خلقت الفضائيات نوعا من الثورة الإعلامية في مصر. بقليل من المساعدة من المدونات، أصبح المواطن العادي ومخاوفه محط اهتمام، مع تنافس الفضائيات عليه.
في عام ٢٠٠٧ وصل عدد الفضائيات المصرية التي تُبث دون رسوم اشتراك ست فضائيات هي: "المحور"،"دريم ١ و ٢"،"otv"،"الساعة" و"مودرن" وجميع هذه الفضائيات مملوكة من رجال أعمال.
ومع ميلاد الفضائيات الخاصة، عادت وبوضوح البرامج الحوارية أو ما يعرف بـ“التوك شو”، لتعيد للشاشة الصغيرة عصرها الذهبي، وتسحب اهتمام المواطن غير المعني بالأساس في الصُحف المطبوعة رغم الصحوة التي حققتها تجربة الصحافة المستقلة في مصر بالسنوات الأخيرة.
كانت البداية مع إعلان مصر إنشاء منطقة إعلامية حرة في يناير ٢٠٠٠، وإعلان عدد من المستثمرين عزمهم أطلاق أول فضائية مصرية خاصة برأسمال ٢٥٠ مليون جنيه مصري اختاروا لها اسم"المحور" التي بدأت إرسالها الفعلي ٢٠٠١ ويرأس مجلس إدارتها حالياً المهندس"حسن راتب".
وكان من ضمن المساهمين فيها مهندس آخر هو"أحمد بهجت"، والذي انفصل بعد عام ليؤسس قناتي " دريم ١ " و "٢" برأسمال ٤٠ مليون جنيه.
وكان انسحاب "بهجت" مصحوباً بإشاعة منع جهات سيادية التلفزيون المصري من بث إعلانات مصانع الاليكترونيات التي يملكها.
لكن مساهمة الدولة، ممثلة في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المملوك لها بنسبة ١٠ ٪ من رأس مال قناته، قضى على الإشاعة، كما نفاها "بهجت" نفسه الذي أعلن أن عائد إعلاناته للتلفزيون المصري يبلغ ٣٨ مليون جنيه، قرر استثمارهم في إنشاء القناة.
قنوات تصل للمواطن البسيط
ويعود الفضل "لدريم" في بث عدد من البرامج ذات الشعبية منها "لقاء مع الأستاذ" لـلصحفي "محمد حسنين هيكل" الذي لم يظهر لسنوات على شاشة التلفزيون الحكومي والذي انتقل لاحقا لفضائية الجزيرة كضيف حواري، ثم كمقدم أوحد لبرنامج يحمل اسمه، بعد أن ضاق بتعامل التلفزيون مع برنامجه.
قدمت دريم أيضا الإعلامي "حمدي قنديل" بنفس البرنامج "رئيس تحرير"، ثم انتقل لفضائية "دبي"، وبرنامج"الحقيقة" لرئيسة القناة في ذلك الحين "هالة سرحان"والذي يقدمه الآن الصحفي "وائل الإبراشي" ويعد من أشهر البرامج الحوارية التي تحظى بكثافة مشاهدة عالية.
وكانت "دريم" تحظى بنسبة مشاهدة عربية عالية، إلى أن ساءت علاقة بهجت والدولة، بسبب توسيع هامش الحرية، ونقل القناة لمحاضرة هيكل الشهيرة بالجامعة الأمريكية، والتي أثار فيها ملف توريث السلطة في مصر، وتقديم "هالة سرحان" حلقة عن "العادة السرية" أثارت حملة صحفية ضد القناة شنتها صحيفة "الوفد" الليبرالية ضد القناة، فتخلت عن أهم ثلاث أسماء بها.
ومع انتهاء العام ٢٠٠٤ ازدادت درجة الحراك السياسي مع تبلور ظهور حركات التغيير في مصر، وكان على الإعلام الخاص مواكبة أحداث الشارع كيلا يفقد مصداقيته( مثلما حصل مع تلفزيون الدولة) فظهر برنامج "العاشرة مساءً" والذي تقدمه "مني الشاذلي" على دريم، و"٩٠ دقيقة" على
"المحور" تقديم "معتز الدمرداش" و"مي الشربيني" والذي حظا مع ظهوره على درجة مشاهدة كبيرة أخذت تخف رغم محاولة القائمين عليه بتجديد دمائه (حيث قام على تقديم البرنامج منذ ظهوره ٢٢ مذيعاً ).
فأصبحت برامج "التوك شو" من أكثر البرامج مشاهدة في عصر السماوات المفتوحة ومحاولة كل قناة الانفراد والتميز، ومتابعة أهم القضايًا المثارة، وأصبح لكل برنامج شخصيته التي يستمدها جزئياً من شخصية مقدمه.
وقد بات معتاداً مشاهدة عربات البث الخارجي تجوب شوارع القاهرة بالمراسلين للفوز بالسبق و البحث عن جديد كيلا يصاب المشاهد بالملل ويحول المؤشر عنها.
وتضفي الاتصالات المباشرة للمشاهدين تشويقاً وجاذبية لبعض البرامج مثل برنامج "على الهواء" بباقة الأوربيت (والتي تتطلب اشتراكا لاستقبالها) الذي يقدمه الصحافي المخضرم "جمال عنايت"، (هناك من ينظر لبرنامجه كمجلة منوعة لاحتوائه على التقرير الصحفي و التحقيق التلفزيوني) .
أما "معتز الدمرداش" الوجه الأبرز على شاشة "المحور" فيرى أن الأهم هو الحياد والتنوع وعلى المذيع طرح القضايا وعلى المسئول السياسي حلها، بينما يرى "تامر أمين" المنتقل خصيصًا من قطاع الأخبار لبرنامج "البيت بيتك" أن عليه الانحياز للمواطن البسيط وتمثيله.
المدونات رافد أساسي لقضايا الفضائيات
7 آلاف هو عدد المدونات في مصر، وهو رقم ضعيف لو قورن بعدد المدونات في ايران.
وأغلب تلك المدونات ذات طابع سياسي، ناتج عن حالة الغضب التي يشهدها الشارع المصري، لتردي الأوضاع المعيشية.
كما أن المدونات في مصر مرت بمراحل، بدءا من حالة الغضب اللاحقة لاجتياح العراق في ٢٠٠٣ مرورًا بحديث هيكل عن أهمية دور التدوين بفضائية الجزيرة العام 2005، وصولاً لصحوة مدوني الإخوان المسلمين وانتباههم أخيرًا لأهمية التدوين كوسيط للدعوة والحشد الجماهيري وأحيانا لتمرير آرائهم المخالفة بصورة ما للتوجهات العامة للجماعة.
حتى حين اهتم الاعلام المتلفز بالمدونات، حرص على أن يكسبها صبغة سياسية دون محاولة البحث عن الأسباب الحقيقية التي تدفع شاب مصري لكي يدون، رغم كون التدوين قراراً فردياً.
فمعظم المدونين المصرين يمارسونه كهواية ليس القصد من ورائه اي هدف.
ولكن من المؤكد أن المدونات أفادت كلاً من الإعلام المرئي والمكتوب، واستطاعت خلال العام ٢٠٠٧ أن تفرض نفسها وبقوة على الساحة الإعلامية، بفضل الكثير من الملفات التي نجح مدونون، أفراد وجماعات في الكشف عنها.
حتى استطعنا الاعتراف بأن العام ٢٠٠٧ كان عام المدونات المصرية، قياسًا بالعام ٢٠٠٣ والذي يُعد الميلاد الحقيقي لحركة التدوين العالمية.
ومع الوقت حدث تزاوج بين عمل المدونات و البرامج الحوارية، وحاول مقدموها أكثر من مرة أن يصفوا المدونات بالإعلام البديل لاكتساب مصادر إخبارية جديدة، واحتواء قالب إعلامي وليد بديلاً عن الدخول في صدام معه.
وخلال 2007 أصبحت المدونات تفجر القضايا وتفتح الملفات وتشن الحملات، بينما كان على القائمين على برامج "التوك شو" متابعتها والاستماع لرأي أصحابها.
الشكاوى عبر الفضاء
بفضل شبكات الكابل الجماعي (حيث يبلغ إيجار الوصلة ١٧ جنيها مصريا بالشهر اي أقل من 3 دولارات) أصبح لكل مواطن برنامجه الذي ينتظر بشغف للإلمام بأحداث اليوم، وخصوصًا تلك البرامج التي تقدم على الشاشات غير المشفرة مثل "المحور" و"دريم".
هذا الأمر أشعل نار التنافس بين القناتين، فكلاهما يبث أهم برامجه الحوارية في نفس التوقيت، أولهما "العاشرة مساءً".
يرجع فضل الصحوة الإعلامية لثقافة ورقة المذيعة "مني الشاذلي" (خريجة قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية)، وفي المحور "معتز الدمرداش" مقدم"٩٠ دقيقة".
وقد ركز البرنامجان طيلة العام الماضي على ملفات الدعم الحكومي للمواطن و اعتصامات العمال و تعذيب المواطنين بأقسام الشرطة.
ينتظر أن تنطلق عدة قنوات جديدة هذا العام منها قناتان للمنوعات والأفلام ضمن قنوات " O TV" التي تنتهج منحى متفتحا في اختيار موادها.
وتدرس مدينة الإنتاج الإعلامي إطلاق قناة فضائية جديدة، كما تبث عدة فضائيات عربية من مقر المدينة.
هناك رأي بأن كثرة تلك البرامج رغم تشابهها يهدف بالأساس للتنفيس عن غضب المواطنين، وأن ما تشهده من حرية تعبير راجع للخوف الحكومي من تحول ظواهر كالاعتصامات والتظاهر لغضب جماعي قد يقود لثورة شعبية
يرى د. صفوت العالم الأستاذ بإعلام القاهرة ان " تلك النوعية من البرامج تتلخص مشكلتها في معالجة القضايا بنوعية الضيوف. فإذا كانوا لا يمثلون سوي طرف واحد من المشكلة، فستكون المعالجة أحادية قاصرة".
و تذهب الـ د. سهام نصار الى " أن الأهم بتلك النوعية هو الابتكار شكلاً وأداء وطرح قضايا تهم العامة وممثلة لكل الاتجاهات والتيارات"، بينما يؤكد كل القائمين على تلك البرامج أن ما يهمهم هو السبق والعمل على أن تكون وعاءً للجميع يطرح كافة القضايا، ويلتزم الصدق والموضوعية.
من المؤكد أن اهتمام المواطن بمتابعة الأخبار قد ارتفع مؤخراً بعد أن صده التكرار والرتابة عنها طويلاً، وأصبح من المعتاد الآن أن يسرع وزير بمداخلة هاتفية لتوضيح لبس بعد أن كانت إطلالة المسؤولين قاصرة على البرلمان لإلقاء بيانات الحكومة.
وصار المواطن على علم بالجهة التي يقصدها للشكوى بديلاً عن كبتها، مثلما حدث مع الممرضة التي اعترضت على أداء الطبيبة فما كان من الأخيرة إلا الاتصال بزوجها ضابط الشرطة كي يقوم بتأديب الممرضة، لتبث الواقعة إحدى القنوات وتجعل منها قضية رأي عام.