عن أميركا
من الراغبين في تحويلها الى ولاية اسلامية». وتضيف سيرين «لست لأمنع الناس من
الإدلاء بآرائهم، ولكن كان لا بد من استضافة خصم لهذا الضيف للرد عليه، وهو ما لم
يحدث». وتعطي مثالا آخر هو قول مذيعين إن «اسلحة الدمار الشامل العراقية انتقلت من
عند صدام حسين الى حزب الله»، وان مجزرة حصلت لأن «حزب الله وضع الناس كدرع بشري
له». وبجميع الأحوال، لا ترى جمانة أن سياسة القناة تبرر اختطاف الصحافيين ، او
انه سيجبر القناة على تغيير سياستها التحريرية، وان لم يكن ذلك الهدف الخاطفين
المعلن. وتقول «المشكلة أن الكثيرين لا يعرفون حل الأمور سوى بالخطف والقتل…
وهذا ما سيزيد الأوضاع سوءا».
اللافت، هو أن خاطفي الصحافيين
لم يعلنوا ان توجه قناة «فوكس» كان له أي علاقة بقيامهم بهذه العملية، فمطالبهم
كانت سياسية كونهم طالبوا الولايات المتحدة بإطلاق سراح أسرى لديها. ويعود رباح
ليشرح أن ظهور جماعات جديده وتكرار هذا النوع من العمليات الى غياب المرجعية
الفلسطينية، ما يأخذ البعض القليل على حد وصفه نحو العنف الذي يقرب الشعب
الفلسطيني من صورة سلبية تبدو شبيهة بالمشهد العراقي، خصوصا بعد البيان الأخير
لجماعة جديدة أطلقت على نفسها جماعة «الجهاد المقدس»، (يعتقد رباح انه اسم مزيف)
وهددت بذبح الصحافيين خلال 72 ساعة من ظهر الأربعاء الماضي، إذا لم يطلق سراح
المسلمين المعتقلين لدى الولايات المتحدة. ويعتقد محمد الداوودي، نائب نقيب
الصحافيين الفلسطينيين ومدير «تلفزيون فلسطين»، إن مطالب الخاطفين بإطلاق سراح
المسلمين المعتقلين لدى الولايات المتحدة ليست جادة، ويصفها بـ«الفيلم» ويعتقد ان
الهدف الحقيقي غير معلن، ويذهب أبعد من ذلك، ليقول انه ربما بهدف المطالبة بفدية
مالية، ويشرح الداوودي كيف يتعامل الإعلام المحلي الفلسطيني مع الحادثة كقضية
وطنية، تسيء لسمعة ونضال الفلسطينيين، وكيف يجهد في توعية الرأي العام بمضار
العمليات، بينما لا يزال الإعلام العربي يغطي الحادثة كخبر لا أكثر، كما يقول
الداوودي الذي عاد ليؤكد أن الخاطفين على الأغلب لا يعرفون «فوكس» وأجندتها بقدر
ما كانوا يبحثون عن أجنبي حسب رأيه.
* علاقة الخطف والأضواء > من
المفارقات الإنسانية أن يصبح ناقل الخبر صانعاً له أو بطلاً فيه من دون أن يتعمد
ذلك. ولكن هذا بالضبط ما حصل ويحصل مع الصحافيين الذين تعرضوا للخطف أو القتل في
أماكن عملهم، وبعدما كانت أسماؤهم معروفة فقط ضمن دائرة قراء مطبوعتهم أو مشاهدي
برامج قناتهم التلفزيونية، طارت شهرتهم في نواحي الدنيا الأربعة، وتناقلت وسائل
الإعلام العالمية أسماءهم وصورهم ومناشداتهم لحكومات دولهم إنقاذ حياتهم.
بعض هؤلاء كانوا إعلاميين
مرموقين في دولهم كالصحافية الإيطالية جيوليانا سغرينا، التي تعد ـ داخل إيطاليا
على الأقل ـ من ألمع الأقلام في صحيفة «المانيفستو» الشيوعية. ولقد خطفت سغرينا في
العاصمة العراقية بغداد خلال شهر فبراير (شباط) 2005 على يد جماعة طالبت بسحب
القوات الإيطالية العاملة ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. ومن قبيل
المفارقة أيضاً أن عملية إنقاذها الملتبسة في تفاصيلها، كادت تثير أزمة سياسية بين
الحكومة الأيطالية اليمينية السابقة برئاسة سيلفيو برلوسكوني، صديق واشنطن الحميم،
والسلطات الأميركية بعد إطلاق العسكريين الأميركيين النار على ضابط الاستخبارات
الإيطالي، الذي تولى التفاوض لإطلاق سغرينا، وأرداه قتيلاً بينما كان والصحافية
المحررة في طريقهما إلى مطار بغداد الدولي، لمغادرة العراق يوم 4 مارس (آذار).
في المقابل، يمكن القول إن
جريمة الخطف أسهمت إسهاماً مباشراً في شهرة إعلاميين آخرين، كانوا قبل ما تعرضوا
له أشبه بـ«جنود مجهولين» في خدمة بلاط صاحبة.. الصحافة.
بين هؤلاء جيل كارول، وجورج
مالبرونو، وإيفون ريدلي، وتيري أندرسون.
جيل كارول، الصحافية الأميركية
العاملة في صحيفة «كريستشن ساينس مونيتور»، خطفت في العراق يوم 7 يناير (كانون
الثاني) 2006 على يد جماعة «ألوية الثأر» المجهولة الخلفية يومذاك والتي طالبت
مقابل إطلاقها الإفراج عن النسوة العراقيات المعتقلات في السجون العراقية الخاضعة
للإمرة الأميركية. وأفرج عن كارول يوم 30 مارس (آذار) من العام الحالي بعد 11
أسبوعاً من الاحتجاز، وتلاقي مذكراتها التي تنشرها صحيفتها يوميا اقبالا كبيرا،
وفي اليوم الأول زار 450 ألف شخص موقع المذكرات على الانترنت. أما جورج مالبرونو،
فهو صحافي فرنسي يعمل لصحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، وخطفه مسلحو ما يعرف بـ«الجيش
الإسلامي في العراق» مع زميله الاعلامي الإذاعي كريستيان شينو يوم 20 أغسطس (آب)
2004. وكان السبب المعلن الاحتجاج على الإجراءات الحكومية الفرنسية ضد ارتداء
الطالبات المسلمات الحجاب في المدارس الفرنسية، وقد أطلق سراح مالبرونو وشينو يوم
21 ديسمبر (كانون الأول) 2004.
خارج العراق، تعرضت الصحافية
البريطانية إيفون ريدلي، العاملة مع صحيفة «الصنداي إكسبرس» الأسبوعية، للخطف في
أفغانستان على أيدي مسلحين تابعين لحركة «طالبان»، في شهر سبتبمبر (أيلول) 2001.
وبعد 11 يوماً من الاحتجاز أفرج الخاطفون عن ريدلي التي اعتنقت الإسلام في ما بعد،
وصارت ناشطة في معارضة «الحرب على الإرهاب» التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج بوش.
كما رشحت نفسها في الانتخابات العامة الأخيرة باسم «حزب الاحترام» الذي يتزعمه
جورج غالاواي النائب المنشق عن حزب العمال، غير أنها لم تفز. وسجلت عدة مواقف
وأدلت بعدة تصريحات منتقدة للحكومة البريطانية ومتعاطفة مع العمليات الاستشهادية
والانتحارية.
وبعكس ريدلي، نشط الصحافي
الأميركي تيري أندرسون، الذي كان يعمل مع وكالة «أسوشييتد برس»، عندما خطف في
العاصمة اللبنانية بيروت عام 1985، ضد الجهة التي خطفته. أندرسون كان واحداً من
مجموعة من الغربيين الذين خطفتهم جماعات شيعية راديكالية متعاطفة مع الثورة
الخمينية الإيرانية. وبعد ست سنوات من الاحتجاز أطلق سراحه عام 1991، وبعدما كسب
شهرة من عمله في برامج المحاورات التلفزيونية رفع دعوى قضائية ضد السلطات
الإيرانية التي حملها مسؤولية خطفه، وكسبها.
أيضاً في لبنان خلال الفترة
ذاتها قريباً، خطف الصحافي البريطاني الشاب جون ماكارثي، العامل مع تلفزيون
«يو.بي.آي.تي.إن» المعروفة اليوم بـ«دبليو.تي.إن» (وورلد تلفيجن نيوز)، واحتجزه
خاطفوه من الشبان الراديكاليين الشيعة لمدة 1943 يوماً مكبلاً ومعصوب العينين.
وقبل خروجه لم يشتهر اسم ماكارثي ورفاقه المخطوفين فقط، بل اشتهر كثيرون من
أصدقائهم الناشطين من أجل إطلاق سراحهم في مقدمهم جيل موريل، صديقة ماكارثي
وخطيبته. ولقد استطاع ماكارثي المحافظة على شهرته بعد إطلاق سراحه، وألف كتابين.
اعدها :فيصل عباس و كفاح زبون