خطفت حرب
لبنان الصورة من كل ما يدور ويحدث في أنحاء العالم، هذه الصورة التي برزت شاهدا
حيا على فظاعة الحرب وهمجيتها، ومصدرا للمعرفة لا غنى عنه للجمهور المتربص أمام
الشاشات منتظرا مصير بلد بات على شفير الهاوية، شكلت بالدرجة الأولى هدفا أساسيا
تتسابق عليه الكاميرات، الحاضرة دائما في ساحات المعارك واللاعب الأبرز في خضم ما
يحصل، علها توفر أوسع تغطية ممكنة للأحداث والمناطق الساخنة واقتناص المشاهد
وتعميمها واقعا في غمامة الغموض. هذا السباق الحميم، وضع قنوات التلفزة أمام
امتحان مباشر تتزايد فيه حدة النشاط الحيوي والاحترافي للاعلاميين فيبعد عنهم أي
محاولة نقد، وتسقط في الوقت عينه بعض الأعراف الاعلامية العريضة المتمثلة بالسبق
الصحافي والأنانية في العمل التي تحولت الى تحد ذاتي تتحكم فيه حقوق المشاهد
واهتماماته، فتصبح الأولوية لنقل الخبر واعلام المشاهد به مهما كان مصدره حتى قبل
التأكد من صحته في بعض الأحيان عندما يكون نقلا عن مؤسسة اعلامية أخرى أو بناء على
استنتاجات معينة. هذا الوضع برز جليا في المعادلة الاعلامية المرئية خلال تغطية
حرب يوليو (تموز) حين امتزجت أو توحدت صورة قنوات تلفزيونية عدة، اما نتيجة تعاون
تقني مسبق بين ادارات هذه القنوات، فخلت الشاشة الا من اشارة المحطة نفسها، أو
اجتمعت الاشارتان على الشاشة الواحدة ما يدل على نقل الصورة عن قناة أخرى، لتنفرد
بعد ذلك كل محطة بأسلوب تغطية خاص بها تماشيا مع العنوان العريض الذي اتبعته في
طريقة تعاملها مع الأحداث والمرحلة الراهنة بشكل عام.
ولعل هذه الميزة المهمة التي
باتت علامة فارقة لصالح الجمهور التواق الى متابعة ما يحصل لحظة بلحظة، كرست واقعا
مهنيا لا يدخل فيه أو تتحكم فيه التناقضات في الرأي أو في التوجهات السياسية
المغايرة بين مؤسسة وأخرى، وهذا ما أكدته مديرة الأخبار في «التلفزيون الجديد»
مريم البسام، واستدلت على ذلك بالتعاون المهني الدائم، أي ليس فقط في مرحلة الحرب،
بين مؤسستها ومحطتي «المنار» و«المستقبل» رغم الخلاف البارز مع توجهات الأخيرة
وسياستها بشكل عام. ولكن أليس الاعتماد على صور الغير، في غير المقابلات الحصرية
التي تعطى لقناة معينة لسبب أو لآخر، يعد نوعا من الكسل؟ أو التقصير المهني بمعنى
أن كاميرات القناة التي تنقل الصور لم تكن موجودة؟ تقول البسام: «علينا أن نبذل
جهودا مضاعفة عشرات المرات عن الأيام العادية، وكوسيلة اعلامية، كغيرنا من معظم
المحطات المحلية، غير متخصصة فقط في النشرات الاخبارية، قدراتنا مخصصة لاعداد نشرة
أو نشرتين يوميا فقط، لذا نضطر في بعض الأحيان للاستعانة بوسائل اعلامية أخرى،
خصوصا في ما يتعلق بالمشاهد المصورة، ويترسخ هذا المبدأ أكثر بين المحطات التي لنا
تجارب سابقة معها، فيصبح التعاون مبنيا على ثقة متبادلة بين الطرفين ودون مقابل
«أعطي من يعطيني والعكس صحيح».
وبما أن تبادل المشاهد المصورة
بين المحطات لا يخضع لاتفاق مكتوب أو قانوني انما بناء على اتفاق شرف بين
الادارات، يتوجب على المحطة التي تستعين بمادة غيرها احترام عمل الاخرين وايفاؤهم
حقهم من خلال ابراز اشارة هذه المحطة. وتضيف البسام: «قد يتم عرض مشاهد مصورة نقلا
عن وسيلة اعلامية أخرى من دون اللجوء الى وضع اشارة هذه الوسيلة في حالتين فقط،
الاولى اذا طلب عرض الشريط بعد عرض الأولى له بشكل حصري وتحقيقها من خلاله سبقا
صحافيا، والثانية لدى وجود اتفاق بين المحطتين لعرض البرنامج أو المشاهد بموازاة
عرضه على المحطة الرئيسة». وتعطي مثالا على الحالتين، فعندما بثت قناة «الجزيرة» الفضائية
مقابلة مع الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله عمدت البسام الى طلب اذن
المحطة لعرضها مباشرة من دون ابراز الاشارة، لكن طلبها لم يلق استحسان الادارة
التي اشترطت اظهار الاشارة، ما يحفظ حق الاعلامي والمؤسسة على حد سواء، وكان لها
ما اشترطت عليه.
كذلك، عندما قصفت البارجة
الاسرائيلية فور انتهاء كلمة السيد نصر الله، صودف وجود كاميرا «نيو تي في» قبالة
الشاطئ، فانفردت بالصورة وبثتها مباشرة على الهواء بشكل حصري، لكن هذا لم يمنع
المحطة من توزيع الشريط واعطائه لأي محطة تطلبه، بما في ذلك، لا سيما تلفزيون
المنار المعني الأول بالحدث ولكن لم تتسنَّ له فرصة التصوير المباشر، سيما أن تلك
الصور الحصرية التي تحمل شعار قناة معينة هي أفضل دعاية لها عندما تبث على قنوات
أخرى. ولا تنكر البسام بعض الصعوبات التي قد تواجهها المحطة في حالة الحرب عندما
يكون التبادل الاعلامي متواصلا بين المؤسسات، اذ قد يلجأ مثلا أحد المراسلين الى
محاولة التحكم في زملائه اذا ما استعانوا بماكينة البث المباشر الخاصة بالمؤسسة
التي يعمل فيها في موقع الحدث لنقل أخبارهم، كما حصل مع مراسل «الجزيرة» الذي كان
موجودا في نقطة البقاع خلال الحرب، اذ تعتبر البسام أنه لم يتصرف بناء على
الأخلاقية المهنية التي يفترض بالاعلامي أن يتمتع بها، لا سيما في ظروف حساسة
كهذه، بل حاول استفزاز زملائه وتصرف وكأنه في موقع أعلى منهم يحق له أن يفرض عليهم
شروطه.
كذلك قد تنتج عن التعاون
الاعلامي أو السياسي آثار سلبية ترخي بظلالها على المحطة، كما حصل عندما انتشرت
شائعة بث برامج قناة «المنار» من مقر مبنى «نيو تي في» والهدف منها بالطبع إيذاء
الأخيرة والحاق الضرر بها.
أما في شأن ما يعتقده البعض عن
سيطرة مبدأ السبق الصحافي والأنانية المهنية التي قد تعيق أو تحول دون التعاون بين
المحطات، لا سيما ذات الطابع أو الصفة المشتركة، أي بين الفضائية والمحلية في ما
بينها، ترى البسام أن هذه النظرية تسقط في ظروف طارئة كهذه بل على العكس يصبح
التعاون بين المحطات المحلية أسهل من الفضائيات التي تتطلب دائما الرجوع الى
المكتب الرئيسي للحصول على الموافقة لبث مشاهد أو برنامج معين، ما يتحكم في هذا
التعاون ويحول في أحيان كثيرة دون اتمامه.
أما رئيس تحرير الأخبار في
تلفزيون «المستقبل» حسين الوجه، فيرى أن التعاون بين المؤسسات الاعلامية المرئية
يزداد بدرجة عالية في مرحلة الحرب بموازاة ارتفاع حدة التنافس الاعلامي، انما يسقط
في الوقت عينه مبدأ السبق الصحافي لصالح القضية الوطنية فلا يقتصر عندها الهدف
الأساسي من بث صور الحرب والمجازر على كونه سبقا صحافيا، انما يتعداه الى نقل
الواقع وايصاله الى الرأي العام العالمي، وهذا ما يؤمنه تعميم الصورة على أكبر عدد
من الشاشات وعدم حصرها على محطة واحدة. ويضيف الوجه أن حسابات الأنانية المهنية
التي كانت تؤخذ بعين الاعتبار في الأيام العادية تزول كلها خلال الحرب، لا سيما
تلك التي تحدد مجال التعاون بين محطة فضائية أو أخرى محلية بحسب موقع المنافسة.
ولا يحدد الوجه صفات محددة أو شروطا معينة يفرضها هذا التعاون، فالمجال مفتوح أمام
الجميع وبناء على اتفاق شرف غير مكتوب يحفظ حقوق الناقل والناشر على حد سواء، فمن
واجب الأول مثلا ابراز اشارة المحطة التي انفردت بالخبر أو المشهد وفي الوقت عينه
احترام المشاهد وكسب رضاه من خلال عرض الصورة له أو اعلامه بالخبر دون تأخير، فاذا
لم يتسنَّ للمحطة اللحاق بالخبر لأسباب قاهرة فهذا ليس ذنب المشاهد، مع الاشارة
الى أنه لا يترتب أي موجبات قانونية على المحطة التي تنقل الخبر أو المشهد من دون
اذن مسبق.
وبما أن الاستنفار الشامل هو
حال كل المؤسسات الاعلامية في حالة الحرب، يشير الوجه أن ما قد يمهد فقط للسبق
الصحافي وبالتالي سرعة المحطة في نقل الخبر أو الصورة قبل غيرها، قرب المسافة من
موقع الحدث، لا سيما اذا وقع في منطقة جديدة لم يستعد لها المصورون. فحين ضربت
المنارة القديمة مثلا في منطقة قريطم في بيروت انفردت «المستقبل» في بادئ الأمر
ببث الصور الأولى نظرا لقربها من مكان الحدث ونقلت عنها في ما بعد قنوات تلفزيونية
أخرى، والوضع نفسه تجسد حين قصف جسر المدفون في شمال لبنان فكان السبق الصحافي من
نصيب المؤسسة اللبنانية للارسال
دراسة اعدتها : كارولين عاكوم