قبل عشر سنوات تقريبا كنت أجلس في مقهى السنترال مع ثلاثة من الصحافيين العاملين في الصحف الأسبوعية نتناقش في قضايا الإعلام ونعزي بعضنا البعض بأن الصحف الأسبوعية هي المنبر الوحيد لحرية التعبير في ظل السيطرة الحكومية على الصحف اليومية.
أحد الزملاء كان مستغرقا في كتابة مادة طويلة، وكان يدخن الأرجيلة ويشرب الشاي بنهم وهو يكتب ما وصفها بأنها مادة الغلاف في العدد القادم من الصحيفة. إنتابني الفضول لمعرفة تفاصيل القصة وإذا بصاحبنا يبدأ مقالته بجملة "عمان-واشنطن-دمشق – خاص" بالطبع صاحبي لم يحرك قفاه عن كرسي مقهى السنترال ولم يكن في حوزته اية وثيقة أو معلومات بل كان كل ما يكتبه من خياله السياسي الواسع وهو يتحدث عن تفاصيل ملاحق سرية ووثائق مكتومة للتطبيع بين سوريا وإسرائيل بتنسيق أميركي بعد لقاء مهم بين الرئيسين حافظ الأسد وبيل كلنتون. لم استطع السكوت وسألت زميلي كيف يكتب هذا وهو لم يغادر مكانه في المقهى فأجابني بأن الناشر يريد هذه الصرعات والقراء لا يهتمون، وهو بحاجة إلى الحصول على راتب في نهاية الشهر.
هذه الحادثة اصابتني بصدمة حقيقية حول نوعية ما يكتب في الصحافة الأسبوعية، وقد تابعت مقالات الصديق ذاته وأنا اضحك وأبتسم خلال السنوات اللاحقة وأنا أعرف إن كل ما يكتبه يبقى من خياله والقارئ المسكين لا حيلة له لمعرفة كيف تكتب هذه المقالات.
طوال السنوات اللاحقة كنت أقرأ الصحف الأسبوعية بشكل متقطع ودائما أشعر بأن المضمون والمهنية في تراجع مذهل. قبل سنتين رأيت صحيفة تضع على غلافها خبرا بعنوان "تفاصيل محاولة إغتيال الكباريتي في عبدون". إشتريت الصحيفة لأقرأ تفاصيل هذا الخبر العظيم لأكتشف أن الصحيفة المنشورة في العام 2005 تتحدث عن محاولة مزعومة للإغتيال حدثت في العام 1996 ولكن الصحيفة وضعت عنوانا وكأن المحاولة حدثت في اليوم السابق للنشر. وفي نفس العام تابعت كيف حاولت صحيفة اسبوعية تصف نفسها بأنها تكشف الفساد بتلميع والترويج لوزير يجسد الفساد الحقيقي لأنه كان على علاقة صداقة مع ناشر الصحيفة، وفي هذا السياق آمنت تماما بأن كل هذه الصحف هي مجرد مطبوعات رديئة خالية من الأخلاق والمضمون والمهنية والمصداقية.
في الأسبوع الماضي وقبل إجازة العيد قمت بشراء مجموعة من الصحف الأسبوعية لقراءتها آملا أن أقتنع بأن موقفي خاطئ وأن هذه الصحف لا زالت تمتلك مصداقية ومهنية يمكن إعتبارها في دعم حرية الإعلام، ولكن النتيجة كانت أسوأ من السابق، وقد ارتأيت أن أشرك قراء هذه المدونة في هذا الوصف الملخص لمضمون الصحف المنشورة في الأسبوع الماضي.
أبدأ بصحيفة الأهالي والتي يصدرها حزب الشعب الديمقراطي الأردني- التنظيم الأردني للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهي صحيفة اسبوعية عريقة وفي نهاية الثمانينات حتى منتصف التسعينات كانت مدرسة مهنية عالية المستوى في تخريج صحافيين وإعلاميين متميزين منهم رمضان الرواشدة وجميل النمري اللذان كانا أعضاء ناشطين في الحزب وكانت الصحيفة ايضا مدرسة سياسية وفكرية في الثقافة اليسارية. الأهالي الآن لا زالت تحافظ على مصداقيتها السياسية كصحيفة حزبية ملتزمة ولكنها فقيرة بالمضمون ربما نتيجة تأثرها بالإنشقاقات في الحزب وتراجع دوره السياسي والثقافي. الأخبار المنشورة ذات طابع يساري ضد الخصخصة ومع اضرابات العمال وضد مؤتمر أنابوليس وهناك بالطبع صفحة كاملة لتصريحات نايف حواتمة السياسية حول مستجدات المرحلة وبعض المقالات السياسية الجادة والجامدة. الصحيفة تمثلا قراءة جيدة للإطلاع على فكر الحزب ولا يوجد فيها إبتذال.
قبل أن ننتقل إلى الصحيفة التالية يجب أن تكونوا متجهمين لأننا سنتحدث عن صحيفة الوحدة والتي تمثل رأي الإتجاه القومي المتأسلم في الأردن. وهو الإتجاه القومي المؤيد لسوريا والقاعدة وحماس وحزب الله والمقاومة العراقية، بإختصار كل من يصدر تصريحا ضد إسرائيل والولايات المتحدة. المقال الإفتتاحي لرئيس التحرير متميز، إذ يصف مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس بأنها شكلت "سدا في وجه سلوك بعض الحكومات العربية التي أظهرت تجاوبا مع الضغوط الأميركية". وبالطبع لو كانت سوريا قاطعت لكان المقال يتحدث عن أن مقاطعة سوريا شكلت "سدا ضد التطبيع الذي تمارسه الحكومات العربية". دور الصحيفة هو تبرير موقف سوريا دائما حتى لو كان ذلك خاليا من كل منطق. الخبر الرئيسي في الصحيفة هي مقابلة مع جورج غلوي يحلم بها في السير في شوارع بغداد المحررة، وكأن العراقيين سوف يسمحون له بذلك وهو المتاجر بدمائهم في صفقات النفط مقابل الغذاء. أما في الخبر التالي فإن تصريحا يبشرنا بأن مجالس الصحوة الإسلامية التي تواجه عصابة القاعدة في العراق هي خادمة للإحتلال. في الداخل بيانات ومقالات قومية تمجد الدكتاتوريات العربية والإقليمية التي تصرخ يوميا ضد الإمبريالية.
صحيفة شيحان كانت سابقا هي الرائدة بين صحف الإثارة الأردنية ولكنها الآن تراجعت حتى في الإثارة وأصبحت مشروعا شخصيا للنائب إبراهيم العطيوي والذي تشكل أخباره وصوره محور الصحيفة. الخبر الرئيسي هو عن تفاصيل أحداث جامعة الإسراء ولكن في نص الخبر لا توجد تفاصيل. هناك مقال تمجيد لحكومة الذهبي، ومقال ضد زكي بني إرشيد وخبر جيد عن الأخطاء الطبية في المستشفيات. بصراحة شيحان في السابق كانت أفضل من الآن.
صحيفة الشاهد هي الأكثر تسلية في متابعة الفضائح. الصفحات الاربع الأولى مليئة بقصص وسواليف عن الفساد والرشاوى ولكنها طبعا غير مفيدة لأنها لا تحتوى على أية معلومة ويمكن أن يعدها صحافي مثل صديقي المشار إليه في بداية المقال. هناك لقاء إجتماعي جرئ –كما وصفته الصحيفة- مع النائب الجديد حمدية الحمايدة والتي اشارت من خلال أسئلة المقابلة الإستراتيجية بأننا نعيش قمة المساواة بين الرجل والمرأة في الأردن وأن سعادة النائب المحترم لا تقرأ إلا الصحف اليومية ولا تقرأ الكتب لأنها لا تحتاج إليها وتقول بأن عبد الرؤوف الروابدة جرئ. عاشت الكوتا النسائية.
صحيفة السبيل الناطقة بلسان الإسلاميين تؤكد بأن الهجوم الإسرائيلي على إيران واقع لا محالة وتتحدث عن الموازنة ورفع الأسعار وتزود القراء بموعظة أخلاقية عن تزايد ظاهرة اللقطاء في الأردن.
صحيفة أخرى إسمها "المواجهة" ولا أعرف المواجهة مع ماذا تكشف "أكبر عملية تزوير في الجمارك العامة" وتتحدث عن المشاجرات الجامعية ومشكلة تلوث تسببت بها شركة حجازي وغوشة في القويرة وقامت بإجراء مقابلتين مع النواب الجديد عدنان العجارمة وريم القاسم وكان مستوى المقابلات أفضل بكثير مما قامت به صحيفة الشاهد.
صحيفة المرآة تؤكد في موضوع الغلاف أن المسرح الإقليمي بات مهيئا للتغييرات الكبرى في مرحلة الحسم. نشرت الصحيفة تحليلا تحت وصف "المرآة-خاص" ولكنها نسيت في نهاية التحليل إسم مجلة الوطن العربي منشورا وهذا ما يعني أن التحليل لم يكن خاصا ولا يحزنون بل منقولا عن الوطن العربي. في الصفحة التالية حاولوا تفادي الخطأ ونشروا تحليلا طويلا وعميقا في صفحتين يمثل موضوع الغلاف وهو التغيرات الإقليمية تحت عنوان "المرآة- خاص" ولكن التحليل منقول بالكامل عن مجلة روز اليوسف. على الأقل زميلي الصحافي المتألق في مقهى السنترال كان مبدعا في الخيال.
هناك صحيفة إسمها المشهد، وإذا شاهدتموها في الأسواق لا تشتروها أبدا وإستبدلوها بساندويتش فلافل بثلاثين قرشا لأنه لا يوجد فيها أي شئ يستحق الذكر.
صحيفة الحدث فاجأتني بالفعل لأنني أذكر أنها كانت متميزة في تغطية الشؤون السياسية المحلية ومتابعة القضايا الإعلامية ولكن الصحيفة التي قرأتها اليوم باهتة وضعيفة المضمون ولكن توجد بعض المواضيع الاجتماعية الجيدة.
صحيفة المجد من الصحف القومية العريقة وهي ناصرية التوجه ولكن دعمها الأساسي هو لسورية والمقاومة العراقية وحزب الله وحماس، وكل المواضيع المنشورة تصب في نفس الإتجاه. تتحدث الصحيفة عن تفاقم الأزمة في جبهة العمل الإسلامي بين "الملتزمين والمنهزمين" في مساندة واضحة للتيار المتطرف في الجبهة. وفي الداخل تكتشف الصحيفة وجود سجناء سياسيين أردنيين في السعودية ولكنها لا تتحدث أبدا عن السجناء الأردنيين في سوريا.
صحيفة الأردن تصدر منذ سنوات طويلة ولا أعرف كيف تستمر في الصدور بدون إعلانات مناسبة، ولكن المادة التحريرية ضعيفة جدا ومنقولة من صحف ومجلات عربية من دون مجرد ذكر إسم الصحيفة والكاتب، وأحد المقالات منقول عن تحقيق للصحافي بسام البدارين في صحيفة القدس العربي.
أكتفي بهذا القدر وأترك الحكم للقراء ولكن بالتأكيد أن ما نسميه "صحافة أسبوعية" في الأردن يفتقد إلى الكثير من اصول واسس المهنية والإحتراف والاهم من ذلك إحترام ذكاء القارئ.