دان صحافيون أردنيون ولبنانيون جريمة الاغتيال التي طالت الصحافي اللبناني الزميل سمير قصير في انفجار استهدف سيارته صباح أمس أمام منزله في بيروت، واصفينها بـ “الجريمة النكراء بكل المقاييس”.

واعتبر إعلاميون أن وفاة قصير “وصمة عار في جبين مرتكبيها ومحاولة لإسكات القلم الحر الذي يريد للبنان مستقبل آخر”.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني خير الله خير الله، الذي كان في موقع الجريمة لدى اتصال “الغد” أن “حالة من الدهشة والاستياء خيمت أمام منزل قصير وخيم الحزن على وجوه المواطنين”، حيث لقي حتفه صباح أمس، مكيلين بالاتهامات على “الجهات الأمنية السورية واللبنانية”.

وتابع خير الله، الذي كان مع قصير عشية وفاته إلى جانب ثلاثة زملاء يتحدثون في الشأن السياسي، أن “قصير توفي صباح أمس أمام منزله لحظة إدارة محرك سيارته المفخخة في منطقة الأشرفية ببيروت”.

وأعلن نقيب الصحافيين طارق المومني استنكار مجلس النقابة جريمة اغتيال سمير قصير”، معتبرا إياها “استهدافا للصحافة والكلمة الحرة والموقف الجريء”.

ويرى الكاتب عريب الرنتاوي في اغتيال قصير، الذي يندرج في سياق اغتيال رفيق الحريري بحسبه، “محاولة لإسكات الصوت الحر الذي يريد مستقبلا آخر مختلفا للبنان”، معتبرا إياها “وصمة عار في جبين مرتكبيها ومحاولة لإسكات القلم الحر الذي يريد للبنان مستقبلا آخر”.

وقال الرنتاوي في قصير، اللذان قدر لهما الاجتماع مؤخرا في المنتدى الاقتصادي العالمي بالبحر الميت، إنه “صوت جريء وملتزم وعلامة مميزة في المشهد اللبناني بقلمه التواق للحرية”.

واستنكر مركز حماية وحرية الصحافيين جريمة اغتيال الصحافي اللبناني سمير قصير، داعيا الإعلاميين العرب إلى “التحرك السريع والتظاهر، وإعلان الحداد حتى يتم فتح تحقيق مستقل لمحاكمة المسؤولين عن الحادث”.

وطالب المركز في بيانه أمس الإعلاميين اللبنانيين “كسر الصمت ورفع صوتهم عاليا لكي لا يتوهم “الإرهابيون” أنهم قادرون على مصادرة إرادتهم وحريتهم”.

وحذر المركز من مغبة الاستمرار في مسلسل الاغتيالات في لبنان، مؤكدا أن “هذا الإرهاب الدموي سيزيد من صلابة الشعب اللبناني وسيكشف القتلة الذين لا يحتملون الرأي الآخر ولا يقبلون بالحرية”.

واستذكر رئيس تحرير صحيفة البلد اللبنانية بشارة شربل مناقب قصير ممن تربطه وبزوجته علاقة صداقة عائلية، واصفا إياه “بأبرز الصحافيين والكتاب اللبنانيين ممن يتعاطون مع مهنة الصحافة كأداة للانتصار للحق ومن أشرس المطالبين باستقلال وسيادة لبنان”.

وكان قصير ذو الأصول الفلسطينية والذي خلف وراءه ابنتين وزوجته الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري” التي كانت في واشنطن لحظة وفاة زوجها ملبية دعوة لقناة CNN الأميركية”، وفقا لشربل، “عاشق للحياة، ومتنوع الثقافة، ومؤمنا بحرية الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي ومدافعا عن حرية اللبنانيين”.

وقال شربل إن قصير كاتب “ديمقراطية سورية واستقلال لبنان، البحث عن ربيع دمشق”، يعتبر من “القياديين البارزين في حركة اليسار الديمقراطي ولا يتردد عن قول الحقيقة في أصعب الظروف، ولم يكن يعترف بجمهورية الخوف أو النظام الأمني في لبنان ولديه يقين دائم بأن كسر حاجز اللغة هو الرصاصة الأولى في نعش النظام الأمني”.

ووصفت الحركة العربية للتغيير التي يترأسها الدكتور أحمد الطيبي الحادث بأنه جريمة نكراء تستهدف حرية الكلمة والموقف.

وعرف عن قصير في الأوساط الصحافية بمواقفه الحرة والجريئة المنتصرة لاستقلال لبنان والمناهضة للوجود السوري على أراضيه، ونموذجا للصحافي الذي يناضل دفاعا عن مواقفه مهما كان الثمن والتضحيات”.

وحمّل بيير أبي صعب من صحيفة الحياة اللندنية مسؤولية اغتيال قصير إلى الشعب اللبناني غير القادر على الدفاع عن مثقفيه وأصحاب القلم الحر”، مرجعا ذلك لـ “تركيبته الطائفية وعجزه عن حمل مشروع وطني ديمقراطي”.

وتوقع قصير “استمرار مشهد الاغتيالات السياسية طالما انحصر انتماء اللبناني للزعيم أو الطائفة وليس للوطن”.

ولن يكون “شهيد الحلم المستحيل” بحسب أبي صعب، آخر المثقفين اللبنانيين المستهدفين في الاغتيالات”.

وقصير، كاتب مقال في صحيفة النهار وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت، وله مؤلفات عدة حول لبنان والعالم العربي منها، “الحرب في لبنان” و”قصة بيروت” الصادران عام 2003، و “تطلعات إلى المأساة العربية” الصادر عام 2004.

وشهد شهر شباط (فبراير) الماضي وقوف الصحافي سمير قصير أمام آلاف من المعتصمين في ساحة الشهداء ضمن ما سماه اللبنانيون “انتفاضة الاستقلال” حيث كان يقرأ على الجمهور المحتشد بيان المثقفين السوريين المتضامن مع الانتفاضة اللبنانية، محاولا إيصال الصوت السوري الواعي إلى الشبان اللبنانيين، الذين كانوا بحالة من العداء لكل ما هو سوري.

وعام 2000, لاحق الامن العام اللبناني قصير وكان يرأس هذا الجهاز حينها اللواء جميل السيد الذي استقال منذ شهرين بعد انسحاب القوات السورية من لبنان تحت ضغط مطالبة المعارضة باقالته مع باقي رؤساء الاجهزة الامنية.

واقدم الامن العام اللبناني حينها على مصادرة جواز سفر قصير عند وصوله الى مطار بيروت وقال قصير الذي يحمل ايضا الجنسية الفرنسية, ان المخابرات السورية اللبنانية كانت تتعقبه بشكل دائم.

واخذ حينها رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 شباط (فبراير) الماضي, قضية قصير على عاتقه وقدم له الحماية.

وقصير ذات القامة الممشوقة والوجه المبتسم دائما والعينين المتقدتين واللحية الرمادية, تعاون لفترة طويلة ايضا مع صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية الشهرية التحليلية.

كما عمل قصير ايضا باحثا في “المركز الفرنسي للدراسات والابحاث في الشرق الاوسط” حيث نشر اطروحة دكتوراه حول الحرب البنانية.

ويملك قصير دار نشر تحمل اسم “دار الليالي” وله مؤلفات عدة بينها كتاب مرجعي نشره دار “فايار” الفرنسي عام 2003 بعنوان “تاريخ بيروت” كما قدم هذا الكتاب ايضا في السنة نفسها في معرض الكتاب والفركوفونية.

اما اصداره الاخير فهو كتاب بالفرنسية نشره عام 2004 بعنوان “تطلعات الى المأساة العربية”.