هذه ليست المرة الأولى التي ينتصر فيها جلالة الملك للصحفيين ولحرية الصحافة. ورسالة الملك الأخيرة إلى رئيس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة لا يشوبها لبس ولا غموض. فقد أكد الملك انحيازه لحرية التعبير وللصحافة الوطنية التي تكشف الحقيقة وتحذر من الخطأ ، وأوضح موقفه من ضرورة حماية الصحفي ورفضه لمصادرة حرية الإعلاميين بسبب خلاف في الرأي على قضية عامة ، طالما نأى هذا الرأي عن الاعتداء على حقوق الناس أو حرياتهم أو أعراضهم أو كراماتهم.
ان وصف جلالته للإعلام كسلطة رابعة يرقى بالحوار الدائر حول دور الصحافة وحدود حريتها والحاجة الماسة الى تحديث التشريعات الناظمة وطي ملف حبس الصحفيين ومصادرة حريتهم ومعاقبتهم على خلفية أدائهم لدورهم في الكشف عن الحقيقة والدفاع عن حقوق المواطن ومصالح الوطن.
تأتي رسالة الملك في وقت تشير فيه تقارير واستطلاعات الهيئات والمراكز والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية إلى تراجع مقلق في المؤشرات الدالة على مستوى حرية الصحافة في الأردن في العام المنصرم من حيث ارتفاع نسبة من يمارسون الرقابة الذاتية من الصحفيين وزيادة عدد حالات من تعرضوا لمضايقات أو حولوا الى محاكمات أو صدرت بحقهم أحكام من ضمنها السجن في قضايا تتعلق بالنشر.
وأشار استطلاع حديث لمركز حماية وحرية الصحفيين نشر مؤخرا الى أن الوسط الصحفي في الأردن يعتبر أن القوانين والمحاكم التي تتعاطى مع قضايا المطبوعات والنشر تفرض قيودا على حرية الصحافة ، وان التشريعات الحالية ومن ضمنها قانون العقوبات الذي يستخدم لحبس الصحفيين تشكل حائلا أمام ممارسة الصحفي لدوره بعيدا عن العقوبات المغلظة والسالبة لحريته.
لقد دعا جلالة الملك في رسالته إلى رئيس الوزراء الى إطلاق مبادرات مجتمعية وحكومية من أجل اقتراح نصوص قانونية تعزز حماية الإعلاميين وحرية الرأي ، وهذه الدعوة تنتظر استجابة من الحكومة ومجلس النواب والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
ومن المحزن أن ينحصر التأييد والإشادة بما ورد في رسالة الملك بمجتمع الصحفيين ، فنحن ما زلنا بانتظار سماع رد الحكومة والوزير المعني ومؤسسات الوطن الرسمية والأهلية على توجهات جلالته وتوجيهاته ، بل ونأمل أن نرى قريبا سياسات واضحة تسعى لتحويل رؤى جلالته إلى اطر تشريعية تعيد للصحافة موقعها كسلطة رابعة وتوقف تراجع ترتيب الأردن الإقليمي والدولي في سلم الدول التي تدعم حرية الإعلام.
ان الرد المناسب يكون في تعهد الحكومة بتقديم تعديلات قانونية على التشريعات السائدة تنسجم مع الخطوط العريضة التي رسمها جلالته في رسالته لتنهي بذلك حالة الخوف والتخبط التي دفعت بالصحافة الأردنية الى الوراء وألغت كثيرا من مكتسباتها.