لا أحد يعرف في الأردن بصورة محددة خلفيات المرض المفاجئ الذي أصاب أول محطة تلفزيون خاصة في تاريخ البلاد والتي كان يفترض ان تطل على المواطنين اعتبارا من الأول من شهر آب (اغسطس) الحالي قبل ان تدخل في غيبوبة وحالة فوضي تخللتها إنزالات خلف خطوط شاشة كان يفترض ان تكسر احتكار الشاشة الوحيدة باسم التلفزيون الأردني.
على نحو مفاجئ جمعت إدارة تلفزيون محطة آي.تي.في أمس طاقمها الإعلامي والتقني المميز وقررت تمديد عمر فترة البطالة المرهقة التي يعايشونها عبر منحهم عشرة أيام إجازة مدفوعة الراتب مما قضى علي ما تبقى من آمال الفريق بعد أكثر من عام مضجر انتهى وسط الاستعداد والتهيؤ لإعلان ولادة أول شاشة تمثل استثمارا للقطاع الخاص في تاريخ المملكة.
خلال الأيام العشرة التي سيقضيها الموظفون الذين ملوا الإنتظار ستجري عملية تدقيق حسابات مالية وهي عملية يقال انها بدأت منذ يومين بعد ان ضاع دم المحطة الوليدة بين القبائل دون تحديد هوية من أعاق بثها رغم انها بدأت بالبث التجريبي.
وتقول المعلومات ان إنزالا خلفيا حصل على نحو طارئ وانتهي بانقلاب تام في طبقة المساهمين، حيث اختفى المساهمون الذين أسسوا المحطة او طلب منهم الرحيل وظهر ركاب جدد من المساهمين سيطروا الآن على المؤسسة التي لم تر النور بعد، الأمر الذي يتطلب فيما يبدو إجراءات مالية للإستلام والتسليم تخللتها حتى قبل ان تبدأ اتهامات واتهامات متبادلة.
تلفزيون آي.تي. في او محطة الغد كما تسمي محليا لم تعد ملكا للمساهمين الأصليين والمؤسسين ودخلت طبقة جديدة غير معروفة من المساهمين في نطاق عملية تحول لا أحد يفهمها لا في الأردن ولا خارجه، ولجان التدقيق الأولية تتحدث الآن -كما يتردد- عن تدقيق يحاول البحث عن مبلغ لا يقل عن عشرة ملايين دولار اعتبرت كفاقد او تمثل تكلفة إضافية.
المهم ان هناك مشكلة كبيرة بالمواصفة المالية تطال مؤسسة تغير ملاكها فجأة دون ان يعرف فعلا أبوها الحقيقي فالتكهنات في الشارع الصحافي تتحدث تارة عن مال كويتي وتارة عن مشروع مدعوم أمريكيا وتارة ثالثة عن نوعين من المال لدعم المشروع، الأول استثماري والثاني مال سياسي وتارة رابعة مال لمتنفذين مخفيين لا أحد يعرفهم.
الآن من الواضح ان الشركاء اختلفوا بصرف النظر عن هويتهم والمشروع انتهى او على الأقل اصبح بحاجة لقوة سحرية لإنقاذه وان قوى خفية تدخلت في السياق وغيرت كل شيء ولأسباب غير مفهومة ابتداء من القبطان وحتى المسؤولين في الصف الثاني وكذلك المتفرجين.
ومن الواضح ان المدير العام للمحطة الإعلامي الشاب مهند الخطيب اصبح في مهب الريح في ظل الشائعات التي تتحدث عن الإطاحة به في إطار تداعيات العاصفة التي هبت على المشروع، فأغلب التقديرات تشير إلي ان الخطيب لن يعود مديرا عاما في المشروع، وسيتحول إلى مستشار علما بان لجنة تمثل المساهمين الجدد هي التي تتولى الإدارة الآن وتحول المكان والوسط الصحافي إلى غابة من الصمت والترقب لما وصف دوما بانه أهم استثمار في صناعة الإعلام عايشته الساحة الأردنية منذ نصف قرن.
وبعض المستويات في الدولة لم تكن بطبيعة الحال متحمسة للمشروع وخشيت ان يطيح بتلفزيون الحكومة الوحيد والذي يعرف منذ سنوات حالة من البؤس يجمع عليها المراقبون، وإدارة المحطة التي أطيح بها بانقلاب غير واضح الملامح قالت منذ اسابيع ان الجهاز الحكومي المعني بالمرئي والمسموع هو السبب في تأخير البث، الأمر الذي لا يصدقه الكثيرون علما بان تلفزيون "الغد" الذي اعد العدة للإنطلاق واعدا الأردنيين بشاشة مختلفة هذه المرة خضع للإعاقة ايضا تحت يافطة مهنية وفنية.
ويشعر المعنيون بأن الحكومة لم تكن راغبة اصلا في ولادة الشاشة الخاصة خلال الإنتخابات البلدية وذلك سبب قد يعطل المشروع مؤقتا دون ان يوقفه تماما كما يحصل الآن، حيث تم رصد انقلاب كلي وشامل في المحطة شمل الإدارة والمساهمين وقد يشمل لاحقا المهنيين بعد ان دخل متنفذون لا تتردد اسماؤهم كثيرا على الخط وأطاحوا بحلم قطاع واسع من الأردنيين بمشاهدة شاشة محلية تتحدث فعلا باسم الناس وليس باسم الحكومة فقط.
مشروع تلفزيون "الغد" يمر بأزمة حقيقية الآن والخبراء يقولون ان الهدف الأساسي للمشروع انتهى وان الإنقلاب الحاصل في المساهمين سيغير الملامح والخطاب لكن في الطريق ضربت على نحو او آخر كل الآمال الممكنة في رؤية مشاريع إعلام مستقلة فعلا في الواقع الأردني، فيما حصل ذلك وسط تراجعات واضحة على صعيد تشريعات وانظمة الحريات الإعلامية.