منذ أن بدأ الحديث عن تحرير القطاع المسموع والمرئي في المغرب، وهو تعبير يعني تحرير سوق قطاع الإعلام، ما زال المغاربة ينتظرون فرجا يغنيهم عن مشقة البحث كل مساء أو صباح عن قنوات أجنبية أو عربية يجدون فيها مبتغاهم.
وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت على ظهور قانون تحرير القطاع وما تلاه من تعديل ونقاش وجدل، إلا أن لا شيء يبدو في الأفق، اللهم إلا حفلات الشاي التي تقيمها الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي لكي تثبت للصحافيين خصوصا، وللمغاربة عموما، أنها لا تزال على قيد الحياة وأن موضوع تحرير قطاع الإعلام مسألة جدية.
ويتداول المغاربة بكثير من السخرية والامتعاض كيف أن بلدا صغيرا وقريبا مثل تونس صار يتجاوز المغرب في هذا المجال. ومن الأمثلة على ذلك أن التونسيين تحدثوا قليلا عن قناة سموها «هنبعل» ثم بدأت البث إلى جانب القنوات التونسية الأخرى، بينما استهلك المغاربة سنوات طويلة في الحديث عن تحرير قطاع الإعلام، ولم ير الناس إلا ما يراه التائه في الصحراء من أوهام الماء والواحات. ويجد المغاربة أنه من مرارة السخرية مقارنة مشهدهم الإعلامي مع بلدان عرفت التلفزيون في وقت قريب مثل موريتانيا التي لا يزيد عدد سكانها عن المليونين، في الوقت الذي يتجاوز المغاربة فيه حاجز الثلاثين مليون نسمة.
ويبدو وضع تحرير هذا القطاع في المغرب شبيها بعملية جر قط فوق حصير. وهي عملية يعرف الخبراء استحالتها أو صعوبتها الكبيرة. فهذه العملية ينتج عنها أحد شيئين، إما تمزيق القط أو تمزيق الحصير، لذلك فإن عملية تحرير قطاع الإعلام في المغرب تكاد تتحول شيئا فشيئا إلى شيء مستحيل بعد أن تعب الناس من الانتظار، وبعد أن استهلكت الهيئة العليا وقتها في فض النزاعات، خصوصا بين القناة التلفزيونية الثانية وحزب العدالة والتنمية الاصولي، إلى حد يجعل الناس العاديين يتساءلون عن السر الحقيقي وراء كل هذا التماطل في تحرير مجال الإعلام. ومن الغريب أن بلدانا كانت تبدو إلى وقت قريب محافظة إعلاميا مثل بعض البلدان الخليجية صارت اليوم تسبق المغرب في مجال الإعلام بملايين السنوات الضوئية، بينما مازال المغاربة مجبرين على إمساك أجهزة التحكم عن بعد «الريموت كونترول» وهم يبحثون عن قنوات لا يجدون فيها الكثير مما يأملون، لا مشاكلهم ولا متاعبهم ولا حميمياتهم الخاصة والعامة ولا أي شيء مما يبغون، في ظل تركيز القنوات المشرقية على قضايا إقليمية، بما فيها الغناء نفسه الذي تحتكره وجوه الخليج ولبنان ومصر.
والغريب في موضوع تحرير القطاع الإعلامي في المغرب أن وزارة الاتصال (الاعلام) والهيئة العليا تسيران أحيانا في خطوط متقاطعة سواء من حيث التصريحات أو من حيث المعلومات.
والمثال الأوضح على ذلك هو موضوع تلفزيون «مدي سات» الذي ينتظر أن يرى النور منذ سنوات. فوزير الاتصال نبيل بن عبد الله، يقول إن هذا المشروع هو الأكثر تكاملا ومهنية حتى الآن، بينما يقول أعضاء الهيئة العليا إنه لا وجود لديهم لمثل هذا المشروع، حتى كادوا يقولون إنهم لم يسمعوا به من قبل.