ثلاثةُ أشهرٍ مرت على قانون الجرائم الإلكترونية الذي أقرته السلطة الفلسطينية في يونيو/ حزيران الماضي، ولهيب ناره تكوي جباه الناشطين والعاملين في الحقلِ الإعلامي بالضفة الغربية وفقًا لآرائهم وتعبيرهم عن الحالة السياسية والاجتماعية السائدة، وفي صورة انفصالية تامة عما كفله القانون الأساسي الفلسطيني في بنوده وتشريعاته.
وهذا القانون المُتبنّى من أعلى هرم رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله، وفقا لإفرازاته الميدانية لم يكن إلا مقصلة سلطوية مؤكدة للحريات الإعلامية، بما مارسه من محاولة كتم آراء كل من غرد خارج سرب ركب السلطة وروايتها من الإعلاميين أو المواقع الإخبارية الإلكترونية المتعددة.
وفور إقرار القانون أغلقت السلطة الفلسطينية العشرات من المواقع الإلكترونية، فيما اعتقلت على مدار الأشهر الماضية العديد من الإعلاميين والناشطين العاملين في الحقل الإعلامي من وكالات ومحطات إعلامية مختلفة، بتهم “تسريب معلومات لجهات معادية، والإضرار بالأمن المحلي العام”.
61 مادة
واحتوى القانون الذي نشر في صحيفة الوقائع الرسمية في الضفة على 61 مادة تم تناولها في 31 صفحة، تتعلق المادة 20 منه باعتقال ومحاكمة كل من ينشر أخبارا من شأنها “تعريض سلامة الدولة أو نظامها العام أو أمنها الداخلي أو الخارجي للخطر”.
ومن أبرز ما جاء في القانون أيضًا، تشريع مراقبة كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وإتاحة مراقبة المستخدمين والتنصت عليهم وتخزين بياناتهم كاملة لمدة 3 سنوات، فارضًا على الشركات المزودة للإنترنت التعاون مع الجهات الأمنية للوصول إلى بيانات المستخدمين.
يشير الإعلامي طارق أبو زيد، إلى أن الإعلاميين في الضفة الغربية العاملين ضمن المؤسسات غير المتوافقة مع سياسات ونهج السلطة، باتوا فعليًا بفعل قانون الجرائم الإلكترونية هدفًا للاعتقال والمحاكمة والزج في السجون.
ويؤكد أبو زيد لـصحيفة “فلسطين”، أن “الفريسة الأولى” لقانون الجرائم الإلكترونية في الضفة كانت من الإعلاميين الذين عبروا بآرائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي عن الحالة السياسية السائدة ومجريات الحياة الاجتماعية، أو من الذين عملوا ضمن مؤسسات تابعة للصوت المعارض للسلطة أو المنتقد لها.
ويرى أن الإعلاميين وحتى المواطنين هم مستهدفون عبر هذا القانون، سيما وأنه يقاضي كل من يعبر عن رأيه في القضايا السياسية والتي يجري تكييفها من النيابة العامة في سياقات الإضرار بالأمن والمصلحة العامة وما شابه، مشيرًا إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية “فضفاض” ويمكنه أن يحاسب أي شخص على أي كلمة نشرها أو أرسلها للجهة الإعلامية التي يعمل بها.
القانون الأساسي
بدوره يؤكد مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان في الضفة شعوان جبارين، أن صيغة قانون الجرائم الإلكترونية تتناقض كليًا مع ما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني سيما ما يتعلق في حماية واحترام الإعلام وحرية الرأي والتعبير.
يشير جبارين لـصحيفة “فلسطين”، إلى أن هذا القانون ينتهك في “روحه ومبدئه” حرية الرأي والتعبير، ويعاقب الأفراد وفقا لما ينشرون، إلى جانب كونه يضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين سابقا.
ويشدد على أن من أشرف على وضع وإقرار هذا القانون الشهر الماضي، لم يقم للقانون الفلسطيني والالتزامات الدولية أي وزن في آن واحد، حيث بات الصحفيون عرضة للاعتقال والمقاضاة وفقا لنشرهم آراءهم وتعبيرهم ونقل المعلومة.
ويوضح أن سجن الصحفيين يمثل الخطورة المتوقعة من “الاستخدام السيئ لقانون الجرائم الإلكترونية”، إذ يطلق يد السلطة التنفيذية على الحريات العامة، ويسهّل تجريم الصحفيين والنشطاء.
ويلفت جبارين إلى أن المادة 20 من قانون الجرائم الإلكترونية المبررة لاعتقال الصحفيين هي “أكثر من جريمة”، مضيفا “سياسة تكميم الأفواه، ومعاقبة الأفراد وفقا لآرائهم، لا بد وأن تنتهي، لأنها تضر أكثر ما تنفع، ولا يمكن عبرها أن تقوى السلطة ما لم يكن المجتمع الفلسطيني قويا”.
الخبير في الشأن الإعلامي في الضفة، د. نشأت الأقطش، يقول إن السلطة وعبر هذا القانون تريد إحكام سيطرتها وقوتها على الأرض، إلى جانب فرض تغولها على الإعلاميين والصحفيين، مشيرا إلى أن الإعلاميين هم الأولوية الأولى لهذا القانون.
ويلفت الأقطش لـصحيفة “فلسطين”، إلى أن حرية الرأي والتعبير باتت غير متاحة لدى الكثير من الصحفيين والذين يفكرون مرارا فيما يكتبون أو ينشرون بفعل هذا القانون خشية من الاعتقال على يد أجهزة الأمن.
ويضيف: “الإعلاميون هم أول من اكتوى بنار قانون الجرائم الإلكترونية، وهم المستهدفون، وهو ما يوجب عليهم التجمع بعيدا عن الحزبية والانتماءات الضيقة لحماية أنفسهم، وإن لم يفعلوا فسوف ينتظرون الأسوأ مستقبلا”.
وينبه الأقطش إلى أن حرية الرأي مستهدفة بقوة عبر القانون، سواء كان من يطلق الرأي مواطنا، أو إعلاميا، مشددًا على أنه وبعد إقرار القانون قبل نحو ثلاثة أشهر لم يجد ردة فعل عملية لوقفه.