- المؤسسات الرسمية ليس لديها القدرة على تطوير وخلق أدوار حقيقية للمجتمع المدني يقوم على الشراكة الحقيقية في صنع القرار
- البيانات الوزارية لآخر حكومتين لم تتضمن في أولوياتها مأسسة الشراكة مع المجتمع المدني
- الحكومة لم تتجاوب مع مبادرات المجتمع المدني في مواجهة التحديات المجتمعية خلال جائحة كورونا
- “همم” تقدمت بمقترح لإنشاء آلية وطنية للتنسيق لمتابعة قضايا حقوق الإنسان منذ عام 2018
أصدر مشروع “تغيير ـ نهج تشاوري جديد لدعم حقوق الإنسان” تقريره الرقابي الثاني تحت عنوان “شراكة مع وقف التنفيذ”، لخص فيه أبرز نواحي العلاقة وآليات العمل بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني في الأردن، داعياً إلى خطة عمل مقترحة لمأسسة العلاقة والشراكة بينهما.
وأظهر التقرير الذي يشرف على تنفيذه مركز حماية وحرية الصحفيين بالشراكة مع مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات وطنية جملة من التحديات التي تحد من فعالية أداء مؤسسات المجتمع المدني وتعيق حركتها، من بينها ضعف التنسيق والتواصل وتبادل المعلومات بين الجمعيات وتمركز النشاطات في العاصمة، ومحدودية انتشارها في باقي المحافظات.
ولفت إلى غياب مأسسة العلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني في البرامج الحكومية حيث لم تتضمن البيانات الوزارية لآخر حكومتين في أولوياتها مأسسة الشراكة مع المجتمع المدني، إضافة إلى غياب الخطط والسياسات والممارسات لنهج تشاركي مع المجتمع المدني.
وأشار إلى غياب شكل الشراكة والعمل المشترك مع الحكومة، الأمر الذي يترك العمل قائماً على التعاون الفردي أو الموسمي غير الملزم من قبل كافة الأطراف ذات العلاقة، إضافة إلى استمرار حالة الشك والريبة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني نتيجة عدم وضوح آليات وأساليب التعامل بينهما، وعدم وجود خطط واستراتيجيات عمل واضحة وغياب الشراكة الحقيقية في الميدان، وعدم تدفق المعلومات بشكل مؤسسي ورسمي لإتاحة الفرصة للمؤسسات والقطاع الطوعي الإسهام في صياغة وتقديم حلول وخيارات للمؤسسات الوطنية للخروج من بعض الإشكاليات والتحديات.
ونبه إلى أن المؤسسات الرسمية ليس لديها القدرة على تطوير وخلق أدوار حقيقية للمجتمع المدني يقوم على الشراكة الحقيقية في صنع القرار وفي تنفيذ بعض المشاريع الوطنية، إلى جانب انعدام سبل تطوير مصادر دخل مستمرة ومستدامة محلياً مما أدى إلى اعتماد مؤسسات المجتمع المدني أحيانا على التمويل الأجنبي في ظل غياب رؤيا وطنية حيال المسؤولية المجتمعية بين القطاع العام والخاص.
وأشار إلى وجود تعدد في المرجعيات المؤسسية المشرفة على عمل الجمعيات في الأردن، مبيناً أن قانون الجمعيات رقم 51 لعام 2008 أناط مهمة الإشراف والمتابعة بعمل الجمعيات إلى العديد من الوزارات المتنوعة وفقاً لغايات وأهداف الجمعية؛ مما خلق حالة من الفوضى وتضارب الاختصاصات.
وقال أن التشريعات الوطنية الناظمة لعمل الجمعيات متفاوتة، وأن طرق التسجيل والترخيص للجمعيات متعددة حيث يجوز اتباع أكثر من طريق.
وتضمن التقرير الثاني الذي يأتي ضمن سلسلة من التقارير الرقابية على أداء الحكومة لتعزيز التشاور والتعاون مع الحكومة بشأن حقوق الإنسان على عدد من المحاور التي تُطرح لأول مرة في الأردن، حيث طرح التقرير السياق المفاهيمي حول المجتمع المدني الأردني وتطور الإطار القانوني الناظم لعمل الجمعيات والحماية الدستورية والدولية للحق في تأسيس الجمعيات، وتناول تطور مفهوم الشراكة بين المجتمع المدني والمؤسسات العامة، وتجربة المنسق الحكومي لحقوق الإنسان، وعرض لسيناريو العمل المقترح لمأسسة علاقة الشراكة بين المجتمع المدني والحكومة.
وأشار إلى أن منصب المنسق الحكومي ظل يراوح مكانه على الرغم من كافة الجهود المبذولة في هذا لإطار، واقتصر على منصب وظيفي ولم يتم بحث آليات مأسسة وجوده ليأخذ على عاتقه عملية التنسيق والشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان.
وقال في تحليل واقع الشراكة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني أن الواقع العملي يشير إلى أن آليات ونهج الشراكة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني لا تزال غير واضحة المعالم ويعوزها الجانب المؤسسي، مشيراً إلى أن أكثر ما هو لافت في فهم مسألة الشراكة عند الجهات الحكومية أنها ترى الشراكة بحدود عقد اجتماعات أو تنفيذ ورشات عمل، ولا تنظر باهتمام كاف إلى أهمية الاستجابة لمقترحات المجتمع المدني أو تعديل تشريعاتها وسياساتها بناء على مقترحاته.
ونوه إلى أن العديد من الدول حول العالم قد بدأت في تقدير العوائد الإيجابية للشراكة في كافة القطاعات والتعاون عن قرب بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية لمواجهة التحديات لتلبية الاحتياجات وتعزيز المسارات الديمقراطية.
وقال أن من شأن الشراكة أن تزيد من المسؤولية والشفافية وتشكل تدبيراً وقائياً لمنع الفساد في بعض الحالات وتعزيز قيم النزاهة والشفافية والحكم الرشيد، فضلاً أن برامج الشراكة الحقيقية تؤدي إلى نجاح الخطط والسياسات الوطنية وتفعيل التشريعات وضمان عدم الإفلات من العقاب.
ودعا التقرير إلى الأخذ بعين الاعتبار في أي نموذج للشراكة فهم الدور الحيوي والمستدام الذي يلعبه المجتمع المدني في الاستجابة للاحتياجات المجتمعية، وتسهيل مهمة تنفيذ الخطط والسياسات، فضلا عن الإسهام في تطوير ممارسات من شأنها النهوض بالمجتمع على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
وعرض التقرير أمثلة على عدم تجاوب الحكومة مع مبادرات المجتمع المدني تمثل أبرزها في مواجهة التحديات المجتمعية خلال جائحة كورونا، مشيراً إلى أنه في بدايات الأزمة قامت مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني (هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني “همم”) بالتواصل مع صناع القرار ليكون لهم أدوار حقيقية ملموسة على الأرض، ولتتمكن مؤسسات المجتمع المدني من القيام بأدوارها الوطنية، وعقدت عدة اجتماعات، وأرسلت عدة رسائل تطالب بتمكين مؤسسات المجتمع المدني من القيام بدورها، والمشاركة في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء مع باقي مؤسسات الدولة، وتم تقديم خطة استجابة متكاملة من قبل “همم”، إلا أن الحكومة تجاهلت قيامها بخطوات فعلية لإشراك المجتمع المدني في خلية الأزمة لإدماجها في صناعة القرار، ولم تُتح لها القيام بدور أكثر فعالية في عمليات الإغاثة رغم معرفة مؤسسات المجتمع المدني الميدانية بالمجتمعات المحلية، وكان يمكن أن تُسهم بشكل كبير في الوصول للعائلات المتضررة خلال الحظر والإغلاقات الشاملة، كما لم تستفد الحكومة من خبراتها في التوعية المجتمعية بمخاطر كورونا.
واستعرض التقرير محاولات هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني التوافق مع الحكومة على إقرار آلية وطنية للتنسيق والمتابعة في قضايا حقوق الإنسان.
وقال التقرير أن “همم” سعت لهذه الخطوة بعد التحديات والإشكالات التي حدثت من مسار الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان عام 2018، وحتى لا تظل العلاقة مرتبطة بمزاج المسؤولين في الحكومة، أو لا تتجاوز حدود “العلاقات العامة” التي تحتاجها الحكومة لإظهار احترامها وتجاوبها مع المجتمع المدني.
وقال التقرير أن “همم” نظرت باهتمام لتجارب تونس والمغرب في مأسسة العلاقة مع المجتمع المدني عبر إنشاء وزارة للعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في تونس، أو المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان بالمغرب، ولهذا مضت خطوة للأمام وتقدمت لرئيس الوزراء د. عمر الرزاز في شهر يناير 2019 بمقترح تحت عنوان “آلية وطنية للتنسيق والمتابعة”، وقد رحب رئيس الحكومة بالمبادرة وأوعز لمستشاره القانوني حينذاك المحامي محمد قطيشات بالاجتماع مع أعضاء “همم” للبحث في التفاصيل، وتوقف استكمال النقاش حول الآلية بعد استقالة ومغادرة مدير هيئة الإعلام لموقعه، وكلف رئيس الحكومة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة باستكمال النقاش مع مؤسسات “همم”، وانضمت لاحقا لهذا الحوار المنسق الحكومي لحقوق الإنسان السابق د. عبير الدبابنة، ولكن كل النقاشات والحوارات لم تفضِ لاتفاق، وبدى واضحا أن الحكومة غير متحمسة لإنشاء جسم أو آلية تعنى بمأسسة العمل المشترك والتنسيق الداعم لقضايا حقوق الإنسان، ومع مغادرة الدبابنة لموقعها وتعيين السيد نذير العواملة كمنسق عام لحقوق الإنسان في الحكومة، فإن “همم” أرسلت هذا المقترح له للاطلاع عليه لكن حتى الآن لم يحدث أي تقدم.
وانتهى التقرير بمجموعة من التوصيات من بينها إعادة تطوير ومراجعة كافة التشريعات الوطنية التي تعنى بعمل المجتمع المدني والعمل على تطويرها بما يضمن كفالة الحق وفق المعايير الدولية والوطنية، وإعادة النظر في الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان وتضمينها محورا خاصة في تعزيز الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان.
ودعا إلى تشكيل لجنة خاصة مشتركة من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان لبحث أفضل الخيارات والبدائل لمأسسة شكل للشراكة مع الحكومة، ومأسسة مكتب المنسق الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء.
وكان مشروع “تغيير” قد أصدر تقريره الرقابي الأول مطلع العام الحالي تحت عنوان “التزامات تنتظر التنفيذ” تناول فيه إنفاذ الحكومة لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان بعد مرور عامين على مشاركة الأردن بالمراجعة في جنيف.
ومما يذكر أن مشروع “تغيير” ينفذه مركز حماية وحرية الصحفيين بالتعاون مع مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات وطنية، وبتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي ((EU والوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي (AECID).