ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي يواصل أعماله اليوم
– كيف غير الربيع العربي قواعد اللعبة الإعلامية والسياسية في العالم العربي
– الإعلام التقليدي يخسر معركته أمام الإعلام الجديد
بين وصف الاعلام العربي بانه اول ضحايا الثورات العربية والحركات الاحتجاجية، وبين كونه قد عمل على تغيير قواعد اللعبة الاعلامية بين السلطة والشعب كانت جلستا ملتقى المدافعين عن حرية الاعلام في العالم العربي اللتان عقدتا مساء امس الاثنين تحاولان تحديد النتائج التي ترتبت على الاعلام العربي كونه ضحية، وكونه قد نجح بتغيير قواعد اللعبة الاعلامية والسياسية.
ففي الجلسة الثالثة التي عقدت تحت عنوان”الاعلام العربي اول الضحايا في الثورات العربية ” التي ترأسها النائب بسام حدادين كانت ثمة شواهد حقيقية قدمها متحدثون من مصر والبحرين وتونس وليبيا ومنظمة هيومن رايتس ووتش تؤكد على ان الاعلام العربي كان ضحية، من خلال سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تعرض لها الاعلام والاعلاميون العرب من قبل السلطات في تلك الدول.
فقد ركزت عبير السعدي”وكيل نقابة الصحفيين المصريين” على اهمية السلامه المهنية للصحفيين في اماكن التغطية ، عرضت في بداية حديثها تقريرا مصورا للصحفي المصري مصطفى بهجت يغطيي فيه احداث شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير ايام 19 ــ 23 نوفمبر تشرين ثاني الماضي، وكانت صحيفة الجارديان قد وصفته بانه من التغطيات الصحفية المتميزة التي تفوق تغطيات الحروب العسكرية.
واشارت السعدي الى الحملات التي استهدفت الصحفيين خلال الثورات والتي تراوحت ما بين القتل والاصابة والاختطاف والاحتجاز العسكري والتعذيب واستخدام الذخيرة المطاطية والغازات المحرمة دوليا وسلاح البلطجية او الشبيحة.
وحول اليات العمل ابرزت السعدي جوانب الحملة الدولية للسلامة المهنية التي اطلقها الاتحاد الدولي للصحفيين وبدعم من النقابات العربية وبخاصة مع وصول عدد الصحفيين القتلى الى 65 صحفيا، منهم 22 صحفيا قتلوا في ربيع الثورات العربية منذ بداية العام، وتتراوح اعمال الحملة بين تدريبات على السلامة المهنية، وتعقب قتلة الصحفيين والمعتدين عليهم، وتوفير معدات الحماية، وضرورة تكاتف الجهود لاقرار معاهدة دولية جديدة لحامية الصحفيين.
واستعرضت نزيهة سعيد من البحرين الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين باعتبارها نموذجا على كون الاعلام العربي ضحية للثورات العربية قائلة ان السلطات البحرينية قامت بالتضييق على 123 صحفيا ومدونا ومصورا ومنعهم من ممارسة عملهم الصحفي، واعتقال وتعذيب وسوء معاملة 27 منهم، واقالة اكثر من 45 صحفيا منهم، وتم تصنيف قرابة 25 صحفيا فيما يسمى بـ “قوائم العار”.
واضافت ان 7 صحفيين تم التشهير بهم علانية والطعن في نزاهتهم وتلفيق التهم لهم على شاشة التلفزيون الرسمي، بالاضافة الى عشرات الصحفيين الذين تم الضغط عليهم للكتابة مع التوجهات الحكومية وتبنيي اراء الحكومة واجندتها.
وقالت سعيد ان الاعلام الرسمي البحريني عمل على تغيير وتشويه مضمون الاحتجاجات او نداءات المعارضة وشعارات المحتجين بما يتناسب والقصص المفبركة التي تصنعها الجهات الرسمية، وعرض افلام قصيرة لمعتقلين من المعارضة في جرائم لم يرتكبوها وتم الاخذ بهذه الاعترافات في المحكمة، واستغناء هيئة شؤون الاعلام عن زهاء 50 موظفا لاسباب طائفية.
وتابعت سعيد استعراض ما قام به الاعلام شبه الرسمي الذي وصفته بانه تتبع الخط الحكومي واستخدم نفس المنهج في التشويه وصولا الى تجريم نصف الشعب الى قائمة العمالة للخارج، وتجريد الاحتجاجات من مضمونها المطلبي وتأجيج النزعة الطائفية، بينما قام الاعلام المحايد وخاصة في اوروربا وامريكا بنقل صورة الاحتجاجات مما دفع بالسلطات البحرينية الى التضييق على دخول وسائل الاعلام الاجنبية الى المملكة وحجب المعلومات عنها ووصفها بعدم الموضوعية، بينما تجاهلت غالبية وسائل الاعلام العربية ما يحدث في البحرين والاقتصار على نشر وجهة النظر الرسمية.
وقالت سعيد ان دور الاعلام الاجتماعي” الفيس بوك والتويتر والمدونات تحولت في ظل تلك الاوضاع الى المصدر الرئيسي للاخبار، واصبحت هي المادة اليومية التي يعتمد البحرينيون عليها للتعرف على المستجدات كما انها قامت بفضح الكثير من الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية التي مارستها القوات الأمنية في البحرين.
وقال ممثل منظمة هيومن رايتس ووتش كريستوف ويلكي ان الثورات العربية التي حدثت عام 2011 علمتنا ان مطالبة الشعوب بحقوقهم والتي انطلقت من الشارع هي اقوى من الانظمة المستبدة.
واضاف ويكلي ان قوة الشعوب تعتمد بشكل كبير على الاعلام الذي ينقل ما يحدث في الشارع للقراء والمستمعين والمشاهدين ، وهذا كان احد الاسباب التي دعت العديد من الحكام العرب الديكتاتوريين الى كبت حريات التعبير حتى في بعض البلدان التي تشهد حاليا ثورات تهدد تلك الانظمة.
واكد ويكلي على ان الاعلام ليس وحده ضحية الربيع العربي دائما، وانما هناك ايضا المدافعون عن حقوق الانسان الذين كانوا ضحايا للقمع، وقد قامت بعض الدول بوضع قيود على الاعلام واستهدفت الاعلاميين خلال الثورات العربية ، كما شجعت بعض الحكومات البلطجية لمهاجمة المحتجين ومنتقدي الحكومات.
وقدم ناجي بغوري من تونس شرحا لواقع الاعلام التونسي، ودوره في الثورة التونسية وما تعرض له من انتهاكات، وكيف كان حال الاعلام التونسي قبل الثورة، مشددا على ضرورة توفير التشبيك بين الاعلام وبين المنظمات الدولية المدافعة عن حرية الاعلام.
وقال بغوري ان حرية العالم لم تعد ترفا فكريا، ويجب مقاومة الفساد، وفي تونس انتقلنا الان من مرحلة الاستبداد الى مرحلة الديمقراطية ولا يمكن لاحد ان يشكك في نزاهة الانتخابات التي جرت في تونس مؤخرا.
واستعرض فرج نجم من ليبيا واقع الاعلام الليبي تحت حكم النظام السابق، وكيف تحول الاعلام في ليبيا على مدى حكم القذافي الى بوق للسلطة، مؤكدا على ان نجاح الثورة الليبية قد اطلقت ثورة حقيقية في الاعلام الليبي، فمن خمس صحف فقط كانت تصدر في كل ليبيا خلال حكم القذافي فان 150 صحيفة تصدر الان في بنغازي فقط.
وفي الجلسة الرابعة التي عقدت مساء امس برئاسة ناصر اللحام من فلسطين وخصصت للبحث فيما اذا كانت الثورات العربية قد دفعت بالاعلام العربي لتغيير قواعد اللعبة الاعلامية، وخاصة الاعلام الجديد او مواقع التفاعل الاجتماعي، وهل كان فعلا للاعلام التفاعلي الاجتماعي” الفيسبوك والتويتر والمواقع الالكترونية الاخرى دورا رئيسيا في تحريك الثورات والاحتجاجات ام لا؟.
وقدمت الناشطة السعودية خلود الفهد ورقة عمل استعرضت فيها هذا الدور مؤكدة على ان الاعلام التفاعلي لا يسقط الحكومات وانما الناس هي التي تسقطها، مؤكدة على ان مواقع التفاعل الاجتماعي تحولت الى داعم حقيقي للثورات العربية.
وقالت الفهد ان الاعلام الجديد ادى بالنتيجة الى التاثير على الحكومة السعودية وقامت بتغيير سياساتها، كما ان السعوديين اصبحوا مهتمين اكثر بهذه المواقع، وقد وفر الاعلام الجديد للشعب العربي القوة والمعلومة، وبالتالي اصبح الشعب العربي يرفض السلطة الفوقية، وعمل على كسر احتكار المعلومة.
واضافت قبل خمس سنوات في السعودية لم نكن نعرف شيئا عن عالمنا العربي، كنا مغيبين تماما، الان وفي السعودية نجح الاعلام الجديد باسقاط الكثير من الرموز الدينية والسياسية والنخب، كما نجح بتغيير الكثير من القوانين، واصبح المواطن السعودي يعي تماما قوة الاعلام الجديد وتاثيره الكبير.
وشددت على ان الحكومات لم تختبر حتى الان قوة الاعلام الجديد، وبعض الحكومات تعاملت معه بالتعالي، الا انه نجح بكسر هيبة الانظمة السلطوية والاستبدادية، وكشف عن الحكومات كانت عاجزه تماما عن فهم الثورات العربية.
واستعرض الفنان المصري خالد ابو النجا فيلما من اخراجه يحمل اسم”ميكروفون”، مؤكدا على ان الشعب العربي خلع الخوف ولم يخلع الانظمة وهذا هو المهم.
وقال ابو النجا ان المهم انه اصبح في داخل كل واحد منا ساعة بيولوجية تدق، وانا اجزم باننا دخلنا في عالم جديد تماما.
وشدد على اهمية الصورة في نقل الاحداث وتحديدا في الثورات العربية وفي مصر بالذات، مشيرا الى ان الصور التي تم نقلها من ميدان التحرير والجماهير التي تهتف بصوت واحد”الشعب يريد اسقاط النظام” كانت ابلغ واصدق من ان ينكرها احد، وعندها فقط تاكد لنا جميعا بان الثورة في مصر ستنتصر.
واضاف نحن الان في مرحلة جدية من الثورة في مصر، فيجب الان اسقاط المجلس العسكري باعتباره الوجه الاخر لنظام مبارك.
واستعرض رئيس لجنة الحقوق والحريات بنقابة الصحفيين في تعز باليمن زكريا الكمالي دور الاعلام الجديد في الثورة اليمنية قائلا ان الاعلام الجديد ليس صاحب الفضل في بواكير الثورة في اليمن لكن مواقع التواصل الاجتماعي تركت في الشهور التالية اثرا في إنعاش الزخم الثوري وايصال صوت الثورة الى الناس.
وقال الكمالي ان قنوات التواصل الاجتماعي “فيس بوك ــ تويتر ــ يوتيوب ” ساهمت بشكل كبير في فضح جرائم النظام التي يتكبها بحق الثوار السلميين، وكانت غالبية القنوات الفضائية تعتمد عليها كمصدر رئيسي للاخبار ولتوثيق الجرائم.
واشار الكمالي الى ان الاعلام الجديد اكثر تحررا من الاعلام التقليدي لانه لا يخضع لرقابة اجهزة القمع، كما ان العاملين في الاعلام الجديد اكثر شجاعة من العاملين في الاعلام التقليدي، كما ان الاعلام الجديد احتضن الكثير من المواهب غير المحترفة الا انهم نجحوا بالوصول الى قلوب الناس .
وقال الكمالي ان الربيع العربي لم يكتمل بدون الاعلام الجديد الذي يتمتع بحرية اوسع، الا انه بالمقبل يؤخذ عليه عدم مهنيته، ولجوئه احيانا الى المبالغة، والى عدم الدقة في وصف الاحداث.
وشدد الخبير في حقوق الانسان الاعلامي فادي القاضي على ان الاعلام الجديد كان له دور بارز في نقل الاحداث التي رافقت الربيع العربي الا انه لم يكن صاحب الدور الاساسي في اطلاق شرارة الربيع العربي.
وقال القاضي لقد فشلنا كحاضر اعلامي في العالم العربي بالوفاء بالمتطلب الاعلامي لتغطية احداث الربيع العربي.
واعلن القاضي تشكيكه في اهلية الاعلام الجديد في تحريك الثورات العربية، لكنه استدرك قائلا” ومع ذلك انا لا اشكك في دوره الذي قام به”.
وقال لقد تبدلت اشكال الرقابة الرسمية على حرية التعبير والنشر، وخفت نوعا ما لكننا استبدلناها بالرقابة الذاتية، وهناك الرقابة البعدية، مشيرا الى ان مواقع التواصل والتفاعل الاجتماعي على الانترنت هي ملكية شخصية، وهذا ما يثير التساؤلات عن مدى المهنية والاحترافية والدقة في عملية النشر.
واضاف نحن استخدمنا الاعلام الجديد كوسائط اتصال ونشر جديدة، وتساءل هل ما انتج على التويتر والفيس بوك ثورة، واجاب باتاكيد لا ليس ثورة، فنحن استخدمنا ادوات فقط، والسبب ان الاعلام التقليدي لا يبيح للناس التعبير عن ارائها وايصال صوتها الى الناس والمسؤولين، لكن الاعلام الجديد ييتولى هذه المهمة.
وختم القاضي بالقول ان استخدام التويتر جعل اللغة العربية هي اللغة الثانية المستخدمة دوليا على التويتر بسبب كثرة العرب الذين يستخدمونه وهذا امر جيد، ومنالمؤكد ان الفيس بوك والتويتر لم يسقطا نظام ابن علي او مبارك، لكنهما ساهما بشكل كبير في اسقاط تلك الانظمة.
ويواصل ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي اعماله صباح اليوم الاثنين بعقد ثلاث جلسات، تتناول الاولى محاولة الاجابة عما اذا اذا كان الاعلام العربي مجرد ناقل للاحداث ام صانع للثورات العربية ومحرض عليها، وتتناول الجلسة الثانية البحث في مستقبل الاعلام العربي واثر الثورات العربية على واقعه ومستقبله، بينما تبحث الجلسة الاخيرة في ايام المؤتمر المفتوحة في دور المؤسسات الحقوقية العربية والدولية في الدفاع عن حرية الاعلام والصحفيين في ظل الربيع العربي.
وسينتقل المشاركون في المؤتمر صباح يوم غد الثلاثاء الى البحر الميت لمواصلة اعمالهم في جلسات مغلقة.