تنظيم البث والاستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني المعتمدة من قبل جامعة الدول
العربية، على اعتبار أنه يراد منه فرض قيود على حرية الإعلام، بإتاحته للسلطة
التنفيذية المجال لأن تكون الخصم والحكم في آن واحد.
ويؤكد مراقبون رفضهم التعامل مع مشروع الوثيقة،
الذي" يمكن الحكومات العربية من سحب ترخيص أي محطة وفرض قيودها على الفضائيات
العربية ومراسليها".
ويلفتوا أن مثل هذه المواثيق لا بد وأن تصدر عن
الجسم الإعلامي والصحافي نفسه وليست مفروضة على الإعلاميين من الخارج، مبينين ان
السمة الغالبة عليها أخلاقية وليست قانونية.
وأثار مشروع الوثيقة الذي تم اعتماده في
اجتماعات الدورة الاستثنائية لوزراء الإعلام العرب في القاهرة مؤخرا وتحفظت عليه
دولة قطر، تساؤلات بشأن ما اذا كانت توسع هوامش الحرية أم تفرض مزيدا من القيود
على القنوات التلفزيونية والاذاعية في المنطقة العربية.
ويؤكد نقيب الصحفيين طارق المومني أن مشروع
الوثيقة يتناقض مع التوجهات المعلنة في أكثر من دولة عربية فيما يخص حرية الإعلام
والصحافة.
ويعتقد أن الهدف من الوثيقة هو فرض قيود على
عمل الفضائيات والسيطرة على ما تبثه، مؤكدا أنه من الصعب تطبيق ما ورد فيها سيما
مع ثورة الاتصالات وعصر الإعلام المنفتح.
ويرى أن الأصل أن تصدر هذه الوثائق عن
الفضائيات نفسها وليس عن وزراء الإعلام العرب لأن في ذلك فرض سيطرة حكومية على
الإعلام، وتأثيرا على استقلاليته.
ويشير رئيس مركز حماية وحرية الصحافيين نضال
منصور إلى أن أخطر ما في الوثيقة أنها أعطت للسلطة التنفيذية أن تكون الخصم والحكم
في آن واحد، إذ أتاحت للدول العربية الأعضاء في الوثيقة منع الفضائيات التي تتجاوز
عليها من البث دون العودة إلى القضاء.
ويقول إن الوثيقة تركز على مفاهيم إيجابية كالشفافية
والحريات، إلا أن ذلك يقابله تمرير لمواد تشكل قيدا على حرية الإعلام، كما أنها
تشابه القوانين العربية باستخدام عبارات فضفاضة قد تحتمل أكثر من تفسير وتستغل
للاقتصاص من حرية الصحافة.
ويعتبر
أن الوثيقة دليل واضح على أن الحكومات ما يزال لديها عقلية الوصاية والتفكير
بالنيابة عن الإعلام، داعيا الحكومات أن تترك الإعلام حرا ومستقلا وأن تقتنع بأن
المواطن يملك حرية الاختيار.
وفي الوقت الذي يطالب فيه إعلاميون الجهات
التشريعية في الاردن بعدم اعتماد الوثيقة أو اقتراح آليات لتطبيقها، يؤكد وزير
الدولة لشؤون الإعلام والاتصال ناصر جودة أن مبادئ البث الفضائي جاءت للتنظيم ولا
تمس الحريات الصحافية.
وكان جودة أوضح في تصريحات لوكالة الأنباء
الأردنية أول من أمس أن النصوص التي اشتمل عليها مشروع المبادئ من شأنها احترام
خصوصية وسيادة الدول وقوانينها العربية إضافة إلى ضمان وكفالة الحريات الإعلامية.
ونفى جودة ما تحاول بعض الفضائيات ترويجه من أن
مشروع المبادئ سيقوض الحريات الإعلامية في العالم العربي، وسيحد منها، مؤكدا أنها
وثيقة من شأنها مساعدة الدول على تنظيم عمليات البث من أراضيها في إطار من حرية
الرأي والتعبير مع الحفاظ على التراث والحضارة والقيم والمبادئ العربية.
وأكد أن الأردن متمسك بتعزيز الحريات الإعلامية
والصحافية وحرية الرأي والتعبير.
وتمنى الكاتب الصحافي باسم سكجها أن يكون حال
الوثيقة كحال قرارات جامعة الدول العربية كافة التي لا تجد طريقها إلى حيز النفاذ
والتطبيق.
ويقول "من المؤسف أن يتحول وزراء الإعلام
إلى وزراء داخلية، على اعتبار أنهم حاولوا من خلال الوثيقة فرض قيود على الإعلام".
ويعتقد أن الأردن سيكون الخاسر الأكبر من هكذا
وثيقة، سيما وأن العديد من المحطات الفضائية تبث من الأردن عبر المدينة الإعلامية.
ويقول الصحافي يحيى شقير إن أول ما يلفت النظر
إلى الوثيقة أنها تكرار لمبادئ تضمنتها مواثيق الشرف المهني، سواء ميثاق الشرف
الصحافي العربي الصادر عن اتحاد الصحافيين العرب أو المواثيق الوطنية لبعض الدول
العربية والتي تجمعها نقطتان رئيستان، الأولى أنها تصدر من الإرادة الحرة
للإعلاميين والصحافيين، والثانية أنها ليس لها قيمة قانونية وإنما أخلاقية ومن
يخالفها يتعرض لازدراء الفئة التي ينتمي إليها دون أن يتعرض لعقوبات يفرضها
القانون.
وتختلف الوثيقة المعتمدة من قبل جامعة الدول
العربية عن الوثائق الوطنية في أنها جاءت خارج إرادة الإعلاميين الحرة حيث أقرت
دون التشاور مع الإعلاميين العرب ولم تكن نتاج حوار مع اتحاد الصحافيين العرب،
وفقا لشقير.
إلا أن جودة، الذي ترأس الوفد الأردني خلال
اجتماعات الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء الإعلام العرب التي عقدت في مقر الجامعة
العربية، كان أوضح ان مشروع مبادئ تنظيم البث الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في
المنطقة العربية أعد من قبل خبراء في الإعلام والاتصال كلفتهم الجامعة العربية
لوضع إطار مناسب ينظم عمل البث الفضائي دون المساس بالحريات الصحافية.
وفي مقابل ذلك يرى شقير أنه أريد من الوثيقة
إضفاء صفة قانونية عبر منحها السلطات المختصة بالدولة العضو في الجامعة حق سحب
الترخيص المخالف للمحطة، وإعطائها مشروعية للدول العربية بسحب ترخيص محطات البث
الإذاعي والتلفزيوني استنادا إلى الوثيقة او منع مراسليها من البث من الدول
العربية.
ويشير إلى أن وثيقة المبادئ فرضت تقييدات
باشتمالها عبارات فضفاضة تضيق وتتسع حسب رغبات الحكومة املا من المجالس التشريعية
في الدول العربية أن لا تحوّل الوثيقة إلى قانون.
ويرى شقير أن الهدف من الوثيقة التحكم بالمضمون
الذي تبثه المحطات الفضائية والإذاعية بما يتعارض مع المعايير الدولية لحرية
التعبير وحرية الصحافة والاتفاقيات الدولية والبينية التي صادقت عليها الدول
العربية بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي أكد على حق كل
إنسان في انتقاء المعلومات وتلقيها وبثها دون اعتبار للحدود، إضافة إلى العهد
الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي أصبح جزءا من التشريعات الوطنية في الأردن
بعد المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية العام الماضي.
ويشار الى ان الوثيقة تتكون من 12 بنداً، يؤكد
الأول منها على ان الهدف من الوثيقة هو تنظيم البث وإعادته واستقباله في المنطقة
العربية وكفالة احترام الحق في التعبير عن الرأي وانتشار الثقافة وتفعيل الحوار
الثقافي من خلال البث الفضائي.
ويشار الى ان مجلس وزراء الاعلام العرب كلف
اللجنة الدائمة للإعلام العربى اقتراح آلية تطبيق هذه المبادئ بما في ذلك تشكيل
فريق خبراء ولجان عمل وعقد جلسة استماع مع خبراء وممثلين للقنوات الفضائية العامة
والخاصة ثم رفع الآلية المقترحة الى الدورة العادية الحادية والأربعين لمجلس وزراء
الإعلام العرب المقرر عقدها فى حزيران (يونيو) المقبل.
كما طلب الوزراء من الأمانة العامة للجامعة
العربية تعميم الوثيقة على وزارات الإعلام أو الجهات المعنية بالاعلام في الدول
العربية والاتحادات والهيئات المعنية والعاملة تحت مظلة الجامعة لإعداد مرئياتها
حول آلية التطبيق وعرض هذه المرئيات على اللجنة الدائمة للاعلام العرب