حكم قاض امريكي بالسجن على الصحافية جوديث ميللر, العاملة في صحيفة “نيويورك تايمز”, لرفضها التعاون مع المحققين الفيديراليين الذين يحققون من أجل تبين المصدر الحكومي الرفيع المستوى في إدارة الرئيس جورج بوش, الذي كشف عن اسم عميلة سرية كانت تعمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية في دولة أجنبية في ذلك الوقت.
يُذكر أن 18 صحافيا امريكيا دخلوا السجن في السنوات العشرين الماضية, بسبب رفضهم الكشف عن أسماء مصادرهم الحكومية في قضايا أجريت فيها تحقيقات خاصة لمعرفة المصدر المسؤول عن تسريب معلومات حكومية سرية, لكن غالبية هذه القضايا كانت ذات طبيعة محلية تتعلق في غالب الأحيان باتصالات بين مدع عام وصحافي حول قضية جنائية مهمة في واحدة من الولايات الامريكية.
لكن هذه القضية تركزت حول تبرير بوش لجر الولايات المتحدة إلى حرب في بلد أجنبي, العراق, كما تتعلق بسمعة اثنين من كبار الصحافيين اللذين يعملان لحساب اثنتين من أبرز المؤسسات الصحافية الامريكية, “نيويورك تايمز” اليومية و”تايم” الأسبوعية, ولعل الأهم من ذلك أن القضية تتعلق بقيام البيت الأبيض بالكشف عن شخصية عميلة سرية تعمل لحساب “سي آي أي” من أجل النيل من زوجها الذي تحول إلى منتقد بارز للإدارة وتبريراتها لشن حرب على العراق حينئذ.
وقد أصرت ميللر, على القول إنها لن تكشف عن اسم مصدرها الحكومي, لأنه إذا فعلت ذلك “فإن لا أحد من مصادري الآخرين سيسر إلي يوما بأي خبر ذي قيمة, وهو ما سيؤدي في المحصلة النهائية إلى عدم إطلاع الجمهور على ما يستحق من معلومات”, واضافت مخاطبة القاضي “أعرف أن أكثر المجتمعات حرية ونزاهة هي المجتمعات التي تتمتع بحرية الصحافة,,, أي نشر المعلومات التي لا تريد الحكومة منا نشرها”.
وكانت لجنة تحقيق خاصة, تم تشكيلها بعد ضغوط من الديموقراطيين على البيت الأبيض, تجري تحقيقات منذ 18 شهرا, مع ميللر وكوبر لمعرفة من المسؤول عن كسر قاعدة عدم الكشف عن أسماء عملاء “سي أي أي” السريين في الدول الأجنبية, والعميلة المذكورة التي سرب اسمها للصحافة هي فاليري بلام, انتقاما من زوجها الذي كان كتب مقالة رأي بعد عودته من النيجر التي كان أرسل إليها للتحقيق في تقارير بيع النيجر مواداً للعراق لاستعمالها في برنامجه النووي.
وقال الدبلوماسي السابق جوزف ويلسون في مقالته تلك, إن المعلومات التي تروج لها بعض الدوائر في إدارة بوش بأن تلك الدولة زودت العراق باليورانيوم لاستعماله في مواصلة البرنامج النووي, “لا أساس لها من الصحة أبدا”, وبعد ذلك بقليل, كشف بعض الصحافيين عن اسم زوجته التي كانت عميلة نشطة ل¯ “سي آي أي”, وهو ما اعتبره ويلسون محاولة من البيت الأبيض لإيذائه بسبب مواقفه التي نقد فيها تبريرات إدارة بوش لشن الحرب.
وقد اقتيدت ميللر من قبل اثنين من حراس المحكمة بعد ما ودعت زوجها واثنين من محاميها, حيث أمضت الليلة قبل الماضية في غرفة في أحد سجون ولاية فرجينيا القريبة من واشنطن.
واعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” انه “يوم اسود لحرية الصحافة في الولايات المتحدة وفي كل انحاء العالم”, وذكرت في بيان: “هذا الحكم لا سابق له ضد صحافية لم تقم الا بممارسة صلاحيات مهنتها ويشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي, كما انه يشكل سابقة خطيرة, وقامت الولايات المتحدة بتوجيه رسالة سيئة جدا الى بقية العالم”.
واشاد رئيس مجلس ادارة “نيويورك تايمز” ارثر سالزبرغر, بالصحافية لتمسكها بمبادئها المهنية, وعبر عن امله في ان تدفع هذه القضية الكونغرس الى التصويت على قانون يحمي السرية المهنية للصحافيين.