عرف اجتماع لجنة الخارجية والدفاع الوطني في مجلس النواب المغربي، عقد مساء أول من أمس الثلاثاء 21/6/2005، نقاشا ساخنا بين نبيل بن عبد الله، وزير الاتصال (الاعلام) المغربي ومجموعة من النواب ممثلي فرق من الغالبية والمعارضة على السواء، حول السياسة الاعلامية التي تنهجها الحكومة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وكيفية تناول القضايا التي يعيشها المجتمع المغربي، ومعالجة دور الأحزاب السياسية عبر الطريقة التي تتم بها تغطية أنشطتها.
وقالت النائبة بشري الخياري عن المجموعة النيابية لجبهة القوى الديمقراطية (معارضة)، بغضب شديد، إنها مستاءة من الطريقة التي تتعامل بها القناتان التلفزيونيتان المغربيتان مع أنشطة الحزب، واصفة ذلك بالإقصاء الممنهج، منذ مجيء حكومة إدريس جطو، رئيس الوزراء عام 2002، توج بما أسمته «المعاملة السيئة والرديئة» مع المؤتمر العام للحزب المنعقد أخيرا.
واعتبرت الخياري أن الحكومة المغربية تتعامل بطريقة غير مسؤولة مع أنشطة بعض الأحزاب، كما تقصي وجوها من المرور عبر القناتين، لصالح وجوه، أضحت تحتل الشاشتين، وتتحدث في جميع المواضيع وهي بذلك تضرب الديمقراطية في الصميم ـ على حد تعبيرها ـ لكون الديمقراطية ترتكز على غالبية منسجمة وأقلية معارضة قوية، وإضعاف أحد الطرفين يخل بموازين القوى ويكرس الفكرة الخاطئة التي يروجها البعض حول وجود الفراغ السياسي.
ومن جهتها لاحظت النائبة مليكة العاصمي عن فريق حزب الاستقلال (غالبية حكومية) وجود رأي سياسي معين يحتل شاشة القناتين، كما أن برنامجا واحدا، لم تسمه، يدعو نفس الوجوه السياسية، وهذا في حد ذاته ضد التوجه الديمقراطي للبلاد.
وأكدت العاصمي أن حزب الاستقلال أحس، بحرج شديد، حينما تمت استضافة قياديين في الحزب تباعا على القناتين، وهما سعد العلمي، وزير العلاقات مع البرلمان في القناة الأولى يوم الثلاثاء، وعباس الفاسي وزير الدولة في القناة الثانية يوم الأربعاء، متسائلة عن غياب التنسيق بين القناتين رغم كونهما يمثلان مرفقا عموميا، بيد أنها أشارت الى أهمية بعض البرامج التي تعنى باكتشاف المواهب الخلاقة والمبدعة، وضرورة تعميم ذلك على مجالات أخرى.
وانتقدت النائبة لطيفة بناني سميرس، من فريق حزب الاستقلال (غالبية حكومية) بحدة مضامين البرامج المقدمة في القناتين، سواء المرتبطة بالفن أو السياسة، أو المتعلقة بوصلات الإشهار (الاعلان)، واصفة ذلك بتكريس قيم الانحطاط والذوق الرديء، بدل العمل على تربية المواطن على الحس السليم من خلال مضامين تلك البرامج، وذلك قصد خلق مجتمع متوازن في مقوماته الفكرية. وقدمت بناني، أمثلة من السهرات الفنية ليوم السبت بالقناتين، وكذا برنامج سياسي «مباشرة لكم» اتهمت فيه معده بتبخيس دور الأحزاب في التأطير السياسي بالمحافظات الصحراوية، من خلال الطريقة التي بث فيها الإعلان عن البرنامج، وأكدت أن الوصلات الإشهارية (الاعلانية) تقدم صورة بليدة عن المرأة المغربية، وتظهرها بطريقة إنسان ذي دور ثانوي في الحياة.
وأكدت فطوم قدامة عن فريق حزب الاتحاد الاشتراكي (غالبية حكومية) أن توقيع 22 برلمانية على رسالة احتجاجية موجهة لوزير الإعلام، كان الهدف منه معرفة المسؤول عن الأخطاء الاعلامية المرتكبة في حق البرلمانيات بإقصائهن من المشاركة السياسية عبر وسائل الاعلام. ودعت قدامة الى ضرورة تصنيف وترتيب الأخطاء، لوجود الخطأ البسيط الذي يسمح فيه بالاعتذار من لدن مرتكبه وقبوله من طرف المتضرر، والخطأ الجسيم الذي لا يغتفر.
واتهمت قدامة ما أسمته “أجهزة أخرى” لم تذكر اسمها، تتدخل في الاعلام وترتكب أخطاء مقصودة ولا يبالي مرتكبوها بالنتائج السلبية التي قد تنتج عن تلك الأخطاء الجسيمة، بل لا تتدارك الأمر بالسرعة المطلوبة، منتقدة التركيز في المشهد الاعلامي على بعض الوجوه في جميع الميادين دون أخرى، ما يؤثر سلبا على الطاقات التي تزخر بها البلاد.
وطالبت النائبة زهرة الشكاف عن فريق اتحاد الحركات الشعبية (غالبية حكومية) بتطبيق الميثاق الوطني، الذي وقع أخيرا في مقر البرلمان مع مهنيي قطاع الاشهار (الاعلان)، لتحسين صورة المرأة في الإعلام، لتضمينه كيفية التعامل مع صورة المرأة في الوصلات الاعلانية.
ودافع نبيل بن عبد الله، وزير الاتصال (الإعلام) عن سياسة الحكومة في مجال الاعلام، قائلا إنه أوفى بجميع الوعود شخصيا مستندا إلى فصول قانون المرئي والمسموع الذي رفع احتكار الدولة عن الاعلام العمومي وفرض دفتر شروط على القناتين، وتحويل الإذاعة والتلفزيون المغربيين الى شركة، وإجراء انتخابات لمشاركة المستخدمين (الموظفين) في المجلس الإداري، ووضع معايير لضم الانتاج المغربي في شبكة البرامج التي ستعتمدها القنوات الخاصة، وإحداث القناة الرابعة التربوية، والقناة المغربية الفضائية، وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، والقناة الجهوية لمدينة العيون، التي اعتبرها رائدة في تناول القضايا المعروضة على أنظار الرأي العام الوطني ومحيطه الاقليمي، مشيرا الى أن سياسة الحكومة المغربية قطعت نهائيا مع كل أشكال التنميط الخشبي في تناول القضايا، حتى الساخنة منها، كما كان يعمل به سابقا، احتراما لشعور المواطنين ونقل الحقائق كما هي. وأعلن بن عبد الله عن قرب اعتماد شبكة البث الرقمي، واطلاق الفضائية الرقمية عند نهاية العام الجاري، وهو ما يعرف بالتلفزيون الرقمي الأرضي (ت ن ت)، وإحداث الإذاعة الجهوية العاشرة تهم منطقة مكناس ـ تافيلالت (وسط المغرب)، وتهييء كل الوسائل التقنية والبشرية لاطلاق القناة البرلمانية. وأكد بن عبد الله أن الأخطاء التي ارتكبت في حق بعض الاتجاهات السياسية لم تكن مقصودة وممنهجة، وقدم بشأنها اعتذارا، مقترحا عقد يوم دراسي حول اشكالية الانتاج المغربي خلال شهر سبتمبر (ايلول) المقبل.
وأوضح بن عبد الله أن وسائل الإعلام العمومية تحرص بشكل شامل على احترام التعددية الفكرية والسياسية لكل من هو حاصل على الشرعية القانونية، مبرزا أن الإشكالية تكمن في غياب معايير دقيقة لكي تعبر مختلف التيارات السياسية على قدم المساواة عبر وسائل الإعلام العمومية.
وقال بن عبد الله إن الهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع، طبقا للقانون المنظم لها، هي الموكول لها تحديد تلك المعايير، ولو كان القانون قد تحدث عن مسؤولية وزارة الاعلام لما تأخرت في الاعلان عن ذلك، موضحا أن حصيلة الوزارة بالنظر الى المدة القصيرة استطاعت إنجاز ما وعدت به، ولم تتأخر بالمطلق عن تنفيذ بنود القوانين المصادق عيلها في البرلمان، وعرض بن عبد الله على النواب دراسة الكيفية التي يريدون بها تغطية أشغال البرلمان.
وقال الوزير المغربي إن وسائل الاعلام العمومية ستسعى الى إبراز مجهودات النساء المغربيات في جميع الميادين، رغم حضورهن اليومي في شبكة البرامج المعدة، طالبا من النواب قضاء يوم واحد بمقر القناتين للاطلاع على الامكانات المحدودة التي تشتغل بها أطقم التلفزيونين، سواء الفني أو الصحافي.