يرى ناشطون ومراقبون لعمل مؤسسات المجتمع المدني أن الحكومة ومجلس النواب الحالي أمام استحقاق تعديل تشريعات يعتبرونها "مقيدة" لعمل المؤسسات الناشطة في مجال حقوق الإنسان.
ويعتبر ممثلو مؤسسات مجتمع مدني أن عدم استشعار المواطنين بجدوى هذه المؤسسات عائد إلى "تقصيرها في تشكيل تحالفات أو لوبيات ضاغطة من أجل الانتصار لقضايا حقوق الإنسان".
وأوضحوا أن عملها عادة ما يتصف "بالعمل الفردي" إلا في قضايا محدودة كجهودها الماضية في مراقبة الانتخابات النيابية.
وفيما يعتقد ناشطون في مجال حقوق الإنسان أن اعتماد مؤسسات على التمويل الاجنبي يؤثر على مصداقيتها، يعتبر آخرون أنه لا ضير من قبول مؤسسات بالتمويل الأجنبي ولكن بشرط عدم التزامها بتنفيذ أجندات الجهة الممولة.
ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان فوزي السمهوري إن لمؤسسات المجتمع المدني دورا مهما باتجاهين، الأول يتعلق بتبني قضايا المجتمع، والثاني يتعلق بضرورة أن يكون لهذه المؤسسات دور ضاغط لحث الحكومات على إجراء إصلاحات وتعديلات تشريعية بما يعزز الحقوق الأساسية للإنسان وفق ما نص عليه الدستور والمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان.
ويرى أن القوانين الحالية في الأردن "تقف عائقا أمام قيام مؤسسات المجتمع المدني المستقلة بدورها المتوقع منها، ومنها قوانين الجمعيات والاجتماعات العامة والمطبوعات والنشر، والاهم من ذلك الهيمنة الأمنية والقرارات المتعلقة بنشاطات هذه المؤسسات سواء من حيث الموافقة على مجالس إداراتها أو من حيث فعالياتها".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المتخصصة في حقوق الإنسان وجهت الاسبوع الماضي انتقادات لاذعة لقوانين أردنية اعتبرت أنها تقيد الاجتماعات العامة واستقلال منظمات المجتمع المدني، داعية الحكومة إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية الخاصة بالحق في حرية التجمع.
وطالبت المنظمة، في تقرير أصدرته بعنوان "اقصاء المنتقدين"، الأردن بتغيير عدة قوانين من أبرزها الاجتماعات العامة لعام 2004، والجمعيات والهيئات الاجتماعية، ونظام الشركات غير الربحية لعام 2007.
ويؤكد السمهوري أن تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني يتطلب من الحكومة إزالة العقبات التشريعية والقانونية على الشعب من حيث تنظيم نفسه في مؤسسات المجتمع المدني، وعدم إعطاء السلطة التنفيذية حق التدخل في مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى احترام المواثيق الدولية التي أصبحت قانونا ملزما للحكومات.
ويعتقد أنه لا معنى للإصلاح إذا لم يتم كفالتها تشريعيا وعمليا.
من جانبه، يرى رئيس لجنة الحريات في نقابة المهندسين ميسرة ملص أن "موجة الاهتمام بحقوق الإنسان التي انتشرت في العالم هي في ظاهرها مطلب حقي وفي باطنها استعمال سياسي. كما أن اهتمام معظم الدول في مجال حقوق الإنسان هو نتيجة للضغوط الدولية للاهتمام بهذا الجانب".
ويعتقد أن الشعارات التي تتبناها الحكومات بشأن حقوق الإنسان "لا تخرج عن كونها جملا كلامية لا تنفذ على أرض الواقع" مدللا على ذلك "بعدم تجاوب الحكومات مع القضايا التي ترفعها المؤسسات الأهلية والرسمية العاملة في هذا المجال".
ويؤكد ملص أن تعامل الشارع قوي مع مؤسسات المجتمع المدني، سيما تلك التي تتعامل بجدية مع قضايا حقوق الإنسان، غير نافٍ وجود توجس من بعض المنظمات الممولة أجنبيا.
وحول مدى استشعار المواطنين بعمل مؤسسات حقوق الإنسان، يقول ملص إن هناك ملفات وقضايا استطاعت مؤسسات حقوق الإنسان أن تنتصر لها كتحسين أوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل ومراقبة الانتهاكات، ولكن يقابله تأثير محدود في مجال التشريعات وملفات شائكة كتلك المتعلقة بالجنسية.
بدوره يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان طالب السقاف إنه لغاية الآن لا يوجد أي مؤشرات يمكن اعتمادها للاستدلال على مدى كفاءة مؤسسات المجتمع المدني، مشيرا إلى ضرورة أن يكون هناك مواصفة "آيزو" لأداء المؤسسات والتحقق من فعاليتها.
ويشير إلى مجموعة من المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في تقييم مدى فعالية دور مؤسسات المجتمع المدني، ومنها عدد الاشخاص العاملين في مجال حقوق الإنسان، وموقع تركز نشاط هذه المؤسسات، وحجم الانفاق على نشاطاتها.
ويعتقد أن عدد المشتغلين في منظمات حقوق الإنسان قليل جدا، وتتركز نشاطات هذه المؤسسات في العاصمة عمان والمدن الرئيسة، إضافة إلى عدم كفاية الأموال التي يتم انفاقها على نشاطات هذه المؤسسات.
ويوجه السقاف انتقادا إلى مؤسسات المجتمع المدني لعدم تشكيلها تحالفات فيما بينها بما يساعدها على أن تكون قوة ضاغطة قادرة على الانتصار للحقوق التي يتم انتهاكها.
وفي الوقت نفسه يؤكد نجاح بعضها في التأسيس لشراكة حقيقية مع قطاعات رسمية كالسلطة القضائية والبرلمان.
ويتفق السقاف مع السمهوري بتأكيده على ضرورة إجراء إصلاحات تشريعية سيما تلك التي تحكم عمل منظمات المجتمع المدني ومن أبرزها؛ قانونيا الاجتماعات العامة والجمعيات والهيئات الاجتماعية بما يضمن لكل الجماعات المؤلفة لأي غرض قانوني أن يسمح لها بحيازة الشخصية القانونية بواسطة تسجيل الجمعيات آليا ما أن تستوفي الجمعيات المتطلبات الرسمية.
ويعتقد الناطق الإعلامي في المركز الوطني لحقوق الإنسان محمد الحلو أن المؤسسات الناشطة في حقوق الإنسان تلعب دورا فاعلا في المجتمع من حيث الخدمات التي تقدمها للمواطنين ودورها في مجال التوعية والإرشاد.
ويقول إن غياب قانون ناظم لدور مؤسسات المجتمع المدني يعطي نوعا من "الضبابية وعدم الوضوح لدورها" وبالتالي قيام بعضها بأدوار تقليدية، ما يحتم إقرار قانون ينظم عملها.
وحول فكرة التمويل، يوضح الحلو انها أحد مصادر الدخل الأساسية لمؤسسات المجتمع المدني ولكن على أن لا تقع في مجال تنفيذ أجندات خاصة بالجهات الممولة.
ويستشعر أن هناك وعيا من قبل المواطنين بدور المركز الوطني لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن نسبة الشكاوى المقدمة إلى المركز حول انتهاكات حقوق الإنسان بازدياد إلى جانب طلب المساعدة القانونية.