نشر الناشط جويل كمبانا منسق برامج متقدم في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للجنة حماية الصحافيين في نيويورك، مقالاً في صحيفة “القدس العربي” الصادرة في لندن وذلك حول أوضاع الصحافيين المستقلين في تونس، ورد نصها كالتالي:
خلال الشهر الماضي، وجه الكاتب محمد كريشان على صفحات هذه الجريدة، انتقادات لوسائل الإعلام التونسية، لامتناعها عن تغطية قرار الحكومة بتوجيه دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، آرييل شارون، لحضور اجتماع القمة حول تكنولوجيا المعلومات الذي سيعقد في تونس في أواخر هذا العام. وكما هو متوقع، سارعت الصحف التونسية إلي شن وابل من الهجمات الشخصية ضد السيد كريشان، الصوت المستقل والحائز علي الاحترام في أوساط الصحافة العربية.
لقد داومت الصحف التونسية الخاصة منذ سنوات، علي إثارة حملات التشهير ضد شخصيات المعارضة السياسية، ونشطاء حقوق الإنسان، والصحافيين الذين يعارضون الحكومة علناً، ووصمتهم بشتي أنواع النعوت مهووسين جنسياً، وخونة، وعملاء لجهات أجنبية.
هذه الهجمات تثير الامتعاض بصفة خاصة، نظراً للوضع المزري الذي يعاني منه الإعلام التونسي. فقد ضيّقت السلطات علي الإعلام التونسي وحاصرته إلي ان أفقدته الحياة، وذلك من خلال ممارسة رقابة قاسية وجائرة وأشكال عديدة من الترهيب والتهديد. ولتوضيح ذلك، ما علي المرء سوي أن يسأل الصحافيين التونسيين المستقلين مثل سهام بنسدرين وتوفيق بن بريك وآخرين، الذين ظلوا يتعرضون بصفة منتظمة للمراقبة والمضايقات، وحتي الهجمات العنيفة علي يد الشرطة السرية. لقد أصبح الصحافيون التونسيون مذعنين تماماً لرغبات الدولة، إذ تجد كتاب الأعمدة يهاجمون ناقدي الحكومة بينما يواصلون الصمت عن القضايا اليومية المهمة، ولا ينفكون عن تذكير القراء بإنجازات النظام.
إن الهجمات الإعلامية ضد الكاتب محمد كريشان والكتاب الآخرين، هي أعراض لخلل واسع يعاني منه الإعلام العربي. فقد زرعت الحكومات في شتي أنحاء المنطقة مناخاً يرهب الصحافيين المستقلين، من خلال الملاحقات الجنائية في ظل القوانين الصارمة للصحافة، ومن خلال الرقابة، والفصل من العمل، وتوعّد الأجهزة الأمنية. وتعمل هذه التهديدات علي ردع أي تناول جدي للقضايا المهمة، وتغرس مناخاً من الخوف والخضوع، لينتهي الأمر بالصحف أن تهاجم معارضي الحكومة وتقدم تغطية براقة لأعمال القادة.
تتميز تونس بأحد أسوأ سجلات الاعتداء علي حرية الصحافة في المنطقة ـ ولكنها ليست بأي حال الوحيدة في هذا المضمار. فلننظر علي سبيل المثال إلي حالة المغرب المجاورة لتونس، حيث تتمتع الصحافة باستقلال أوسع كثيراً مما عليه الحال في تونس، ومع ذلك، تعرض الصحافي علي المرابط للسجن، كما أغلقت السلطات الصحيفتين اللتين كان يشرف علي نشرهما، لأنه تطرّق إلي مواضيع سياسية محرمة، كموضوع النظام الملكي. ومؤخراً، كان علي المرابط هدفاً لهجمات شديدة من قبل الصحف المؤيدة للحكومة التي اتهمته بالخيانة. وفي الأسبوع الماضي فقط، أصدرت محكمة مغربية حكماً يحظر عليه مزاولة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات، بسبب مقال كتبه يخالف فيه الموقف الرسمي حول النزاع في الصحراء الغربية.
ومن حسن الطالع أن هناك صحافيين كعلي المرابط علي استعداد لتحمل المخاطر والتصدي للضغط الرسمي وحملات التشهير الشخصية. وهناك أيضاً مجموعات صغيرة من الصحافيين المستقلين تنتشر من الجزائر إلي اليمن، يدفعون بهامش الحرية في وسائل الإعلام المحلية، وفي القنوات التلفزيونية الفضائية، وفي الإنترنت، وعادة ما يكون ذلك بتحمل مخاطر شخصية. مع وجود عدد متنام من النشطاء المدافعين عن حرية الصحافة ومن مجموعات حقوق الإنسان الذين يقدمون الدعم لزملائهم المحاصرين.
وفي النهاية، فإن تعاظم حرية الصحافة يسير يداً بيد مع الإصلاح الحقيقي، وإذا كانت الحكومات جادة في أن تبرهن ادعاءاتها حول حرية الصحافة بالأفعال، فعليها اتخاذ خطوات حقيقية لإلغاء القوانين القمعية للصحافة، وكف أيدي الأجهزة الأمنية عن الإعلام، والسماح للمنظمات الإخبارية المستقلة بأن تزدهر.
وحتي يتحقق ذلك، سيواصل أصحاب الأصوات المستقلة الذين يجابهون الأخطار، مثل علي المرابط ومحمد كريشان وآخرون، لعب دور جوهري في وضع أسس الإعلام المستقبلي الحر. ولذلك ينبغي الإشادة بعملهم.