أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرها النوعي المعنون “صحفيو مصر… أقلام مكبلة ومحاكمات مستمرة وتحرش جنسي” وذلك دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير عامة وحرية الصحفيين خاصة.
ويأتي صدور التقرير- الذي يقع في خمسة وثلاثين صفحة – في أعقاب الانتهاكات الجمة التي تعرض لها الصحفيون والصحفيات على أيدي قوات الأمن أثناء تغطية مظاهرات المقاطعة للاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور، وتمثلت تلك الانتهاكات في التحرش الجنسي بالصحفيات والاعتداء على الصحفيين تحت سمع وبصر قوات الأمن.
ويعتمد التقرير في مادته على نتائج بعثتي تقصي الحقائق التي أوفدتها المنظمة لمتابعة أحداث مظاهرتي حركة كفاية، وقد استمتعت البعثتين لشهادات الضحايا أنفسهم من الصحفيات والصحفيين وكذلك شهود العيان، وأيضاً على نتائج متابعة وحدة العمل الميداني بالمنظمة لتحقيقات النيابة العامة مع الصحفيين والمحاكمات التي أجريت لهم.
وجاء تقرير “صحفيو مصر … أقلام مكبلة ومحاكمات مستمرة وتحرش جنسي” متضمناً النقاط التالية:
أولاً : سوء معاملة الصحفيين والاعتداء عليهم
ويتضمن وقائع الاعتداء التي رصدتها المنظمة المصرية على الصحفيين والصحفيات أثناء تغطية المظاهرات المقاطعة للاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور والتي نظمتها حركة كفاية أمام نقابتي الصحفيين والمحامين وضريح سعد زعلول يوم 25/5/2005، وما تعرضت له بعض الصحفيات من تحرش جنسي على أيدي السيدات اللاتي أستأجرهن الحزب الوطني أمثال عبير العسكري و شيماء أبو الخير وغيرهن، كما تعرضن فيما بعد لتهديدات مباشرة لهم ولأسرهم وتهديدهم بتلفيق قضايا لهم أو اعتقال لذويهم أو طردهم من عملهم، وجاءت تلك التهديدات في أعقاب تقدمهن ببلاغات للنائب العام.
كما تتضمن هذه الجزئية وقائع الاعتداء على صحفيين أثناء تأدية أعمالهم أو لأسباب تتعلق بتأدية أعمالهم خلال عام 2004 ، مثلما هو الحال مع الأستاذ عبد الحليم قنديل مدير التحرير التنفيذي لجريدة العربي الذي تعرض للاختطاف والاعتداء عليه بالضرب لأسباب تتعلق بكتاباته الصحفية، وفقاً لما صرح به قنديل في تحقيقات النيابة العامة.
وتأتي تلك الانتهاكات برغم نص المادة (6) من قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 على أن “الصحفيين مستقلون لا سلطان عليهم في أداء عملهم لغير القانون ” .أما المادة (7) من ذات القانون فنصت على ” لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سبباً للمساس بأمنه كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته وذلك كله في حدود القانون.”
وبحسب التقرير فليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الصحفيين للاعتداء بالضرب والتهديد بالقتل، ففي أغسطس 1995 تعرض الكاتب الصحفي جمال بدوي رئيس تحرير صحيفة الوفد آنذاك للضرب المبرح من قبل عشرة أشخاص مجهولين الهوية ، كما تعرض الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس لاعتداء مماثل في 21 يونيو 1995 ، بعد إعلان موقفهما المعارض للقانون رقم 93 لسنة 1995 ، وقد سبق ذلك ، محاولات أخرى للتحرش بالصحفيين المعارضين منذ عام 1988، و من أبرزهم المرحوم مصطفى شردي، وأيمن نور الصحفي بالوفد آنذاك، وعبد العظيم مناف رئيس تحرير صحيفة صوت العرب آنذاك .
ثانياً : صحفيون أمام النيابة
ويتضمن بعض حالات استدعاء الصحفيين أمام النيابة العامة للتحقيق معهم بسبب كتاباتهم أمثال عادل حمودة وكرم جبر ومحمد عبد اللطيف، وتعتبر ظاهرة التحقيق أمام النيابة العامة المرحلة الأولى لبدء المحاكمة الجنائية و التي تختتم بالسجن عادة، و برغم أن تلك التحقيقات لا يعقبها صدور أمر بالحبس الاحتياطي مثلما كان يحدث بالماضي _ حيث حظر القانون رقم 96 لسنة 1996 الحبس الاحتياطي للصحفيين في قضايا النشر فيما عدا جريمة إهانة رئيس الجمهورية _ إلا ان تلك التحقيقات تعد إحدى آليات ترويع الصحفيين و إرهابهم.
ثالثاً : صحفيون في قفص الاتهام
ويتناول أهم القضايا التي اتهم فيها صحفيين بسبب كتاباتهم ولا تزال تلك القضايا منظورة أمام المحاكم أوصدر بها أحكاماً بالبراءة، ومن أمثلة تلك القضايا قضية الأستاذ مجدي حسين رئيس تحرير جريده الشعب والتي تصدر على شبكة الانترنت والتي ظلت متداولة في المحاكم منذ فبراير 2004م حتى 7/4/2005 حيث أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما ببراءته و ذلك في القضية التي اتهمه فيها د / يوسف والي وزير الزراعة الأسبق بالسب و القذف.
رابعاً : أقلام خلف القضبان
أحمد عز الدين, شقيق الطاهر, فايز زيدان و عبد الناصر علي، جميع هؤلاء الصحفيون وغيرهم صدرت بحقهم أحكاماً بالحبس تصل إلى عامين وبغرامة مالية وصلت أقصاها إلى 20 ألف جنيهاً.
وإذ تؤكد المنظمة المصرية في ختام تقريرها أنه في ضوء الانتهاكات العديدة التي يتعرضون لها الصحفيون في مصر بدءاً من التعسف في القوانين المنظمة لحرية الصحافة وأحوال الصحفيين مروراً بالملاحقات القضائية لهم بسبب كتاباتهم وآرائهم الناقدة للبعض، وانتهاءاً بالتعدي عليهم بالضرب وتهديدهم بالقتل، وأخيراً التحرش الجنسي بالصحفيات، فأنها تطالب بالآتي :
1-مطالبة كلاً من السيد المستشار النائب العام والسيد وزير الداخلية بإعلان نتائج التحقيقات في وقائع التحرش الجنسي والاعتداء على الصحفيين للرأي العام، وتقديم من يثبت التحقيق إدانتهم في الأحداث إلى المحاكم الجنائية فوراً، واتخاذ إجراءات عاجلة وعقوبات رادعة للحيلولة دون تكرار مثل تلك الأفعال من قبل قوات الأمن، واتخاذ الإجراءات الكفيلة لضمان سلامة وحياة الصحفيين ضد القمع أو القتل أو الاعتقال أو المراقبة أو التعرض التعسفي لهم .
كما تعرب المنظمة عن بالغ قلقها إزاء وقائع التحرش الجنسي بالصحفيات وكذلك الاعتداء على الأستاذ عبد الحليم قنديل مطالبة بإعلان نتائج التحقيق في تلك الواقعة والكشف عن هوية مرتكبيها وكان محامو المنظمة قد صاحبوا قنديل أثناء سماع أقواله أمام النيابة العامة.
2-مناشدة السلطة التشريعية بالعمل على تنفيذ قرار الرئيس مبارك بإلغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر واستبدالها بنصوص تفرض عقوبات مدنية بديلة عن العقوبات السالبة للحرية في تلك الجرائم، والاكتفاء بعقوبات الغرامة مع وضع حد أقصي لتلك الغرامات ولاسيما وأن للمتضرر من النشر حق الرد بذات الجريدة والادعاء مدنياً لطلب التعويض المناسب أمام المحكمة المدنية، إذ ثبت مخالفة الصحفي لميثاق الشرف الصحفي.
3-الكشف عن مكان اختفاء الصحفي رضا هلال الذي كان يعمل نائباً لرئيس تحرير صحيفة الأهرام، وإعلان نتائج التحقيق في واقعة الاختفاء للرأي العام، وكانت أسرة هلال قد تقدمت ببلاغ عن اختفائه يوم الاثنين الموافق 11 أغسطس 2003 إلى قسم السيدة زينب، بعد تأكده من عدم وجوده في شقته التي كان يقيم فيها بمفرده.
4-إنهاء حالة الطوارئ التي تعتبر إحدى أهم الأسباب انتهاك حرية الرأي والتعبير، فمن خلال قانون الطوارئ يحق للسلطة التنفيذية أن تتخذ ما يحلو لها من إجراءات تعسفية، ولعل ما يجعل الأمر أكثر سوء هو أن م 48 من الدستور أجازت متى أعلنت حالة الطوارئ فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات بل قد خولت للسلطة التنفيذية حق مصادرة المطبوعات والصحف وإغلاقها وإن حددت هذه المكنة بالأحوال التي تتصل بالأمن العام، إلا أن قانون الطوارئ الحالي قد توسع في مادته الثالثة وأباح للسلطة التنفيذية حق المصادرة والمنع والإغلاق وحرر تلك السلطة من القيد الدستوري. هذا بخلاف ما يتيحه قانون الطوارئ من مكنه القبض العشوائي والاحتجاز والاعتقال.
5-إجراء تعديلات على نص المادة 47 من الدستور، حيث أنه يعاب عليها تركها لمسألة تنظيم حرية الرأي والتعبير للمشرع العادي دون أن يضع ضوابط لهذا المشرع، مما أدى إلى صدور العديد من التشريعات التي لم تنظم سبل التمتع بتلك الحرية، إنما هدفت تلك التشريعات إلى وأد حرية الرأي والتعبير من خلال حظرها لكافة صور التعبير عن الرأي م 171 من قانون العقوبات.
كذلك يجب النظر إلى أوجه النقد التي وجهها الفقه القانوني لنص المادة 206 من الدستور التي اعتبرت الصحافة سلطة رابعة في حين لم يوفر لها الاستقلالية الكافية والسيادة والصلاحيات التي توازى هذه الصفة بل اعتبارها سلطة رابعة يعد سبباً مباشراً لتدخل باقي السلطات في شئونها.
6- إلغاء أو تحديد تحفظات مصر على المواثيق الدولية ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير، حيث أن ترك تلك التحفظات على عمومها يؤدى إلى إمكانية مخالفة تلك المواثيق من خلال التشريعات الوطنية.