استضاف مركز حماية وحرية
الصحفيين الثلاثاء الماضي 29/8/2006 كبير المستشارين القانونيين في صحيفة نيويورك
تايمز الامريكية ديفيد ماكرو"Daived
MacCrwe " في لقاء حضره عدد من
المستشارين القانونيين لمؤسسات صحفية اردنية ومجموعة من المحامين والاعلاميين
للحوار حول دور المحامين في الدفاع عن الحريات الصحفية وعرض واقع الحريات الصحفية
في امريكا والاستفادة من تجربة ماكرو في عمله كمستشار قانوني لمؤسسة صحفية .
واكد انه لا يعرض النموذج الامريكي لتطبيقه بل للاستفادة من التجربة
والتاكيد على وجود اوجه من التقارب في القضايا الجدلية التي تواجه الاعلام اينما
كان، سواء في الولايات المتحدة او الاردن او ايه دولة اخرى ومنها قضية حماية الصحفيين
والدفاع عنهم وحق الوصول للمعلومات وتدفقها الى جانب قضية سرية مصادر المعلومات.
واشار الى ان طبيعة مهمته ووظيفته في صحيفة النيويورك تايمز تتركز على
ثلاثة محاور اولها الدفاع عن صحفيي المؤسسة في المحاكم في القضايا التي يجري
تحريكها ضدهم وفي القضايا التي تقام ضد الصحيفة نفسها ، وثانيها تقديم استشارات
قانونية وقائية للصحفيين بناء على طلبهم لتجنب الوقوع في اخطاء قانونية قد تثير
ضدهم القضايا حيث يقوم احيانا بقراءة
المواد الصحفية قبل نشرها وابداء وجهة نظ قانونية حولها .. اما المحور الثالث فيتعلق باتخاذ الاجراءات
القانونية التي تضمن للصحيفة حق الوصول للمعلومات ومقاضاة الجهات الحكومية التي
تمتنع عن تطبيق قانون حق الوصول للمعلومات الامريكي.
وتحدث ماكرو عن قضيتين تولاها خلال عمله كمستشار قانوني لنيويورك تايمز تحملان اهمية
خاصة الاولى كانت حول موضوع الدفاع عن
الحريات الصحفية وحق حماية مصادر المعلومات والتي شرح فيها تفاصيل قضية جوديث ميلر
الشهيرة التي جرت وقائعها العام الماضي .. والقضية الثانية حول سرية المعلومات
التي رفعها ضد الحكومة الامريكية بتهمة التجسس على مكالمات المواطنين القادمة من
خارج امريكا والتي ما تزال تثير الجدل الاعلامي والسياسي داخل الولايات المتحدة .
وفي تفاصيل القضية الاولى"قضية ميلر" قال ماكرو انه في عام 2004
اجرت الصحفية سلسلة من التحقيقات الصحفية حول ما اذا كانت الحكومة الامريكية قد تم
تضليلها في المعلومات الاستخبارية حول اسلحة الدمار الشامل في العراق التي كانت
الذريعة الاهم في شن الحرب على العراق، وفي اطار هذا الموضوع قام مسؤول امريكي
كبير بالكشف عن اسم جاسوسة امريكية عملت لدى وكالة الاستخبارات الامريكية (سي اي
ايه) للصحفية ميللر والتي قامت بدورها بنشر اسمها وهي "فاليري بلام" والتي
جرى نشر اسمها في عدة تقارير بعد ذلك .
واوضح ماكرو ان الحكومة الامريكية اجرت تحقيقا حول المصدر الذي سرب اسم
الجاسوس الى الصحافة مشيرا الى ان التحقيق لم يكن حول نشر ميلر او الصحيفة للاسم
وحقها ذلك ..وان ما جرى مع ميلر انها طلبت للشهادة في المحكمة للكشف عن اسم مصدرها
الا انها رفضت حماية لسريته فقررت المحكمة حبسها .
واشار الى انه لا يوجد في الولايات المتحدة اي قانون يحمي مصادر معلومات
الصحفي من الكشف عنها لذلك تعددت الاراء حول القضية خاصة ان الجدل ارتكز على نص
التعديل الاول للدستورالامريكي الذي يحمي حرية الصحافة ، فكان راي الحكومة ان الصحفي في هذه الحالة
مثل اي مواطن يعتبر شاهدا على جريمة ويجب عليه الكشف عن مصدر معلومته لان تعديل
الدستور الاول وفر الحماية للصحافة ولم يوفرها للمصدر .
وكان الراي الثاني المعبر عن وجهة نظر الصحفيين ان حماية مصدر معلومات
الصحفي من الكشف عنها جزء من حرية الصحافة التي كفلها الدستور الامريكي ولا يحق
للمحكمة اجبار الصحفي على الكشف عن مصدر معلومته على اعتبار ان حرية الصحافة جزء
واحد لا ينفصل وان المصدر يخضع لهذه الحماية .
في حين كان الموقف الثالث وهو "افضلية المعلومات " ويرى ان المصادر محمية بشكل جزئي الا اذا كان الصحفي
هو الجهة الوحيدة التي يمكن ان توفر هذه المعلومة .
واشار ماكرو ان هذا الراي هو الذي تبنته المحكمة الفدرالية وتتبناه العديد
من المحاكم الامريكية وهو يساعد الصحافة في العديد من القضايا التي يطلب فيها من
الصحفيين كشف مصادرهم حيث ينجح المحامون في اثبات ان الجريدة او الصحفي ليس الوحيد
الذي يمتلك المعلومة التي تريدها المحكمة لكنه في الوقت ذاته يضع على الصحافة
والصحفيين قيودا كونه يحد من امكانية حصولهم على معلومات وحقائق لخشية المصادر كشف
اسمائهم.
واوضح ماكرو ان المحكمة الفدرالية اصدرت حكما على ميلر بالسجن لمدة شهرين لرفضها
الكشف عن مصدرها فلم يكن امامهم الا اللجوء الى المحكمة العليا الامريكية بالرغم
من تخوفهم من ذلك لان موقفها كان عدائيا من الصحافة والصحفيين بسبب انتقادات
الصحفيين الدائمة لها الا ان المحكمة رفضت النظر في الاستئناف المقدم شكلا حيث يحق
للمحكمة وفق القانون الامريكي ان ترد اي قضية شكلا دون النظر في تفاصيلها .
وبين ان ميلر حبست بسبب رفضها الادلاء بشهادتها اضافة الى محاولة للضغط
عليها ولم تكن بسبب نشر المعلومة بحد ذاتها ،وبعد شهرين من حبسها قررت ميلر الكشف عن اسم مصدرها بعد ان
سمح لها مصدرها بذلك وتبين انه كان احد كبار مسؤولي ادارة "ديك تشيني"
واضاف ماكرو ان هذه القضية تقود الى العديد من الاسئلة حول مدى حماية
الصحفيين وسرية مصادرهم ،الامر الذي ادى بهم بعد هذه القضية للضغط على الكونغرس
لوضع قانون يحمي مصادر معلوماتهم ،وكانت النتيجة ان عددا من اعضاء الكونغرس ابدوا
تخوفهم من هذا القانون خشية ان يقوم الصحفيين باساءة السلطة الممنوحة لهم بموجب
هكذا قانون .
واوضح ماكرو انه لو تم طلب اقرار قانون حماية مصادر الصحفيين قبل عشر سنوات
لكان الامر اسهل لان الولايات المتحدة لم تكن في حالة حرب ضد الارهاب انذاك ،اما الان فقد اصبحت الحكومة الامريكية تعتبر الكثير من
المعلومات التي كانت متاحة سابقا للصحافة
معلومات سرية ولا يجوز الكشف عنها لانها مهمة في عملية الحرب ضد الارهاب، فلم
يعد يسمح للاعلام مثلا بنشر اسماء سجناء ابو غريب وغوانتانامو في حين لم تكن تشكل
خطرا عملية نشر هذه المعلومات قبل احداث 11 ايلول ،مؤكدا انه لايوجد قيود على حرية
التعبير انما القيود على سرية المعلومات .
وفي هذا السياق سرد ماكرو القضية
الثانية التي تحدث فيها عن القيود على سرية معلومات الدولة حماية للامن القومي ،حيث
قامت صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي بنشر خبر يكشف عن ان الحكومة تقوم بالتنصت
على المكالمات القادمة من الخارج الامر الذي اثار جدلا قانونيا حول حق الحكومة
بالتنصت على المكالمات وانتهاك خصوصية
الافراد وكانت الحكومة تبرر ما تقوم به بانها تمر في مرحلة حرب ضد الارهاب وان هذا الامر
يساعدها على حماية الامن الوطني .
كذلك ثار جدل حول حق الصحافة بنشر هذه المعلومة على اعتبار انها ليست سرية
لان أي مواطن امريكي من حقه ان يعرف انه
يمكن ان يتم مراقبة مكالماته في هذه المرحلة من حياة البلاد واكد ماكرو ان الصحيفة
نجحت في هذه القضية واستطاعت ان تحصل من المحكمة على قرار لصفها بعدم اعتبار
المعلومة سرية .
واوضح ماكرو انه قام بعد ذلك برفع
قضيته التي لا زالت تنظر فيها المحاكم على الحكومة الامريكية بتهمة التنصت غير
المشروع على مكالمات المواطنيين وان ذلك يمثل اتنهاكا للحريات الفردية والخصوصية .
وقال ماكرو ان الولايات المتحدة ليس لديها قانون مطبوعات ونشر بل هي مكتفية
بالقوانين المدنية العادية المطبقة على جميع المواطنين ،مشيرا الى نقطة جدل تشكل
خلافا في الولايات المتحدة وهي التناقض بين ما يمنحه الدستور الامريكي من حرية راي
وتعبير وبين قانون التجسس الذي يمنع نشر معلومات تعتبرها الحكومة سرية ونشرها يضر
بالامن الوطني .
وطرح عدد من المشاركين بعض
التساؤلات حول اختلاف القوانين بين الاردن
والولايات المتحدة في الجانب الاعلامي والقانوني حيث جرى حوار قانوني بين
القانونيين الذين شاركوا في اللقاء وطرحوا عددا من الاسئلة كان ابرزها السؤال الذي
طرحه المحامي مضر الجيرودي المستشار القانوني لجريدة الراي حول كيفية تحريك الدعوى
ضد ميلر من ناحية اجرائية ومن هي الجهة
التي حركتها ؟
كما تسائل المحامي محمد القطيشات المستشار القانوني لمركز حماية وحرية
الصحفيين حول التناقض الموجود بين وجود قانون حق الوصول الى المعلومة الذي يفرض
على الحكومة واجب اتاحة المعلومات لكل المواطنين وبين اجبار الصحفيين على كشف
مصادر معلوماتهم بحجة الامن الوطني كما جرى في قضية ميلر .
كما قدم عدد اخرمن المشاركين مداخلاتهم ،حيث قال الصحفي بسام بدارين انه
اكتشف ان الواقع الاعلامي في الاردن والولايات المتحدة لا يختلف كثيرا فالصحفي
محارب من من رجال السلطة والقضاء ،والسلطة تتلاعب بنصوص القوانين لصالحها .
وعبر الزميل الصحفي هاشم الخالدي عن
تفاؤله بقانون المطبوعات والنشر الاردني بعد ما سمعه عن قضية ميلر في الولايات
المتحدة مؤكدا ان الواقع الاعلامي الاردني وصل الى مرحلة متقدمة خاصة في جانب
حماية مصادرالمعلومات.
وتساءل الزميل عمر كلاب عن مدى تأثير احداث 11 ايلول على الحريات الصحفية في
الولايات المتحدة بشكل خاص في محاولة لمقاربة ذلك مع تأثيرات تلك الاحداث على
الاردن والدول العربية فيما يخص الحريات الاعلامية تحديدا . اضافة الى تساؤله عن
قانون الولاية الواجب التطبيق في حالة قضايا الراي والمطبوعات وفيما اذا كانت الجريدة تخضع لقانون ولاية معينة وبنفس
الوقت توزع في مختلف ارجاء الولايات المتحدة .
حيث اجابه ماكرو بانه من الصعب تحديد القانون الذي سيحكم القضية هل هو
القانون المحلي للولاية ام غير ذلك لاختلاف طبيعة كل قضية ولكن في قضية ميلر اكد
ماكرو ان قانون المحكمة الفدرالية هو المطبق في القضية .
وعلق المحامي مازن المجالي على رفض المحكمة العليا الامريكية النظر في
القضية قائلا انه كان يفترض بهذه المحكمة ضمان اكبر قدر من العدالة وليس الانحياز
ومعاداة احد الخصوم .
كما تساءل الزميل جهاد المومني عن مدى امكانية مقاضاه ايه صحيفة عربية تصدر
في الولايات المتحدة الامريكية وتعمل وتوزع على اراضيها اذا ما توجهت بالاساءة
لاية شخصية في الاردن مثلا .
وكان الزميل نضال منصور رئيس المركز قد اشار في بداية اللقاء الى ان هذا اللقاء جاء بناء على اتصال من السفارة
الامريكية اوضحت فيه ان هناك ضيف من صحيفة نيويورك تايمز لديه الرغبة بالتواصل مع
القانونيين والاعلاميين لعرض تجربته .
واضاف منصور ان المركز حاول خلال الاعوام الماضية ان يقوم بدوره في حماية
الصحفيين وهذا الدور يمكن ان يعزز التجربة الاردنية .
وقال انه ليس من السهل عقد المقارنات بين بين حرية الصحافة في الاردن وبين
حرية الصحافة في امريكا او اي دولة اخرى ليس لوجود مشكلة في القوانين نفسها
انما لوجود اعتداءات وتجاوزات خارج اطار
هذه القوانين.