الصحفي الأسير مجاهد السعدي: حققوا معي 30 يومًا ومنعوا المحامي من الحضور..

البوابة-

«انتهاكات واعتداءات وقمع وظلم»..

تلك الكلمات كانت بمثابة اختصار شديد لحوارنا مع الصحفى الأسير المحرر مجاهد السعدى مراسل قناة «فلسطين اليوم» في مدينة جنين، والذي تم اعتقاله عدة مرات ليمضى في سجون الاحتلال أكثر من 5 سنوات متقطعة آخرها كان 7 أشهر متواصلة بعد اعتقاله في 12 من يناير الماضى، بتهمة تقديم خدمات لجهات معادية، والتي يقصد بها فضائية «فلسطين اليوم»، وذلك رغم ما يعانيه من عدة أمراض وهى التهابات المفاصل وآلام حادة جراء معاناته من الانزلاق الغضروفى «الديسك».

■ في البداية حدثنا عن أحوال الصحفيين داخل السجون الإسرائيلية وهل لهم معاملة خاصة؟ 

– لا فرق لدى الاحتلال ما بين أسير وآخر حتى وإن كان ينتمى لمؤسسة دولية، فلا يراعى الاحتلال هذه المعايير فالأسير هو أسير ما دمت أنت فلسطينيًا، فأنت أسير لا تتمتع بأى امتيازات، ولو كانت هناك مراعاة لما كان هناك العشرات من المعتقلين الصحفيين، فمنذ اللحظة الأولى أنت معتقل لا تتمتع بأى حقوق سوى تلك التي فرضها الاحتلال الغاشم، وبالتالى لا توجد هناك امتيازات أو حقوق ولا أي درجة من الإنسانية من طبيعة الاعتقال منذ اللحظة الأولى، فهنا الاعتقال يتم بتعصيب العينين وربط اليدين بالكلبشات البلاستيك وليست الحديدية المعترف بها دوليًا، إضافة إلى أنك لا تعلم إلى أين يتم احتجازك، وما التهم التي يتم إصدارها بعد عدة أسابيع وبعد نحو ٣٠ يومًا وقتها من الممكن أن تعلم ما التهم الموجهة إليك، وما لائحة الاتهام بحقك التي صدرت من الاحتلال.

■ هل طريقة احتجازكم فردية أم جماعية؟

– طبعًا يكون الاعتقال في البداية فرديًا حتى نهاية التحقيق وصدور لائحة الاتهام الخاصة بك، ومن ثم تكون هناك إجراءات لنقلك من المكان المتواجد فيه، فأنا كنت في مركز تحقيق «الجلمة» أو ما يعرف بــ«كيشون» وهو يعتبر مركز تحقيق مركزيًا لا يمكن لأى شخص دخوله أو الخروج منه في نفس الوقت، فعلى سبيل المثال لا يمكن للمحامين زيارتك ومعرفة ما الاتهامات الموجهة ضدك.

■ وماذا عن المعتقل بالداخل.. هيئته ومحتوياته؟

– هذا المعتقل هو المعتقل المركزى ضمن ٥ مراكز توقيف مركزية، وهو عبارة عن زنازين تحت الأرض مظلمة جدا، فعندما تدخل الزنزانة تشعر أنك في قبر، فهذه الزنازين لا تتجاوز المتر المربع، لا تتسع لشخص واحد ممتدة طولًا بمتر ونصف المتر، ولا تتجاوز المترين، تلك المساحة تضم أيضا دورة المياه التي بداخل الزنزانة، ولا يمكن أن تتحرك فيه، داخل الزنزانة لا يمكن أن تعرف الوقت ولا الساعة، بالمعنى الأدق، أنت فاقد للوقت ولا يحق لك اقتناء أي شيء سوى الملابس التي يتم تجريدك منها وإعطاؤك ملابس المعتقل وهو القميص البنى والبنطلون الذي يكون بنفس اللون.

■ كيف يتم التعامل معكم بداخل السجن بعيدًا عن وقت التحقيق؟

– الاحتلال يمارس أعمالًا استفزازية وقمعية ضد الأسرى، من بينها استمرار التفتيش الليلى، واقتحام السجون فجرًا، ومنع إدخال الأغطية، وتقليص الخدمات الصحية الواجبة على الاحتلال، وكذلك تقليص الصليب الأحمر للزيارات زاد الأمر سوءًا وضيق الخناق على الأسرى داخل سجون الاحتلال.

■ ما أشد الأوقات صعوبة أثناء الأسر؟

– مرحلة الاعتقال والتحقيق هما أصعب مرحلتين على الأسير، فهو يتعرض لضغط نفسى غاية في الصعوبة لساعات طويلة من أجل الاعتراف على أشياء لم يفعلها.

■ إذًا كيف تم التحقيق معك وكم من الوقت استغرق؟

– تم التحقيق معى لمدة ٣٠ يومًا كنت منذ اليوم الأول بمفردى وبعد انتهاء التحقيق تم نقلى إلى ما يعرف بأقسام «المعابر» التي يكون فيها الأسرى مجتمعين.

باختصار الاعتقال هو اعتقال فردى ولا توجد أي امتيازات، ولا يوجد أي قانون يتعامل مع الصحفيين، فنحن تم اعتقالنا على تهمة حرية الرأى والتعبير والتحريض، وتقديم خدمات إلى العدو. وجميع هذه التهم هي حق كفلته جميع المواثيق والأعراف الدولية والاحتلال لم يعترف بها وتمت محاكمتى.

■ وماذا عن الرعاية الصحية داخل السجون للمرضى منكم؟

– لا توجد هناك أي معايير للصحة، ولا يوجد هناك مستشفى متخصص للأسرى، ولكن هناك ما يعرف بعيادة سجن الرملى، وهى عبارة عن سجن فيه عيادة خارجية، يتم إعطاء المرضى فيها الأدوية، ومن ضمن الملفات الطبية كان عندي الديسك والتهاب حاد في المفاصل وهو الروماتيزم، ولم أتلق أي علاج، كانوا فقط يعطوننى مهدئات ومسكنات موضعية للألم، وهناك «بسام السايح» أشهر الأسرى المرضى وهناك العشرات من الحالات الطبية التي تسجل أسماؤهم كل يوم في السجلات الطبية لدى الاحتلال والإهمال والمماطلة الطبية، فبسام السايح يعانى من سرطان الدم وحياته في خطر، وفى أي لحظة من المحتمل أن نسمع نبأ استشهاده، لأن حالته الصحية في مرحلة الخطر، ويجب على جميع المؤسسات الإنسانية والحقوقية الاعتناء بمرضى الأسرى وبالتحديد شريحة الصحفيين. فبسام إحدي الحالات المريضة وهناك الأسير «حسن جابر»، يعانى من عدة أمراض مزمنة منها التهاب الأمعاء والقولون وهناك العشرات من الصحفيين المغيبين عن وسائل الإعلام منهم همام العنتيلى وحمزة عبدالسلام.

■ ذكرت أنه تم اعتقالك أكثر من مرة، ولكن هذه المرة كانت الأصعب.. لماذا؟

– كانت هذه الأصعب، لأنها كانت بدون تهمة، فتهمتى كانت هي حرية الرأى والتعبير والتي كفلتها جميع المواثيق الدولية، فأنت تعتقل لأنك تقول الحقيقة وتفضح جرائم احتلال غاشم لا يعرف الرحمة، ولأنك صاحب قلم وصورة ورسالة إنسانية ووطنية، هذا كان أصعب اعتقال وأصعب ظلم، لأنك تتحدث عن الظلم الواقع عليك وعلى أهلك وأرضك المحتلة.

■ هل تم تعذيبك بالداخل والاعتداء عليك، وكيف تم ذلك؟

– لا يوجد تعذيب بالمفهوم المتعارف عليه على قدر ما يوجد تعذيب جدى، وهو الاعتقال والعزل الانفرادى الذي تتعرض له خلال فترة اعتقالك. فأنت لا تعلم الليل من النهار كما ذكرت سابقا، فقط أنت محبوس في قبور تحت الأرض لا تصلك أشعة الشمس، وهى أبسط المقومات الإنسانية والآدمية، فأنت لا تعرف أي شيء عن العالم الخارجى، ويصل الأمر أنك تفقد حتى تاريخ الأيام، ولا تدرى أنت في أي يوم أو أي شهر ولا تعلم التاريخ إلا من خلال المحامى الذي يتم عرضه عليك خلال المحكمة، وليس في زيارة وهنا يكون التعذيب بالضغط النفسى، ويتم التحقيق معك مرة في ساعات متأخرة بالليل، ومرة في الصباح الباكر، وهذا هو النمط الجديد للتعذيب على أن يكون التحقيق لفترات طويلة.

■ وماذا عن الزيارات، هل كانت مسموحة؟

– بعد الاعتقال بثلاثة شهور صدر تصريح لزوجتى وفى مدة الـ ٧ شهور التي تم اعتقالى فيها، تمت زيارتى ثلاث مرات بمجمل ٤٥ دقيقة وهذه لا تكفى كما أنها لا تلبى رغبات الأسير كونه منعزلًا عن العالم ولا توجد أي وسيلة تواصل غير هذه الزيارات. فهذا الوقت قصير جدًا للغاية.

■ ما أكثر موقف أثر فيك داخل السجن؟

– عدة مواقف لا يمكن إجمالها في بضع دقائق، ولكن عندما وقفت أمام القاضى وهو منصب من المفترض أن يتمتع في جميع الدول بالنزاهة والعدالة والحرية والمصداقية، للأسف الشديد كان هذا القاضى جلادًا وكان جندى احتياط في جيش الاحتلال من قبل، ومن ثم تحول إلى قاضٍ فبالطبع لن ينصفنى أبدا، وعندما وجهوا لى لائحة اتهام وطلبوا منى الاعتراف كانت هناك صفقة لسجنى بـ ٧ شهور وغرامة ٥ آلاف شيكل.

وقلت له «كيف تقدم لى لائحة اتهام وأنا لست مذنبًا ولا يوجد في هذه اللائحة أي شيء ملموس، فلماذا يتم احتجازى؟ فقال لى حرفيًا: إن كان هذا شيء يزعجك فهناك ١٤ شهرًا في انتظارك».

■ أخيرا ماذا تود أن تقول لروابط الصحفيين الدولية وجميع الصحفيين العرب؟

– أوجه رسالة للأخوة العرب وبالأخص الصحفيين أقول لهم إن فلسطين وصحفييها يعانون الأمرين، ويعانون من الإهمال الدولى والعربى، فرجاء اهتموا بالقضية الفلسطينية وتحدثوا عنا أكثر للضغط على الحكومات من أجل الدفاع عن الصحفيين، والتمتع بحقوقهم التي كفلتها جميع المواثيق الدولية والعربية، ويجب الضغط على الاحتلال للإفراج عن جميع الصحفيين والوقوف بجانبهم وإعطائهم جميع التسهيلات، ويجب أن يكون هناك حراك جاد وفعلى من الصحفيين في مصر الشقيقة والأردن كون الأولى أم الدنيا وهى قلب الدول العربية والحاضن للقضية الفلسطينية فيجب أن يكون هناك تحرك يرقى بالوطن العربى ومصر وفلسطين.ش