تتقولب أفكار الأميركيين عن العراق بمشاهد العنف المريع؛ وثمة القليلون منهم ممن يستطيعون رؤية الإنسانية والشجاعة التي ينطوي عليها العراقيون الذين يعيشون ظروفاً أشبه بجهنم. لذلك، أتمنى لو استطاعت الملايين مشاهدة "مؤسسة الإعلام النسوي الدولية" (IWMF) وهي تقدم جائزة الشجاعة الصحافية لعام 2007 هذا الأسبوع لست صحافيات عراقيات كن قد خاطرن بحياتهن في بغداد بالعمل لدى مكتب صحف ماك-كلاتشي McClatchy Newspapers. (وقد تلقت صحافيات شجاعات مكسيكيات وإثيوبيات وزيمبابويات أيضاً نفس التكريم).
لكن مراسيم الاحتفال لم يمكن بثها على شاشات التلفزة ولا تصويرها فوتوغرافياً، لأن وجوه الصحافيات العراقيات لو عرضت وشاهدها الناس هناك في الوطن، فإن عائلاتهن ربما تصبح أهدافاً للإرهابيين لأنهن عملن مع الأميركيين. وكان زوج بان عديل سرحان، وابنتها البالغة من العمر خمس سنوات وحماتها قد قتلوا بالرصاص لهذا السبب نفسه، وهي تعيش الآن في أميركا. وثمة أخرى ممن تلقين الجائزة تعيش مختفية، وكلهن تحت التهديد.
كنت قد عرفت الصحافيات الست جميعهن لأنني أعمل مع مكتب ماك-كلاتشي عندما أزور بغداد (حيث ينشر موقع ماك-كلاتشي تريبيون العمود الذي أكتبه). وهكذا، دعوني أحدثكم قليلاً عن سحر عيسى، التي تسلمت الجائزة نيابة عن بقية المجموعة.
سحر هي امرأة ذات اعتداد عال وحضور آسر. لغتها الإنجليزية ممتازة، تتحدثها بهدوء بينما تختفي خلفها عاطفة جياشة. وعندما عملت معها في بغداد في حزيران، لم أستطع أن أفهم كيف كانت تقوى على الصمود.
خلال الصراع الراهن، فقدت ابنها الذي علق في تبادل لإطلاق النار بينما كان يركب دراجته في الشارع. كما فقدت أخاها أيضاً. وهي تناضل للعناية بأسرتها في جو من الحرارة التي تصل إلى 110 فهرنهايت، حيث تصل الكهرباء لساعتين في النهار وحيث القليل من المياه، وتستيقظ في الليل لتروح بيديها على أولادها. وكل يوم لا يزاولها القلق حين يذهبون إلى المدرسة من أنهم ربما لن يعودوا.
في وقت سابق من هذا العام كانت قد ذهبت إلى غرفة الموتى لتحاول العثور على ابن أخيها. وغالباً ما يتم إرسال النساء إلى غرف الموتى أكثر من الرجال، لأن الرجال يكونون تحت خطر أكبر في هكذا حالة. وقد بحثت أم الصبي وعمته بأيديهن العارية بين أشلاء الجثث لإحضار البقايا إلى البيت.
ومع ذلك كله، قررت خلال هذه الحرب أن تعمل صحافية، وهي مهنة عرضتها هي وزميلاتها العراقيات إلى خطر وأهوال أكبر بكثير، خاصة إذا ما عملن مع الأميركيين.
وفقاً للجنة حماية الصحافيين، قتل حوالي 121 صحافيا عراقيا خلال أداء الواجب منذ عام 2003. وقد قتل ياسر الصالحي الذين كان يعمل في مكتب بغداد (كانت تديره مجموعة صحف نايت-ريدر) عام 2005.
سألت سحر هذا الأسبوع عن السبب الذي دفع بها إلى تجشم عناء المخاطرة، فأجابت بسرعة: "إن ذلك يعني لي الكثير. ليس الكثيرون في أميركا يعرفون عن المجتمع العراقي. وذلك يجعل من أمر إلحاق الأذى بنا أكثر سهولة. إن علينا أن نرفع أصواتنا… لنوضح للناس الذين ربما يؤثرون في صناعة القرار (شيئاً عن حياتنا)، وأننا بشر، وإن علي لا يختلف بشيء عن جون".
إلى جانب بقية كادر مكتب ماك-كلاتشي في بغداد، تكتب سحر في موقع للمداخلات الإلكترونية داخل العراق. وقد أقنعتها ردات الفعل والاستجابات بأن الأميركيين يعرفون القليل عن العراق. إنهم لا يعرفون، على سبيل المثال، أن العراق تصدر ذات مرة أعلى مستوى لتعليم النساء في العالم العربي، قبل الحروب والعقوبات والاقتصادية، وأن الاحتلال الأميركي قد عاد بالمرأة العراقية إلى الوراء. وهي وأمها خريجتان جامعيتان. تلك المكاسب، كما تقول، بات يجري إجهاضها الآن على أيدي الطوائف الدينية.
تريد سحر من الأميركيين أن يفهموا أن الصراع الطائفي في العراق لا يدور حقيقة حول الدين، وإنما على النفوذ السياسي.
لتصحيح مثل هذه المفاهيم المغلوطة، كرست نفسها للعمل الصحافي، وهي تقول عن ذلك: "لن يفعل أحد ذلك من أجلنا ونيابة عنا". هل تشعر بالخوف؟ تقول: "إنني خائفة على نحو أحمق. إنني في خطر داهم". وأولادها فخورون بها، لكنها عندما غادرت إلى أميركا، قال ابنها: "أمي، لا تجعليهم يصورونك".
في مراسيم تسليم الجائزة في واشنطن، وجهت زين فيرجي سؤالاً إلى سحر عن كيفية تعاملها مع الخوف، فقالت: "كل يوم يمكن أن يكون يومي الأخير. إنني أحاول أن لا أتوقف كثيراً عند ذلك. لقد أصبح العيش مع الخوف شيئاً مألوفاً في العراق، وليس للصحافيين فحسب. إننا نخرج لزيارة الأقارب، إلى المدرسة أو إلى السوق، غير عارفين إن كنا سنعود أم لا. لقد مررت بمواقف في طريقي إلى العمل حيث اعتقدت بأنني أتلو صلاتي الأخيرة".
ما لم تقله سحر هو أن شجاعة الصحافيين العراقيين -ذكوراً وإناثاً- هي مسألة غاية في الأهمية بالنسبة للمراسلين الصحافيين الأميركيين الذين يعتمدون عليهم في الوصول إلى أماكن لا يستطيع الأميركيون الوصول إليها في الوقت الراهن. وتقول ليلى فضل، اللبنانية-الأميركية ومديرة مكتب ماك-كلاتشي في بغداد، والتي تشكل في ذاتها مثالاً على الشجاعة: "إنهم (الصحافيين العراقيين) هم العمود الفقاري للمكتب، وهم أذناي وعيناي حين لا أستطيع الخروج. إنهم دليلنا إلى شوارع بغداد، وكثيراً ما لا يستطيع أحد تمييز طبيعة ما يقومون به".
تريد سحر أن تبقى في العراق، لكن صحافيين عراقيين آخرين يعملون مع الأميركيين يجدون الخطر داهماً ومحيقاً. ولعل مما يدهش أن القليلين منهم استطاعوا الحصول على لجوء سياسي. إن أميركا تدين بالكثير لهؤلاء الصحافيين الشجعان الذين قدموا لنا كل مساعدة. وينبغي تقديم الشكر إلى مؤسسة الإعلام النسوي الدولية على إيلاء شجاعة الصحافيات العراقيات الاهتمام الذي هن قمينات به.