كل يوم هو يوم حرية الصحافة، فهذه القيمة المجتمعية لا تحتمل المناسبات!!
فاذا كان عيد الأم وعيد الاب وبقية الاعياد المماثلة هي مناسبات استهلاكية بما
فيها استهلاك العاطفة، فإن يوم الصحافة هي مجرد وقفة يحدد فيها كل مجتمع راق ظروف
العمل الصحفي، ويحاول تجديد ثقته بالانسان وحريته!!.
كنا نقول دائماً: الصحفي يصنع حريته في زمن القمع والاجتراء على الشعوب.
وقد يدفع الصحفي حياته ثمناً، وقد يدفع خبز اطفاله. لكننا حين نتحدث عن الحريات
الديمقراطية فالمجتمع هو الذي يعطي للصحفي هذه الحرية. كما يعطيها للناخب،
والنائب، ورئيس واعضاء البلدية، والحزب، والمنتدى. فالأمم الحية هي الأمم الحرة.
ولا معنى للكلام القديم عن رفع كابوس الاجنبي واستبداله بكابوس العسكر
والديكتاتوريين والطائفيين.. فاغتيال حرية الانسان سواء، اذا كان هذا الاغتيال على
يد الاستعمار او على ايدي ابناء البلد!!.
نصف قرن مضى على مواكبتي اليومية للصحافة الاردنية. وعليّ أن اعترف أن
الصحفي الان يستطيع ان يمارس حريته المهنية بقدر ما تؤهله اجواء مؤسسته من راحة
مالية، وانسانية، وخلقية، فقد كنا نقول على سبيل الاعتزاز بالمؤسسة الناجحة: وطن
الصحفي صحيفته، فليس صحيحا ان التدخل الحكومي هو الذي يخرّب العمل الصحفي.
فالمؤسسة الصحفية تستطيع اذا تماسك اصحابها ان تحمي الصحفي من التدخل او ان تجعل
القمع الحكومي نسبيا.
لقد عملت في زمن كان في بلدنا صحيفة واحدة هي الدستور بعد حرب حزيران
واحتلال القدس، وكان المواطن يطلب من البائع: الجريدة، دون ان يسميها. ثم ولدت
الرأي وكنا محمود الكايد، وراكان المجالي، والياس الجريسات، وكثيرون نقوم ببناء
البدايات، فالرأي كانت حكومية كليا، وقد سافرت قبل ان تصدر، وعدت بعد ان تم خصخصة
المؤسسة فأخذت بالنهوض على يد سليمان عرار وجمعة حماد رحمهما الله ومحمد العمد
ومحمود الكايد حفظهما الله، ثم انتقلت الصحافة الى الشركة المساهمة العامة، وهذه
تجربة نتمنى على الصحافة العربية ان تصل اليها بدل ملكية الدولة او ملكية الفرد او
مجموعة الافراد، فالملكية العامة هي ما يليق بالسلطة الرابعة.
خلال نصف قرن شفنا نجوم الظهر احيانا وشفنا الخير احياناً اخرى. لكننا في
الاردن ممتنون لنظامنا السياسي. فالصحفيون في الوطن العربي شهداء ومحابيس، وغنم
يهش عليها بالعصا.. و ديمقراطيون في ظل ارهاب الحزب، او صاحب المال!!.
بلدنا يكبر.. فتكبر الحرية.. وتكبر الصحافة!.