صحيفة “الأيام” تمنع من النشر والتوزيع من قبل نواب حركة حماس، على خلفية رسم كاريكاتوري عمره ثلاثة أشهر
في الثالث من شباط الجاري، صدر حكم من محكمة
الصلح في غزة يقضي بـتعطيل إصدار ونشر وتوزيع صحيفة "الأيام" الفلسطينية،
اعتباراً من السادس منه.

حصل ذلك على خلفية نشر هذه الصحيفة، ومنذ أشهر
طوال( تحديداً في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي) رسماً كاريكاتورياً على
صدر صفحتها الأخيرة، اعتبره المجلس التشريعي مسيئاً له، بحسب الشكوى التي قدمت من
قبل عدد من نواب حركة حماس في المجلس التشريعي.

الرسم الكاريكاتوري موضوع النزاع كان قد رسمه
بهاء البخاري فنان الكاريكاتور الفلسطيني، وقد أظهر فيه نواب حماس بذقون وشعر كثيف
وإلى جانبهم صوراً للنواب الأسرى. ويبدو كل من في الرسم في هيئة تشبه رئيس الحكومة
المقالة إسماعيل هنية. وقد كتب على الرسم كلمة "اللاشرعية".

الشكوى المقدّمة وجّهت ضد رئيس تحرير الصحيفة
أكرم هنية، وهو مستشار الرئيس محمود عباس وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، ورسام
الكاريكاتير بهاء البخاري، وسامي القيشاوي بصفته مدير مكتب الصحيفة في غزة.

كلّ ذلك بحجة أن الرسم مسيء، بحسب ما يرونه هم.

المستشار إسماعيل جبر، وهو النائب العام في
الحكومة المقالة، والذي أصدر هذا الحكم ضد الصحيفة، قال لمنصات "الحقيقة انه
إذا كان الرسم يمس الدين، فهذا ليس فيه حرية. وفي حادثة سابقة كان الرسم
الكاريكاتوري الذي صور النبي عليه الصلاة والسلام بصور معينة أساءت لديننا ورسولنا
الكريم ادعوا فيها أنها نوع من أنواع الحرية".

وتابع جبر "الأخوة( اي القيمون على
الجريدة والرسام) يقلدونهم (اي الغرب الذي رسم صور مسيئة عن الرسول) في ذلك،
ويقولون هذه حرية صحفية. ولكن الحرية الصحفية لا تحتقر الدين ولا تحتقر المظهر
الديني، والرسم احتقر المظهر الديني عندما رسم أناساً بلحى مع انهم اناس ولديهم
مذهب وغير ملتحين. ولكن هنا الإساءة أصبحت في الشكل أكثر من المضمون، أو حتى الشكل
والمضمون معاً. أرادوا بالشكل الإساءة إلى المضمون، وهذا كلام لا يجوز وهم يدعون
أن هذه حرية، لكنها في الحقيقة قذف وقذف شديد جدا".

هذا المعارض اكمل ليتستطرد "الرسم
الكاريكاتوري من حقه أن ينتقد وان يقول هذا لا يجوز. ولكن أن يأتي بأناس ملتحين
ويقول "اللاشرعية"، إذا من هم الشرعية، أريد أن افهم!".

وتابع ليؤكد، من وجهة نظر قانونية ودستورية،
بأن هذا الرسم " كان بالدرجة الأولى نوع من التحقير"، ومسألة أن يظهر
لون واحد باللحى ثم يكتب عليه "اللاشرعية"، هذا الأمر دفع أعضاء المجلس
التشريعي أن يقدموا شكوى رسمية إلى النيابة العامة والتي بدورها حركت الدعوى نحو
القضاء بتهم رسمية.

وأكمل بأن هذه التهم هي بالفعل حسب القانون "قذف"
خلافا للمادة 3 و2 و204 عقوبات سنة 36. "هذا قانون معمول به لدينا في غزة"
كما وهناك أيضا مخالفة للمادة 37 لقانون المطبوعات للنشر الذي أصدره الراحل ياسر
عرفات في سنة 95.

فالحصيلة اذا برأي المستشار هي ثلاثة مخالفات.

مدير تحرير صحيفة "الأيام" الصادر في
رام الله عبد الناصر النجار قال لمنصات، معلقاً على القرار "كان من الأجدر
بنواب حماس في حينه أن يعلموا أن الرسم الكاريكاتوري ليس صورة فوتوغرافية، وإنما
هو بالأصل قد يكون رسما ساخرا، أو قد يكون رسما فيه أبعاد أخرى".

وأضاف " تفاجئنا في القرار لأن الحادثة مر
عليها زمن طويل جدا، وبلغنا بالقرار فقط السبت الماضي. نأمل من حركة حماس العودة
عن هذا القرار لأن هذا مؤشر خطير جدا لم نتوقعه ولم يتوقعه الصحفيون الفلسطينيون
بشكل عام. وبالتالي فان مثل هذا القرار سيؤدي إلى ضرب قطاع الإعلام الفلسطيني بشكل
قوي، والصحيفة حاولت وما زالت تحاول أن تكون موضوعية في تغطيتها".

النجار اعتبر أن الرسم غير مسيء بالمطلق،
مؤكداً أنهم في الصحيفة أوضحوا أن الرسم في الجريدة ليس صورة فوتوغرافية، لا يعكس
صورة الواقع، " فإن كان هناك جلسة للمجلس التشريعي في غزة ودعت إليها كتلة
حماس واتخذت قرارات وكانت هذه الجلسة مقتصرة على أعضاء كتلة حماس، فرسام
الكاريكاتور يعبر ويقول أن هذه ليست جلسة للمجلس التشريعي وإنما جلسة لكتلة حماس، فرسم الوجوه متشابهة. ولكنهم
اعتبروا أن هذا الرسم المضخم لبعض أجزاء الجسم هو إساءة للنواب".

وأكمل عبد الناصر مضيفاً بأن "رسام
الكاريكاتور، ورئيس التحرير، والعاملين في الصحيفة أكدوا أن هذا الرسم بالمطلق غير
مسيء. فهو يقع ضمن الحرية الصحفية وضمن حرية رسام الكاريكاتور بأن يأخذ مساحة في
التعبير عن رأيه وعكس الصورة التي يقتنع بها. وعادة ما يكون رسام الكاريكاتور هو
فنان بالأصل ولا يمكن أن نضع حدوداً للفن، إلا إذا كان هو فعلا يتجاوز ما هو مقبول
في المجتمع، وما يسيء للوحدة الوطنية. وهذا ما لم يحصل بالمطلق".

بهاء البخاري، الفنان الفلسطيني ورسام
الكاريكاتور المطلوبة إدانته من نواب حماس، عقب على الأمر بالقول "يغيب عن
ذهن الآخرين الحقيقة من خلال اسمي " البخاري". وهم يعرفون ماذا تعني
كلمة البخاري. أنا لست فقط مسلم، بل نحن نشير بطريقة "نقش بندية صوفية".
وسلالة العائلة ملأى باللحى، فلا يمكن أن انتقد أو اهزأ من أسرتي أو أجدادي".

وتساءل الرسام " من الذي خولهم القول من
هو المخول ومن هو غير المخول؟ فالإعلام بشكل عام في العالم -وليس في فلسطين فقط- له موقف من الأحداث التي تجري. وعندما أكون أنا
في هذا الوطن وارى ما يجري وما يمس شعبي أنا لن احترم نفسي إذا لم أكن صادقا مع
نفسي ومنسجما مع أطروحاتي وبما أومن به".

البخاري يؤكد أنه " لم أتصدى للأشخاص
كأفراد بالذات أكثر مما أنا اقصد بالتصدي للفكرة أو الموقف الذي هو وراء هؤلاء
الأشخاص. و الرسم الذي قالوا أنه السبب، في الحقيقة (ومن ناحية مهنية وأمام زملائي
رسامي الكاريكاتور في العالم)، اخجل أن أريهم اياه .فهو السبب في الحكم علي وإيقاف
صحيفتي في قطاع غزة أو أي مكان، لانني اعتبر السبب تافها جدا. فالرسم لا يستحق أن
يثير حوله كل هذا الصدى".

وأكمل" أي إنسان يتابع الصحافة في الوطن
العربي والعالم يرى كيف تتناول وسائل
الإعلام القادة والساسة في العالم من خلال الرسوم والتعليقات في الصحف، سيروا ان
ما فعلته ليس شيئاً من التطاول أو التجريح أكثر منه محاولة للتوصيف".

اما عن الاحكام التي صدرت فهي السجن مع وقف
العقوبة لمدة 3 سنوات للمدانين اكرم هنية، صاحب جريدة الايام في رام الله، وبهاء
البخاري الذي قام برسم الرسم الكاريكاتوري. اما الحكم الثاني قضى بتغريم المدانين
مبلغ 1000 شيكل، اي ما يقارب ما 250 دولار او الحبس شهرين. وفيما يتعلّق بالتهمة
الثالثة فالحكم صدر على اكرم هنية بالحبس مدة شهر وتغريمه 1000 دينار أردني، نحو 1500
دولار. كما وقضى الحكم الرابع بتعطيل اصدار ونشر وتوزيع صحيفة الايام الفلسطينية
اليومية.

بغض النظر عن حيثيات قرار المحكمة، أو الجهة
التي رفعت الدعوى القضائية، أو الصحيفة الناشرة، فإنه لا يخفى على أحد، أن هامش
الحريات في فلسطين يضيق بشكل يومي ومريب. كما انه من الواضح أيضاً بأن الامر
القضائي له دوافعه السياسية، لا يرتكز فقط على مبدأ "القدح والذم" الذي
يستعان به "كل ما دق الكوز بالجرّة".