اضطر المئات من الصحافيين من مختلف وسائل
الاعلام العالمية الذين توافدوا الى اسرائيل لتغطية الحرب التي شنتها على لبنان
وشعبه لتغيير خططهم واستعداداتهم التي اعدوها للانخراط في العمل بمثل هذه الظروف
بعد ان فرضت اسرائيل رقابة مشددة ومحكمة على عملهم في المناطق الشمالية التي تسقط
عليها عشرات صواريخ الكاتيوشا يوميا، حيث اصبح الصحافيون ملاحقون بطريقة غير
طبيعية من قبل السلطات الاسرائيلية، بحسب ما قاله عدد منهم.
والانكى من ذلك، هو اتهام بعضهم وخاصة مراسلي
الجزيرة وطواقمها بانهم يعملون على مساعدة حزب الله وتقديم الخدمة له من خلال
تصوير مواقع وبنايات حساسة، عملحزب الله فيما بعد على استغلالها بالقصف، حسب زعم
هذه السلطات التي ذهبت ابعد من ذلك لتحتجز لبعض الوقت وليد العمري، مدير مكتب
الجزيرة في فلسطين، وقبله مراسلها في الشمال الياس كرام، اضافة الى مراسل قناة
العالم الايرانية خضر شاهين، لدرجة انه تم الاشتراط عليهم عدم تغطية اية احداث،
وقد لوحقوا بالفعل كما حصل مع كرام الذي اضطر لإخلاء الموقع الذي كان يغطيه في كل
من حيفا وطبريا وصفد لينتقل الى عكا التي كانت خاليه وقتها من الاحداث، حتى وصل
بوليد العمري لأن يقول ان الناس العاديين في الشوارع بدأوا ينظرون اليهم بازدراء
واستهزاء، وكل ذلك من جراء التحريض الذي شنته السلطات الاسرائيلية على محطة
الجزيرة.
واكد صحافيون آخرون انه مع استمرار الحرب
واطالة أمدها، بدأ صبر السلطات الاسرائيلية بالنفاذ ولم تعد تحتمل وسائل الاعلام
المختلفة، وهذا اتضح من خلال الاوامر والقرارات التي اصدرتها قيادة الجبهة
الداخلية الاسرائيلية والتي حظرت فيها اية عمليات تصوير للمواقع التي يتم
استهدافها، وعدم الحديث عنها او التوجه اليها مباشرة بدون التنسيق مع السلطات
المختصة التي فرضت بالفعل تعتيما اخباريا مشددا، ولم تسمح لاحد بنشر اية اخبار الا
تلك التي تصدرها القيادة العسكرية حسبما تريد وكيفما تشاء، الامر الذي اضطر فيه
الصحافيون للعودة الى الاسلوب القديم في التغطية وهو الاستفسار عن الاخبار حينما
تسمع صفارات الانذار، وتحري مكان سقوط الصواريخ وذلك للقفز عما يزوده الجيش
الاسرائيلي من المعلومات التي غالبا ما تكون متاخرة، فيضطر الصحافيون وخاصة الذين
يتعاملون مع الاخبار العاجلة لاسناد الخبر الى مصادر مطلعة او متطابقة تحسبا من
ملاحقتهم من قبل القوات الاسرائيلية التي تتعامل الآن مع الصحافيين بطريقة حساسة
ومشددة الى ابعد الحدود، حسب عدد من الصحافيين الذي اكدوا ان الملاحقة دائما واردة
في الحسبان للصحافيين وخاصة العرب منهم اذا ما قاموا بواجبهم المهني، اما اذا ما
التزموا بسياراتهم واعتمدوا الاخبار التي تبثها الجهات الرسمية العسكرية فانهم
بالتاكيد سيحظون بحرية التعبير، بحسب ما قاله احدهم ساخرا.
واضاف ان القوات الاسرائيلية التي اخذت قرارتها
من المستوى السياسي الاسرائيلي للتضييق على حرية الصحافة بعد ان ضاقت ذرعا
بمستحقات الحرب ليؤكد ذلك ان لا ديمقراطية في ظل الحرب وان اسرائيل التي تتغنى
بانها واحة في الديمقراطية اصبحت الآن ديكتاتورية بدعوى الاحتياطات الامنية، وهذا
انسحب حتى على الجمهور الاسرائيلي الذي يطلق عبارات عنصرية بحق الصحافيين
الفلسطينيين والعرب سواء في حيفا او صفد، واكبر دلالة على ذلك ما وجهته نسوة
فلسطينيات ويهوديات نظمن تظاهرة ضعيفة في قلب مدينة حيفا احتجاجا على الحرب
والمطالبة بوقفها، فتصدى لهم المئات من الاسرائيليين وهم اضعاف المشاركات في
المسيرة ليسخروا منهن ويطالبوهن بالعودة الى البيت، او التظاهر عند حزب الله وليس
هنا، كما قال احدهم.
وفي ذات السياق، فقد انضمت وسائل الاعلام
الاسرائيلية برمتها سواء المقرؤة او المرئية او المسموعة او الالكترونية، الى جوقة
الاعلام الرسمي والى جوقة العسكريين الاسرائيليين لتصبح بوقا اعلاميا بكل ما تحمل
الكلمة من معنى ضد العرب وحزب الله، بل ضاقت مساحات هذه الصحافة حتى للآراء
اليهودية المعادية للحرب، وفي بعض الاحيان يتم شطب أية مادة اخبارية يعدها صحافيون
يساريون اضطروا من جراء الاجراءات للجلوس ببيوتهم اثناء الحرب والطواريء، وهذا ما
حصل مع صحفي يساري يعمل في احدى محطات التفزة الخاصة الكبيرة حيث قال لشبكة فلسطين
الاخبارية مفضلا عدم ذكر اسمه خوفا من الملاحقة، انه اعد تقريرا قارن فيه بين خالد
مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وبين حسن نصر الله امين عام حزب الله من
نواحي المولد والنشأة والموطن والدراسة والهوايات والانجازت، وحينما بدأ بعرضه، اي
بعد مرور ثواني، قال له المذيع المركزي "هناك خبر عاجل " ليقطع التقرير
ويبث الخبر العاجل الذي كان هامشيا ليفتح موجة حوله، والهدف من كل ذلك هو الغاء
التقرير بالفعل، ومنذ ذلك اليوم تم تهميش هذه الصحفي الذي يقول ان لا عمل اومهمات
لديه في هذه الظروف رغم ان الوسائل الاعلامية استنفرت الصغير والكبير المغمور
والشهير، المراسل والمحرر الخبير في الشؤون السياسية والخبير في الشؤون الرياضية
للتغطية الاعلامية في الحرب، اما هو فيلعب الالعاب المختلفة على الحاسوب تارة،
ويشاهد التلفاز تارة اخرى رغم انه صحفي خبير منذ اكثر من 25 سنة، وكل ذلك لانه
يحمل توجهات يسارية، حسب قوله.
ومهما يكن من أمر، فانها ليست المرة الاولى
التي تتعمد اسرائيل فيها بزج الديمقراطية الى الخلف ليحل محلها نهج المركزية بل
الديكتاتورية، ففي كل الحروب وفي كل اللحظات الحاسمة كانت كذلك، بل انه وعلى سبيل
المثال فقد كذبت اسرائيل كثيرا مع بداية الانتفاضة الثانية واشعلت اجهزة الاعلام
كي تخدم فوهات بنادقها وها هي تفعل كذلك اليوم.
ان المتتبع لاذاعة اسرائيل باللغة العربية على
سبيل المثال، لا يحتاج الى الكثير من الذكاء كي يكتشف ان لا حرية للتعبير، فليس
لاحد مكانا في هذه الاذاعة او غيرها من وسائل الاعلام الاسرائيلية ينتقد الحرب
المجنونة على لبنان التي راح ضحيتها الآن اكثر من 300 شهيد، ونحو الف جريح وأكثر
من نصف مليون نازح هجرتهم الآلة العسكرية الاسرائيلية عن قصد، على حد قول العديد
من المراقبين والاعلاميين.