حبر-
بات من المتوقع أن يصدر أي مدعٍ عام أو قاضٍ قرارًا بمنع النشر في القضية التي ينظر فيها إن كانت قضية رأي عام أو يتوقع أن تتحول لقضية رأي عام. هذا ما حدث عمليًا خلال العامين الماضيين؛ إذ تم منع نشر أو تداول المعلومات في 13 قضية شغلت الرأي العام وتفاعل معها الإعلام منذ بداية 2014، وهي الخطوة التي كانت تقريبًا توقف النقاش نهائيًا بتلك القضايا إعلاميًا وشعبيًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
منع أو حظر النشر هو إجراء قانوني بحكم قانون انتهاك حرمة المحاكم وقانون المطبوعات والنشر، إلا أن بعض الأصوات الحقوقية ترى أن التوسع في استخدامه في الفترة الأخيرة تضييقٌ على حرية الإعلام وحرية الصحفيين، وصل إلى حد حبس الصحفي في صحيفة الرأي، غازي المرايات، بعد «عدم التزامه بقرار عدم النشر في القضية التي اتهم فيها عراقي بالتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية بالأردن لحساب إيران».
أوّل قضايا منع النشر منذ بداية عام 2014 كانت قضية مقتل الطالبة في جامعة آل البيت نور العوضات في مجمع الباصات في مدينة الزرقاء، والتي أثارت جدلًا واسعًا حول ظروف مقتلها وأسبابه، وحظيت باهتمام إعلامي وشعبي واسع قبل أن يصدر قرارٌ بمنع النشر بقضيتها التي انتهت بصدور حكم إعدام بحق الجاني نهاية عام 2015.
وبعد قضية العوضات، تتابعت قرارات منع النشر، فبحسب رصد أجرته حبر، مُنع خلال العام 2014 النشر في أربع قضايا أخرى، كان معظمها قضايا جنائية وجزائية، وأبرزها قضية مقتل الفنان والإعلامي مازن دياب في ظروف غامضة، ثم وفاة الطفل عز الدين العويوي ووالدته سيرين في منتجع «هوليدي إن» في البحر الميت، وهي القضية التي أشاد مرصد مصداقية الإعلام الأردني في حينها بالتغطية الإعلامية التي حصلت عليها وكيف استطاع الإعلام تحويل القضية إلى قضية رأي عام مع تأكيده أن بعض وسائل الإعلام «تسرّعت في إصدار حكمها عن أسباب الوفاة».
وفي نهاية العام 2014، وصل تفاعل الرأي العام مع الأخبار إلى أقصاه حين أسرت «داعش» الطيار الأردني معاذ الكساسبة بعد دخول الأردن بالتحالف الدولي لمحاربة التنظيم. إلا أن النائب العام سرعان ما حظر نشر أي معلومات حول الكساسبة إن كانت صورًا أو أخبارًا مصدرها «داعش»، ولم يكتفِ بذلك إنما حظر أيضًا أي تحليلات عسكرية عن القوات المسلحة الأردنية، وهذا ما دفع وسائل الإعلام إلى الاعتماد على التصريحات الحكومية لمتابعة قضية الكساسبة، إلا أن ذلك لم يمنع تناقل فيديو مقتل الكساسبة بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
عام 2015 شهد أيضًا منع النشر في عددٍ من القضايا كان من بينها قضية ما عرف إعلاميًا بقضية «عنصر فيلق القدس»، بالاضافة إلى قضية وفاة جمانة وثريا السلطي. ومع أن العام 2015 لم يشهد منع النشر إلا في ثلاث قضايا، إلا أن العام الحالي 2016 شهد حتى الآن منع النشر في خمس قضايا، أبرزها قضية القبض على خلية إرهابية في إربد بداية العام، والهجوم على مكتب المخابرات العامة في البقعة، وآخرها قضية الكاتب ناهض حتر.
الجدول أدناه يجمع القضايا الثلاثة عشر التي شملها رصد حبر، وتواريخ صدور قرارات منع النشر فيها.
لمزيد من التفاصيل حول هذه القضايا، اضغط/ي هنا.
أمجد القاضي، مدير هيئة الإعلام الأردنية المسؤولة عن إبلاغ المؤسسات الإعلامية بقرارات منع النشر الصادرة عن المؤسسات القضائية أو التي تتخذها هي أحيانًا بحكم صلاحياتها، يرى أن «منع أو حظر النشر في القضايا المنظورة في أمام القضاء هو خطوة استباقية يقصد فيها حماية المجتمع من الإشاعات».
يقول القاضي «هناك مبالغة في التهويل من ازدياد حظر النشر في القضايا التي تهم الرأي العام مؤخرًا. كل ما حظر نشر المعلومات حوله هي قضايا كان من الممكن أن تأخذ منحىً سلبيًا وتؤثر بشكل سلبي على أصحابها وعلى الرأي العام».
ويرى القاضي أن المعالجات الإعلامية غير الدقيقة لبعض المواضيع ساهمت في زيادة حظر النشر المواضيع التي تحظى باهتمام واسع من الرأي العام. «نحن لا نفضل أو نريد منع النشر، لكن بعض التجاوزات في تغطية هذه المواضيع إعلاميًا تدعونا أحيانًا لذلك».
يتابع «على سبيل المثال منعنا النشر في قضية ناهض حتر لأن الموضوع أخذ بعدًا مذهبيًا»، وحول إن كان منع النشر يعتبر تضييقًا على حرية الإعلام والتعبير، يقول: «هذا غير صحيح، ومن يقول هذا هي جهات لها ارتباطات خارجية ولا يهمها المجتمع».
المحامية والمستشارة القانونية هالة عاهد ترى عمليًا أن منع النشر يجب أن لا يكون إجراءً استباقيًا لأن الأصل بأن تكون المحاكمات علنية وليس العكس، وإن كانت تتفهم ذلك في بعض القضايا وخاصة في مرحلة التحقيق الأوّلية.
تقول «قانون أصول المحاكمات الجزائية ينص على علنية المحاكمات الذي يعتبر ضمانه لمسار المحاكمة وحماية جميع أطرافها، إلا في بعض القضايا كقضايا الأسرة والاحداث التي ينص قانونها على عدم علنية المحاكمات، لكن في غير ذلك لا يوجد ما يبرر منع النشر».
وعن سلوك «حظر النشر» مؤخرًا، تقول: «هناك مبالغة كبيرة، لا يجب أن يستخدم منع النشر كخطوة استباقية وفي ذات الوقت وفي بعض القضايا لم يكن لها أي مبرر كقضية حتر التي لا أرى أن فيها أم مبرر لمنع النشر، بات هناك استسهال لمنع نشر المعلومات حول القضايا في الفترة الأخيرة».
وترى عاهد أن ذلك مرتبط بالتراجع العام في الحريات في البلاد بالفترة الأخيرة. «أخشى أن يكون هذا التصاعد في منع النشر والتضييق على حرية الإعلام بالوصول إلى المعلومات جزءًا من عملية تكميم الأفواه التي تشهدها البلاد والتضييق على حرية التعبير. لا يجب علينا أن نحدد بماذا سوف يتحدث الناس».
«الأهم هو عدم إطلاق اليد لمنع النشر، يجب أن يكون محددًا أكثر، ويجب أن تحدد الوسائل التي يمنع من خلالها، وأيضًا يجب أن تحدد المدى التي يجب أن يكون فيها النشر ممنوعًا!»، تقول عاهد.
وترد عاهد على التخوف من التجاوزات الإعلامية في متابعة قضايا الرأي العام بالقول: «هناك قانون يحكم المشهد الإعلامي في الأردن، لا يجب أن نعاقب الجميع على بعض الاخطاء الفردية».
الرئيس التنفيذي لمركز حرية وحماية الصحفيين نضال منصور عبّر عن احترامه لسلطة القضاء، لكنه يرى أن «التوسع في استخدام بعض النصوص القانونية يشكل تعديًا على حرية الإعلام».
«المنع يجب أن يحصر في عدم نشر محاضر التحقيق، لكن بعدها لا يوجد ما يمنع نشر معلومات عن قضية منظورة أمام القضاء. هذا لا يؤثر على مسار القضية، التي يجب أن لا تؤثر ردود الفعل المجتمعي عليها»، يقول منصور.
فوق ذلك، يرى منصور أن منع النشر غير مجدٍ مع تواجد مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت منصات موازية للمواقع الإعلامية في نشر الأخبار. «هل تستطيع أن تسيطر الآن على السوشيال ميديا. وإن افترضنا أن هناك قانونًا يتيح لك معاقبة مستخدميها، لكن هل تستطيع أن تتحكم بما سيقوله كل من سيتخدمها؟» يتساءل منصور.
وفي ذات السياق يروي منصور قصته مع أحد القضاء بالقول: «أحد القضاء قال لي أكثر من مرة إنه يفضل أن يكون الإعلام متواجدًا في القضايا التي ينظر فيها، لماذا؟ لأن ذلك سيعطيه حصانة ويؤكد للجميع المسار التي سارت فيه القضية».
«الحريات الصحفية في البلاد تراجعت. نعم، الانتهاكات بحق الصحفيين قلت كميًا. لكن الانتهاكات الجسيمة توسعت، ومنع النشر إحداها»، يقول منصور.