
تتعدد الأساليب ويبقى هدفٌ الاحتلال الإسرائيلي واحدا، وهو إخفاء جرائمه البشعة والمتكررة بحق الشعب الفلسطيني، وفي سبيل ذلك يدفع الصحفيون، خاصة الفلسطنيون منهم، الثمن باهظا.
يلاحق الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين الذين لا يتوقفون عن نقل الحقيقة وفضح ممارساته القمعية، ويمارس في حقهم شتى أنواع القمع والقتل والإعتقال متجاوزا بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية التي تكفل حرية الصحافة والتعبير.
وتشير آخر تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي من بينها مركز الدوحة لحرية الإعلام، الى أن ما لا يقل عن 17 صحافيا فلسطينيا مازال يقبعون خلف سجون الإحتلال الإسرائيلي حيث يتعرضون لشتى أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي.
ولا تقتصر معاناة الصحفيين الفلسطينيين على ما يتعرضون له على يد قوات الإحتلال، وإنما يتعرضون في كثير من الأحيان للملاحقة والاحتجاز والتعذيب من قبل أجهزة الأمن والجهات الفلسطينية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وفي أحيان كثيرة يقع الصحفي ضحية للمناكفات السياسية التي تمثل أخطر إفرازات وتداعيات الانقسام الفلسطيني الذي اشتدت حدته منذ صيف 2007م.
وقد أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مؤخرا، تقريرا شاملا بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب أورد فيه إحصائيات حول أعداد المعتقلين وبينهم صحفيون، أوضح أن أعدادهم تتزايد بشكل مضطرد وأنهم يتعرضون للتعذيب الجسدي والمعنوي ويتم منعهم من أبسط حقوق المعتقل مثل زيارة الأهل والخروج لبعض الوقت في ساحة واسعة يمكن الجلوس فيها تحت أشعة الشمس.
ضحايا التعذيب…
يشرح الصحفي مصطفي الخواجا، وهو في الثلاثين من عمره، والذي أطلق سراحه مؤخرا من سجون الاحتلال، بعضا من أساليب التعذيب التي تعرض لها والتي من أبرزها التعليق والضرب المبرح لساعات طويلة أثناء الاستجواب في مراكز التحقيق الإسرائيلية وهو أسلوب عادة ما تستخدمه أجهزة الأمن الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين.
ومنها ايضا، حسب الخواجا، وضع كيس على رأس المعتقل يمنعه من التنفس والرؤية. ويستطرد الخواجا “قاموا بربطي من الذراعين وأمروني بالإلتفات نحو الحائط وكانوا يقومون بضربي بين الفينة والأخرى وكنت أشعر جراء ذلك بآلام شديدة في الذراعين والساقين وتورما في العضلات. وأثناء التحقيقات كنت أسمع صراخ آخرين ممن يقبعون في أقبية التحقيق مما يزيد من إضعاف معنوياتي.
ويتابع الصحفي الخواجا الذي قضى خمسين يوما قيد التحقيق في سجون الاحتلال الإسرائيلي بتهمة العمل في قناة الأقصى الفضائية التابعة لحركة حماس بالضفة الغربية “هذا بعض مما يحدث في سجون الظلم الإسرائيلي حيث يعيش الصحفيون في سجون الاحتلال وضعا صعبا ويتفنن المحققون والسجانون في ممارسة مختلف أصناف العذاب بحقهم وكذلك شتى أنواع الابتزاز كما فعلوا معي في الاستجواب والتحقيق حول عملي الصحفي في قناة الأقصى.”
ويصف الخواجا ممارسات الاحتلال بأنها “لا تليق بآدمية البشر لأن جنودهم يستخدمون أبشع أنواع التعذيب ومحققوهم يتفننون في الضغط على الصحفيين للاعتراف بتهم لا علاقة لهم بها ومن الممارسات الأكثر انتهاكا وبؤسا وضع الصحفيين داخل زنازين مظلمة وصغيرة جدا لا تتجاوز طولها وعرضها المتر ونصف المتر ولا يوجد فيها أي شيء من الضروريات لدرجة ان السجين يقضي حاجته في وعاء بلاستيكي فضلاً عن الإهمال الطبي. ولا تتورع إدارة السجون الإسرائيلية عن استخدام اعنف الأساليب للتضييق على الصحفيين الأسرى وحرمانهم من حقوقهم.
ويعتبر الاعتقال الإداري من اشد ألوان التعذيب التي يتعرض لها المعتقل في السجون الإسرائيلية حيث يتم اعتقاله دون توجيه أي تهم علنية ودون محاكمة لمدد تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر يتم تمديدها وفق للائحة اتهام سرية.
ويمثل الخواجا نموذجا لعشرات الصحفيين الفلسطينيين الذين يتعرضون للاعتقال لمدد متفاوتة يخضعون دائما للتحقيق الملون بأصناف من العذاب مثل التعليق والضرب والعزل والحرمان من النوم والأكل والمكوث بزنازين ضيقة ومظلمة وتعريضهم لشتى أنواع الإزعاج كالضوضاء المستمرة وغيرها.
سياسة كسر الأقلام ..
يرى فؤاد خفش، مدير مركز أحرار لدراسات شؤون الأسرى أن اعتقال وتعذيب الصحفيين الفلسطينيين هو انتهاك جسيم لحريتهم المصانة والمكفولة في كل تشريعات العالم، فالاحتلال يدرك تماما الخطورة التي يشكلها الصحفي الفلسطيني عليه كونه يعمل في مهنة لها دور أساسي وكبير في توثيق وفضح جرائم الاحتلال المستمرة بحق الفلسطينيين منذ سنوات طويلة.
ويقول خفش إن “اعتقال وتعذيب الاحتلال للصحفيين هو سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال بغية كسر أقلام الصحفيين والقضاء على دورهم المهني في الساحة الفلسطينية، وهو يتعمد ذلك والشواهد كثيرة ،لا سيما في الحرب الأخيرة على قطاع غزة والتي شهدت استهدافاً متعمداً للصحفيين الفلسطينيين مما أدى لاستشهاد سبعة عشر صحفيا”.
ويرى خفش ايضا أن الاحتلال يهدف من وراء ذلك الى تضييق الخناق على الإعلام الفلسطيني والقضاء على أية مخاطر قد تشكلها الصحافة الفلسطينية عليه، وذلك انطلاقا من إدراك الاحتلال لأهمية الإعلام والصحافة الفلسطينية في معركة الرأي العام الدولي.
ويؤكد الصحفي خفش تمسكه برسالته الإعلامية ودوره الهام على الساحة الوطنية الفلسطينية، وهو بذلك يتحدى كل والصعوبات والمخاطر التي يفرضها الاحتلال عليه.