السياسي –
بعد القتل المروّع لزملائهم على يد داعش في تركيا الأسبوع الماضي، تقول مجموعة “الرقة تُذبح بصمت” لـNOW إنّها بحاجة الى المزيد من المساعدة
في حين لم يظهر أي “هاشتاغ” على موقع “تويتر”، ولم تبرز أي مسيرات تضامن دولية حداداً على ما حصل، ولم يعلم القارئ الغربي على الأغلب عن الأمر برمّته، شهد مجتمع الصحافيين السوريين لحظات شبيهة بقباحة ما حصل في “شارلي إيبدو” الفرنسية، مساء الخميس الماضي.
بعد أكثر من عام على تلقّيهما تهديدات مستمرة بالموت من تنظيم “داعش”، دفع ناشطان إعلاميان سوريان كرّسا وقتهما لفضح فظاعات الجهاديين وتكذيب البروباغندا التي يروّجون لها من مدينة أورفا التركية في الجنوب الغربي، ثمن شجاعتهما غالياً. فقد وُجِدت جثّتا كل من ابراهيم عبد القادر، المشارك في تأسيس المصدر الإخباري “الرقة تذبح بصمت” الحائز على جائزة، وصديقه فارس حمادي، مدير تحرير وسيلة اعلامية اسمها “عين على الوطن”، مصابتان بطعنات ومقطوعتا الرأس في شقّة رجل اعتقدا بأنّه كان صديقهما. وفي الحقيقة، كان المسمّى طلاس سرور، عميل سرّي لداعش، اكتسب ثقتهما على مدى ستة أسابيع قبل أن يوصلهما إلى حتفهما.
وأصدر داعش لاحقاً بياناً رسمياً بمسؤوليته عن مقتل الشابين، اللذين وصفهما بـ”المرتدّين اللذين يتآمران مع الصليبيين”. وفي تهديد مفترض لباقي أعضاء مؤسستي “الرقة تُذبح بصمت” و”عين على الوطن”، أضاف داعش: “لن تكونوا بمأمن من سكين الدولة الاسلامية، ويدنا سوف تمتد إليكم أينما كنتم لشق حناجركم، بإذن الله”.
على الرغم من الخطر الواضح الذي لا يزال يواجِه من تبقى من أعضاء “الرقة تُذبح بصمت”، الذين يعملون تحت أسماء مستعارة في مدينة الرقة- عاصمة داعش في سوريا- وفي الجارة تركيا كما وفي بلدان أخرى، يتعهّد الناشطون بأنه لن يتم ترهيبهم لكي يصمتوا.
“سوف نتابع عملنا حتى آخر رجل، ولن نتوقف مهما كانت الظروف”، قال لـNOW المتحدّث باسم المجموعة أبو ابراهيم الرقاوي. وفي الوقت نفسه، قال الرقاوي إنّ الناشطين سوف يسعون إلى الحد من المخاطر التي تحمّلها زملائهم الموجودين في تركيا في أعقاب الاغتيالات. “اليوم نريد الانتقال الى مدينة أخرى بعيدة عن الحدود، وسوف نتخّذ اجراءات احترازية اضافية للسلامة تصب في مصلحة الشبان”، قال لـNOW.
متروكون لقدرهم
تتلقى المجموعة مساعدة خارجية ضئيلة في سعيها لتوفير هذه الإجراءات المفترض بأن تكون منقذة للحياة، وفقاً للرقاوي. ولم توفرّ السلطات التركية “ولا أي نوع من الحماية الخاصة” لأعضاء “الرقة تُذبح بصمت”، الذين لم يُعاملوا بشكل مختلف “عن أي سوريين آخرين” موجودين في تركيا، كما قال لـ NOW، مشيراً إلى أنه وحتى بعد الاغتيالات “لم يوفّر لهم شيء”.
وحتى المجتمع الدولي لم يقم بما كان يأمل الرقاوي. وقد علم موقع NOW بأن “الرقّة تُذبح بصمت” تلقّت بعض المساعدة من منظّمات متعددة الجنسيات لتعزيز أمنها، على الرغم من أنّ التفاصيل حسّاسة جداً ولا يمكن نشرها.
“ما أستطيع قوله هو أنّ المنظمات الدولية حاولت جهدها لوضع الناس الذين تعرفهم في تركيا في أماكن أأمن”، قال أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمركز سمير قصير لحرية الإعلام والثقافة (سكايز). إلاّ أنّ الرقاوي قال لـ NOW إنّ المجموعة تستفيد من المزيد من المساعدة، بما فيها أمور لوجستية للخروج من تركيا، وأضاف: “نريد من الاتحاد الأوروبي الاتصال بنا لتوفير المساعدة في الانتقال الى مكان آمن من أجل استكمال عملنا”.
علامات استفهام حول تركيا
من بين الأمور غير الواضحة في المسألة التراجيدية برمّتها هو دور تركيا، البلد الذي شنّ هجمات جوّية على داعش في سوريا ولكنّها لطالما اتُّهِمت بتمكين الجهاديين ضمنياً من عبور حدودها الجنوبية، بالاتجاهين.
وفقاً لتقرير نشرته السبت مؤسسة “عنب بلدي” الإعلامية السورية الموالية للمعارضة، فقد “أكّدت الشرطة التركية تورّط سرور وثلاثة متآمرين معه، كما أكّدت أنّ سرور عاد إلى سوريا في الصباح الذي تلى عملية القتل عبر معبر كيليس الحدودي، الواقع على بعد 200 كلم جنوب غرب أورفا”. ولم يتبيّن كيفية حصولهم على مثل هذه المعلومات الدقيقة بعد أقل من 24 ساعة على وقوع الجريمة.
ومن جهتها، استبعدت مؤسسة “الرقّة تُذبح بصمت” إمكانية تورّط تركيا رسمياً في الجريمة. “أي يد تركية في عملية الاغتيال مستبعدة ومستنكرة تماماً”، قال متحدّث آخر باسم المؤسسة مستخدماً اسماً مستعاراً هو “تيم رمضان”، مضيفاً: “ليس لدينا أي عداوة مع تركيا، عداوتنا هي مع النظام السوري وداعش فقط لا غير”.
غير أنّ مصادر متعددة تأخذ من تركيا مركزاً لها وعلى اطّلاع بالقضية عبّرت عن شكوك معيّنة لـ NOW. “أنا مقتنع بأنّ الأتراك غضّوا الطرف”، قال أحدهم، “الجميع يعلم” بأنّ الحكومة التركية تلعب لعبة مزدوجة فيما خصّ داعش، قال آخر، مضيفاً أنّه مع ذلك يشك بأنهم علموا بأنّ سرور أراد قتل الناشطين.
وفي كلتي الحالين، هناك فريق آخر من الناشطين السوريين تعرّضهم سياسات أنقرة للخطر. فالموجودون داخل الأراضي السورية التي يسيطر عليها داعش (وبينهم عدد من أعضاء “الرقة تُذبح بصمت”)، المعرّضون أصلاً إلى أقسى المخاطر والضغوطات عليهم، يواجهون عائقاً خطيراً إضافياً يتمثّل بقرار تركيا في آذار 2015 بإغلاق الحدود الجنوبية أمام كافة السوريين الذين يحاولون دخول تركيا، وفقاً لـ حايد حايد، المحلل السوري والمساهم في NOW، الذي قال إنّه بالنظر الى عدم الاكتراث الواضح لحال من يعيشون مباشرة تحت حكم داعش الوحشي، من غير المفاجئ بأنّ من يعيشون خارج منطقة الخطر المباشرة متروكون لقدرهم. وختم: “السوريون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها داعش والذين يتواجدون تحت الخطر المباشر متركون لقدرهم، تخيّل إذاً حجم المساعدة التي قد يتلقاها من يعيشون خارج سوريا”.