
مركز الدوحة لحرية الإعلام- لا يختلف وضع الإعلاميات في العالم العربي عن غيرهن من النساء اللواتي يواجهن تحديات كثيرة على مختلف الأصعدة، وانطلاقاً من هذا الواقع، دارت النقاشات التي نظّمتها “اليونسكو” في اليوم العالمي لحرية الصحافة في أيّار/مايو 2015 تحت عنوان «دعوا الصحافة تزدهر!»، وتألّفت من ثلاثة محاور أساسية: تعزيز التغطية الإعامية، والمساواة بين الجنسين، وسلامة الإعلاميين في العصر الرقمي، وخُصص جزء أساسي من النقاشات لمسائل مشاركة المرأة في إدارة وسائل الإعلام وعمليات صنع القرارات ذات الصلة، ولصورة المرأة في وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من وجود هامش أكبر من حرية التعبير والرأي في لبنان، غير أنّ ظروف عمل النساء في “مهنة المتاعب” تتضمن مجموعة كبيرة من المعوقات التي تؤثر سلباً على أدائهن المهني واستمراريتهن.
شهادات أهل المهنة
ترى سناء الخوري، رئيسة قسم “صوت وصورة” في صحيفة “السفير” اللبنانية أنّ القطاع الإعلامي في لبنان يعاني عموما من خلل نقابي وقانوني، ما يجعل حقوق الصحافيين المادية والمعنوية غير مكفولة بالكامل، بغضّ النظر عن الجندر.
لكن في حالة الصحافيات، تعتبر الخوري أنّ “حقوقهن مهدورة بشكل مضاعف، فمعظم الخريجات من كليات الإعلام نساء، لكنّ ذلك لا ينعكس على جندر العاملين في القطاع، فمعظمهم من الرجال”.
وتضيف الصحافية اللبنانية “أنّ هناك تمييز لناحية الأجور، والكثير من الصحافيات “لا يحظين بفرص تتناسب مع مجهودهنّ أو كفاءتهنّ، لأنّ الأولويّة في المواضيع المهمّة خصوصاً في السياسة والأمن تعطى دوماً للرجال”.
ومن ناحية أخرى، تضطر الصحافيات في الكثير من الأحيان إلى “المفاضلة بين حياتهنّ المهنيّة والأسريّة، لأنّ إجازات الأمومة قصيرة (شهران تقريباَ فقط)، كما تطرد بعض المؤسسات الصحافيات اللواتي يحملن، أو تتجنب توظيف النساء الراغبات بالإنجاب”، وتشير الخوري في الوقت نفسه إلى مسألة أساسية تتعلّق بتعرّض بعضهن للتحرّش في مكان العمل، لنيل فرص مهنيّة أفضل.
وتلفت سناء الخوري إلى أنّ النساء الموجودات في مراكز القرار في ميدان الإعلام اللبناني قليلات، فيما يقتصر حضورهنّ على الملفات الفنيّة أو الإجتماعيّة مثلاً: “رغم أهمية هذه ملفات، يتم إقصاء النساء مثلاً عن الملفات السياسيّة“.
أما في ما يتعلّق بالخطوات التي يمكن اتباعها لتمكين المرأة في ميدان الإعلام في لبنان، ولتخطي المشكلات القائمة، تؤكد الخوري أنّ الخطوة الأولى تتمثّل بتعديل قانون العمل، بما يمنح الصحافيات بإجازات أمومة أطول مثلاً، ورواتب أفضل، مرتبطة بتصحيح شامل لوضع النقابات في لبنان، و”هذا أمر يحتاج إلى معركة طويلة“.
الخطوة الثانية والأهم هي تغيير العقليّة؛ فمعظم أصحاب المؤسسات الإعلامية لا يرون في الصحافية أو الإعلامية أكثر من إطلالة جميلة، بغض النظر عن الكفاءة، وتغيير العقليّة يتطلب منح الصحافيات فرص حقيقية لقول كلمتهنّ، وإنجاز مهام تليق بذكائهنّ، بغضّ النظر عن الجندر أو الشكل، والمهم هو أخذ الصحافيات وقدرتهنّ على الانتاج على محمل الجد”.
ورغم اعترافها بالواقع الذي تطرّقت إليه سناء الخوري، تشدد مذيعة الأخبار والمراسلة في قناة “الجديد”، كريستين حبيب، على أنّها لا تعاني في مكان عملها من تحديات مشابهة: وتقول: “المحطة التي أنتمي إليها لا تميّز بين النساء والرجال لا مادياً ولا مهنياً، ولقد أثبتت التجربة، خصوصاً في التغطيات الميدانية الخطيرة، هذا الأمر”.
ولا تؤمن مقدّمة برنامج “عَ غير موجة” عبر إذاعة “صوت لبنان ــ الأشرفية” بأي جسم نقابي موجود في لبنان اليوم لحماية الصحافيين وحقوقهن، وتشير في هذا السياق إلى أنّه من الضروري ضمان أمن الصحافي على الأرض، وتعزيز الإحساس لديه بأنّه قادر على إعطاء رأيه من دون مخافة الإعتداء عليه أو التعرّض له بأي طريقة من الطرق، فالضمان الصحي مسألة مهمّة جداً أيضا، وليتنا نتشبّه بالمؤسسات الأجنبية أو الفضائيات العربية الكبرى“.
رقابة ذاتية.. وخوف من المؤسسة الإعلامية
ومن بين النقاط الأساسية التي ركّزت عليها حبيب هي حرّية التعبير، فالإعلاميون في لبنان يمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم خوفاً من محاسبة المؤسسة التي يعملون لديها أو الزعيم السياسي، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على استخدام أهل الإعلام لمواقع التواصل الإجتماعي، لا سيّما في ظل سفاهة الكثير من الناشطين الافتراضيين.
وتضيف: “كل ذلك في غياب قانون عصري ينظم قطاع الإعلام ويواكب التطوّرات، وفي ظل احتواء القانون الحالي على مواد فضفاضة تسهّل المسّ بأهل المهنة”.
من جهتها، تعزو الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان التفرقة التي تلقاها النساء في مجال العمل الإعلامي إلى طبيعة المجتمعات الذكورية: “في أي فرصة، لا يتوانى الناس عن التطاول على المرأة بطريقة
مليئة بالإسفاف والإهانة والإبتذال، فكيف إذا كانت تعمل في الإعلام السياسي؟، وهذا الأمر الذي يكاد لا يعانيه الإعلاميين الرجال، والنيل من المرأة سهل جدّاً في مجتمعاتنا، ما يؤثّر على قدرتها وأريحيّتها في قول ما تريد وبالطريقة التي تريد”.
أما مقدّمة برنامج التوك شو السياسي Inter-Views على شاشة “المستقبل”، فتقول إنّ هذه النتيجة هي محصّلة 21 عاماً من العمل في هذه المهنة، لافتةً إلى أنّها لا تعتقد أنّ هناك تفاوتا في الرواتب بين الذكور والإناث في المؤسسات الإعلامية اللبنانية: “أنا شخصياً أتقاضى مبلغاً مشابهاً للذي يتقاضاه مقدّمي البرنامج الحوارية الرجال، لا بل أكثر”.
غير أنّها تستدرك قائلةً: “لا شك أنّ المراكز القيادية تشهد سيطرة للرجال، وهذا مرتبط مباشرةً بالموروثات الراسخة في الأذهان، أنا أطالب دئماً بتطبيق مبدأ الكوتا في كل شيء، علّنا نساهم في تصحيح الخطأ التاريخي الذي لطالما اُرتكتب بحق النساء، المهم هو ضمان المساواة الحقيقية بين الأفراد عموماً”.
وفضلاً عن الكوتا، ترى يعقوبيان أنّه يجب دعم النساء على مختلف الأصعدة بما فيها تعديل القوانين، وتمكينهن لتصبحن أقوياء، وعلى المرأة أن تساعد نفسها أوّلاً وتساند الأخرى.
كلام بولا لا يأتي من فراغ، فهي تعمل على هذا الموضوع عن كثب، إذ اختيرت منذ فترة وجيزة من قبل البنك الدول ضمن لجنة إستشارية هي الأولى من نوعها تضم خبراء في مجال التنوّع والاحتواء. وفي النهاية، تشدد يعقوبيان على أنّها لا تؤمن بأي جسم نقابي موجود في لبنان اليوم: “لا أحد يعمل لمصلحتنا ولن أنتسب إلى أيّ منها”.
الرأي المتخصص
في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، ستصدر جمعية “مهارات” اللبنانية دراسة جديدة عملت عليها أخيراً تحت عنوان “المرأة في برامج الأخبار والحوارات السياسية”، وفي هذه الدراسة، تتطرّق الجمعية المعنية بالدفاع عن حرية التعبير والرأي إلى وضع الإعلاميات في المؤسسات اللبنانية، إضافة إلى صورة المرأة في الإعلام المحلي.
وتؤكد المديرة التنفيذية للجمعية، رولا مخايل، أنّ عدم التكافؤ في الأدوار بين الجنسين في ميدان الإعلام في لبنان واضح جداً: “فأعداد النساء العاملات في ميدان الصحافة أكبر من عدد الرجال، إلاّ أنّ الذكور يسيطرون على المواقع القيادية”.
وتضيف أنه في الدراسة التي سنعلن قريباً حلّلنا في آذار/مارس الماضي عيّنة شملت 20 نشرة أخبار على المحطات اللبنانية الرئيسية: بينها “المؤسسة اللبنانية للإرسال”، و”المستقبل”، وإم تي في” و”إن بي إن” و”المنار”، وأو تي في”، وتبيّن لنا أنّ نسبة المراسلات في 45 في المئة مقارنة بـ56 في المائة للمراسلين، بينما يسيطر الرجال على مراكز رؤساء ومدراء التحرير“.
وبالنسبة للبرامج الحوارية الأساسية، فلكل شاشة برنامجها الخاص، فيما يقدّم أربعة منها رجالاً في مقابل اثنين من تقديم نساء، أما على صعيد ضيوف هذه البرامج، تلفت رولا مخايل إلى أنّه “إثر تحليل 24 حلقة، توصّلنا إلى أنّ 91 في المئة من الضيوف كانوا رجالاً، بينما 9 في المئة فقط نساء“.
وترى مخايل أنّ إحدى المشكلات الأساسية التي يعانيها لبنان هي “غياب الإحصاءات، في ظل الغيبوبة التي تعيشها الحياة النقابية المتمثلة بنقابتي الصحافة والمحرّرين، في مختلف دول العالم، تدفع النقابات باتجاه إلغاء التفرقة على أساس الجنس في سوق العمل“.
وبحسب رولا مخايل، يتمثّل الحل بإعادة النظر في القوانين المرعية الإجراء والمتعلقة بالمعاشات، وأوضاع العاملين، والضمان الصحي، والتعويضات، وتجدر الإشارة إلى أنّ “مهارات” تعمل منذ سنوات مع مجموعة كبيرة من الإختصاصيين على حثّ مجلس النوّاب على إقرار قانون جديد للإعلام، يشمل الإعلام الإلكتروني ويضمن حقوق العاملين في المهنة، وغيرهما من الأمور الملحة.
وتحيل مخايل إلى الدراسة التي نشرها العام الماضي البروفسور جاد ملكي، وهو الأستاذ المشارك في الصحافة والدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي بحثه الذي يتناول كيفية محاربة التمييز والتحرّش الجنسي في المؤسسات الإعلامية وأنجزه بالتعاون مع الدكتورة مي فرح، يفصّل ملكي الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى ضعف مكانة المرأة وحضورها في هذا الميدان.
النساء.. أقلية في سوق العمل
وبعد توصيف الواقع واستعراض الكثير من الحقائق، بينها أنّ غالبية الطلاب في كليات الإعلام هم من النساء بينما يشكلن أقلية في سوق العمل، يخلص البحث إلى أربعة مشاكل أساسية هي: التمييز على أساس الجندر، والتحرّش الجنسي (التقدّم في العمل والحصول على المعلومات من مصادرها)، إضافة إلى السياسات التمييزية التي تعتمدها الدولة، والقوانين البالية (قانون المطبوعات والإعلام المرئي والمسموع لم يُعدّلا منذ عشرات السنوات).
وقدّمت الدراسة عدداً من التوصيات، أبرزها: تحضير طلاب الإعلام للحقائق التي سيواجهونها في حياتهم المهنية عبر إضافة دراسات تتعلق بالجندر، والعمل على تطوير قوانين العمل في المؤسسات لمحاسبة العنصرية والتحرّش الجنسي، فضلاً عن الدفع باتجاه تشريعات تجرّم التمييز على أساس الجنس والتحرّش، وتشكيل مجموعات مهنية تعزّز المساواة بين الجنسين في غرف التحرير.