خلال السنوات الخمس الماضية حققت الاذاعات المجتمعية في الأردن انجازات كبيرة في مجال التحديث الاعلامي ونشر الثقافة التنموية ، بالرغم من أن هذه التجربة لا زالت غير مدروسة بالشكل العلمي الملائم. النمو المتسارع للاذاعات في الأردن ربما كان أساسا نتيجة نمو اذاعات الترفيه ولكن هناك عدة حالات لمحطات اذاعية ذات تركيز على الشأن التنموي المحلي حققت نجاحا يستحق الذكر والتشجيع ، سواء كانت تغطي مدينة مثل اذاعة عمان نت ، أو حرما جامعيا مثل اذاعة جامعة الحسين بن طلال في معان.
هذه الاذاعات وفرت صوتا لفئة مهمة في المجتمع كانت تعاني من صعوبة في التعبير عن مواقفها واحتياجاتها وآرائها ، ولكونها ركزت على الشأن التنموي المحلي فقد قدمت خدمة معلوماتية واعلامية هامة سواء للفئات الاجتماعية التي عبرت عنها هذه الاذاعات أو للمستمعين اليها.
الاذاعات المجتمعية في الأردن تمثل عنصرا ايجابيا ومتفائلا أن صح التعبير فهي تحاول نشر ثقافة الانجاز والنجاح في مواجهة تحديات التنمية ، ولكنها تعاني من الكثير من العوائق التشريعية والتي من الضروري أن تتم دراستها على أمل تغييرها بما يتناسب مع خطاب الدولة الأردنية الحديث وضرورة دعم الاعلام التنموي.
مفهوم الاذاعة المجتمعية لا يزال غائبا عن المشرع الأردني وهذا ما يجعل من شروط وتكاليف ترخيص هذه الاذاعات مبالغا به في الأردن ويقارن مع كل أنواع الاذاعات الربحية التي تعتمد على الترفيه والاعلان في عملها. لقد اضطرت كافة الاذاعات المجتمعية ذات الامكانات المتواضعة والأهداف التنموية المتميزة الى دفع تكاليف ترخيص عالية الى هيئة المرئي والمسموع ، وبكل أسف فان بعضها تعرض الى عائق رفض الترخيص كما حدث مع الاذاعات المقترحة في الزرقاء ووادي الأردن.
الحكومة قبل السابقة والسابقة رفضتا ترخيص الاذاعتين للزرقاء ووادي الأردن استنادا الى البند 18( ب) من قانون المرئي والمسموع لعام 2004 الذي يجيز لمجلس الوزراء أن يرفض أي طلب لانشاء اذاعة دون اعطاء أي تفسير ، وهذا ببساطة لا يتناسب مع الأعراف الديمقراطية ومع سيادة القانون. بعض التصريحات تحدثت عن وجود "تراخيص سابقة لاذاعات في نفس المناطق" أو وجود تراخيص سابقة لنفس المؤسسة وكلا التبريرين غير مقنع. الاذاعة المجتمعية وليدة الحاجة المحلية ولا يوجد ما يمنع مؤسسة من افتتاح 12 اذاعة محلية في المحافظات أو وجود أكثر من اذاعة في نفس المحافظة.
وفي نفس الوقت فان غياب الاسباب المبررة رسميا يضع نشطاء التنمية (وليس المستثمرين) الذين يأملون في استخدام الاذاعات المجتمعية كأداة للتمكين التنموي يفكرون مئة مرة قبل سلوك هذا الدرب الوعر الذي تغيب عنه الشفافية والوضوح في الاجراءات التنظيمية. ومن المفارقات أن الاذاعة المقترحة في الأغوار والتي تخدم بشكل اساسي القطاع النسائي هناك وتناقش قضايا التنمية المحلية والمياه والزراعة بطريقة متميزة من خلال البث الأولي لها ، قد نشأت من خلال مؤتمر دولي للاذاعات المجتمعية عام 2006 عقد تحت رعاية رئيس الوزراء في عمان ، وهذه رسالة متناقضة.
أمام الحكومة الجديدة وسياستها الاعلامية فرصة متاحة لاعادة دراسة القرارات السابقة واتخاذ التوجه الصحيح الذي يتناسب مع قيم حرية التعبير ودعم التنمية المحلية وفتح المجال أمام ترخيص سهل وشفاف وغير مكلف للاذاعات المجتمعية والتي هي في الأساس أداة للتنمية وليست مشروعا استثماريا.
batir@nets.jo