يرى سياسيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان أن المبادرات الحكومية
بنشر اتفاقيات دولية في الجريدة الرسمية إيذانا بدخولها حيز النفاذ، وتوجهها لعرض
أخرى على مجلس النواب لإقرارها، يجب أن يقترن بـ"تشكيل هيئة وطنية لمراجعة
كافة التشريعات لمواءمتها مع أحكام الاتفاقيات الدولية".
ويشيرون إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب مواءمة التشريعات المحلية مع
ما ورد في اتفاقيات حقوق الإنسان، التي نشرت بالجريدة الرسمية في تموز (يونيو)
الماضي، وتجميد قوانين أو مواد قانونية تتعارض ومضمونها.
ويؤكد وزير التنمية السياسية صبري ربيحات أن الحكومة معنية بمواءمة
التشريعات الأردنية مع الاتفاقيات الدولية التي توضح أن الحكومة تتابع كل ما هو
جديد فيها وخصوصا الاتفاقيات التي لم يصادق عليها الأردن حتى الآن.
وكان مجلس الوزراء قرر في أيار (مايو) الماضي نشر أربع اتفاقيات
دولية هي: القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، مناهضة التعذيب، والعهدان
الدوليان للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في
الجريدة الرسمية.
ويقول ربيحات إن "توجهاتنا في البيان الحكومي واضحة وتسير
باتجاه التصديق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان". لكنه يؤكد أن توقيع
الأردن وتصديقه على الاتفاقيات الدولية محكوم بعدم انتقاصها حقوق الأردنيين، أو
ترتيبها نفقات مالية على خزينة الدولة أو التزامات دولية على المملكة.
ويرتب فوز الأردن من بين 47 دولة بعضوية مجلس حقوق الإنسان للسنوات
الثلاث المقبلة عليه الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، إلى جانب عدم إقرار تشريعات
تتعارض ومضمون الاتفاقيات الدولية، بحسب ما يراه رئيس لجنة الحريات النقابية ميسرة
ملص.
على أن ملص يتنقد قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره مجلس النواب في
دورته الاستثنائية التي انتهت أعمالها نهاية الشهر الماضي، والذي يعتبر أنه
"يتناقض" مع الاتفاقيات الدولية التي وقعها الأردن.
وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان بعث في آب (اغسطس) الماضي دراسة
إلى رئيس الوزراء أشارت إلى أن مواد قانونية تضمنها قانون منع الإرهاب تخالف ما
توافقت عليه القوانين الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد
الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويقترح المفوض العام في المركز الوطني لحقوق الإنسان شاهر باك
لمواءمة التشريعات الأردنية مع الاتقافيات الدولية، تشكيل هيئة وطنية لدراسة
القوانين والتشريعات وترتيب أولويات عرضها على مجلس النواب.
ويتفق الناشط في مجال حقوق الإنسان طالب السقاف مع باك في اقتراحه،
معتبرا أن مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية "مهمة أكبر من أن
ينهض بها مجلس الأمة أو ديوان التشريع وحده".
ويؤكد السقاف على ضرورة "احتواء القوانين والتشريعات الوطنية
على التدابير التنفيذية التي يمكن اتخاذها لتنفيذ التزامات الدولة بموجب
الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك إنشاء المؤسسات، ورصد المخصصات المالية ومتابعة
التوعية والتدريب للأجهزة المعنية بتطبيق هذه الاتفاقيات".
وكانت الأجندة الوطنية أوصت بمراجعة التشريعات بين حين وآخر من أجل
ضمان توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والنصوص الدستورية التي ترعى هذه
الحقوق، والالتزام بأحكام الاتفاقيات الدولية عند إصدار التشريعات أو التعديل
عليها.
ويدعو السقاف إلى وضع خطة وطنية لإجراء مراجعة شاملة للتشريعات
الوطنية، مؤكدا في ذات الوقت على ضرورة إعادة النظر في إمكانية الانضمام إلى
اتفاقيات دولية جديدة كالاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين، وبروتوكول
ملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وآخر ملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز
ضد المرأة، إلى جانب الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الفساد، وسواها.
وتشير دراسة أعدها رئيس وحدة التوعية والتدريب في المركز الوطني
لحقوق الإنسان محمد الناصر إلى قلة تصديق الدول العربية على البروتوكولات الملحقة
بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان حتى نهاية العام 2005.
وترجع الدراسة ذلك إلى خوف هذه الدول في حالة التصديق عليها من
إمكانية ملاحقتها عن الانتهاكات التي ترتكبها بحق الأفراد والدول الأخرى، سيما
أنها تتضمن قواعد إجرائية ملزمة لإنفاذ أحكام الاتفاقية الخاصة بها.
ويدعو باك إلى دراسة اتفاقية حقوق العمالة المهاجرة، والانضمام لها
وتعديل قانون العمل بموجبها، وتعديل بعض الأحكام التفصيلية في قانون العقوبات
وأصول المحاكمات الجزائية والأمن العام والسجون، للنص على تجريم التعذيب والأعمال
الملحقة به، بما ينسجم مع ما تضمنته اتفاقية مناهضة التعذيب.
وتعتبر اتفاقية العمالة المهاجرة، التي لم يصادق الأردن عليها
لغاية تاريخه، الاتفاقية السابعة الأساسية من اتفاقيات حقوق الإنسان، وتتضمن
دستورا تفصيليا لحماية جميع العمال المهاجرين وأسرهم، وتساوي بين العمال المهاجرين
والمواطنين.
وفي ظل تعدد الاتفاقيات الدولية التي وقعت المملكة عليها خلال
السنوات الماضية، يعتبر هؤلاء السياسيون والناشطون أن إنشاء هيئة لموافقة
التشريعات الأردنية مع الاتفاقيات الدولية بات أمرا ملحا لتنفيذ الالتزامات التي
قطعها الأردن على نفسه بموجب هذه الاتفاقيات.