استيقظت صباح امس على نبأ محزن من غزة، الصديق خليل الزبن، استشهد برصاصات غادرة، مجهولة المصدر والهوية، وقدر لي ان اشاهد ملامح وجهه المتكدر احتجاجا على لغة القتل والرصاص واستنكارا لفعلة قاتليه، وهو الذي لم تبارحه البسمة والنكتة والصوت المجلجل، في حلّه وترحاله.
آخر مرة التقيت الزبن في غزة كانت زمن الزيارة التاريخية لرئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون وعائلته واركان ادارته للمدينة، واجتماعهم بأعضاء المجلس الوطني في قاعة الشوا في المدينة، يومها كان الرجل مزهوا كعادته، وفرحا كعادته، فالزيارة حملت املا ووعدا لطالما سكنا قلب وروح وعقل فقيدنا، ولقد امكن لنا ان نقضي ساعات طوال نستذكر فيها قصصا وفصولا من تجربة مشتركة ومتشابهة الى حد ما.
اخذ خليل على عاتقه مسؤولية استئناف المهمة التي بدأها صديقنا المشترك ميشيل النمري رحمه الله، فأعاد اصدار دورية »النشرة« التي بدأها ميشيل في قبرص واستأنف اصدارها من اثينا بعد ان ضاقت عليه الساحات العربية.. لكأنه بقراره هذا كان يبحث – عن سبق الترصد والاصرار – عن نهاية مماثلة.. فأودت رصاصات الغدر الجبانة بحياة خليل صبيحة امس، مثلما اودت رصاصات غادرة بحياة ميشيل النمري في اثينا في ايلول 1986.
لكن الفارق بين النهايتين محزن ومؤسف، فميشيل سقط برصاص غير فلسطيني، اعتاد مطلقوه، ومن يدعمهم من عواصم الاقليم على اغتيال الفلسطينيين واستهداف وجودهم وقرارهم المستقل، بينما الرصاصات التي انطلقت في صدر الزبن، جاءته تصفر من خلف البيادر الفلسطينية، ومن بنادق فلسطينية.
ميشيل ذهب ضحية الانقسام الفلسطيني المندمج بحسابات الاقليم وعواصمه التدخلية، وخليل ذهب ضحية الانقسام وفوضى السلاح والسياسة على الساحة الفلسطينية.
ومثل ميشيل النمري، فان خليل الزبن صادف الموت مرات عديدة، وتوقعه في اكثر من منعطف وعند اكثر من ناصية طريق، بيد ان الشهيدين، كلاهما، لم يخطر ببالهما ابدا ان تكون النهاية على هذه الشاكلة، وبهذه الطريقة وبهذه الرصاصات.
وستدخل »النشرة« التاريخ من البوابة المحزنة، فهي الدورية التي تودع رؤساء تحريرها الى مثواهم الاخير لكأن الصدور قد ضاقت بكلمة حق هنا، وتقرير ناقد هناك، فلم تعد ثمة من وسيلة لكسر الاقلام الا بدق جماجم حملتها واصحابها.
خليل تولى متابعة وترتيب النشرة بعد رحيل ميشيل، بل وكان الشخص المكلف بمتابعة ترتيبات التحقيق ونقل الجثمان، فمن سيتولى الان، بعد رحيل خليل المهمة ذاتها، وهل سيتوقف اليوم المشروع الذي بدأه ميشيل قبل عشريتين من السنين، ام ان »استشهادي« آخر سيواصل المهمة، مؤمنا بان لكل اجل كتاب، ومسلما بحقيقة »ولا تدري نفس بأي ارض تموت«.