طرد 21 صحفياً ومراسلاً من جريدة “الضمير” التونسية

وطن-

(خاص – وطن – شمس الدين النقاز) فاجعة أخرى يستفيق عليها قطاع الإعلام في تونس بعد أن قامت جريدة “الضمير” اليومية، فجأة ودون سابق إنذار بإنهاء عمل 21 صحافيا ومراسلا جهويّا، وإعلامهم بذلك دون تقديم أي أسباب واضحة.

وأفاد الصحفي بجريدة “الضمير” لطفي حيدوري ب أن إدارة الجريدة أبلغته بقرار إنهاء عمله في الجريدة رفقة 17 صحافيا آخر تم اعلامهم بذلك، مضيفا أن إدارة المؤسسة أعلمت الصحفيين بتغيير دورية الجريدة التي تصدر منذ 2011 من يومية إلى أسبوعية.

وأوضح “حيدوري” أن إدارة الضمير اقترحت على الصحفيين منحهم 3 أشهر أجور مقابل خروجهم من عملهم رغم أن البعض منهم مرسّمون بالمؤسسة حسب ما ذكره لموقع “آخر خبر أونلاين”، كما أكد انه تم الإتصال بالنقابة الوطنية للصحفيين للتنسيق و التشاور معها بخصوص الرد على قرار الصحيفة.

نقابة الصحفيين تدخل على الخطّ

وقالت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيان لها الثلاثاء إنّ مجموعة من الصحفيين العاملين بجريدة الضمير كان لهم لقاء مع المكتب التنفيذي للنقابة برئاسة ناجي البغوري حيث تم التعرض فيه لحيثيات عملية طرد 18 صحفيا وصحفية بكل من جريدة وموقع “الضمير ” ووكالة ” بناء نيوز ” وستصدر النقابة بيانا في الصدد.

وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية “وات” فقد حاول أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خلال اجتماعهم عشية الثلاثاء بالصحفيين المطرودين من صحيفة الضمير وموقع بناء نيوز، الإتصال بالمدير العام لمؤسسة دار البناء للنشر والصحافة، أيمن العجمي، دون تلقي أية اجابة، وفق ما أفادت به (وات) الصحفية يامنة السالمي.

وأفادت السالمي، أن المطرودين لم يتسلموا رسميا أية وثيقة تفيد بطردهم من المؤسسة، وأن المدير العام قد استقبل الصحفيين تباعا في مكتبه صباح الثلاثاء، لإعلامهم شفاهيا بإنهاء التعاقد معهم لأسباب مالية، مشيرة إلى أن مؤسسة دار البناء للنشر والصحافة أصدرت أمس بيانا أعلنت فيه أنها ستتولى غلق مواقعها الإخبارية على الانترنات، وستغير دورية إصدار صحيفة الضمير من يومية إلى أسبوعية، وذلك بسبب أزمة مالية تمر بها المؤسسة، وارتفاع حجم ديونها.

وبينت السالمي أن المدير العام وضع الصحفيين البالغ عددهم 18 إلى جانب المراسلين أمام إمكانيتين، إما القبول بتسوية مقابل تعويض بسيط يعادل أجور ثلاثة أشهر، أو اللجوء إلى القضاء، مشيرة إلى أن الصحفيين فضلوا اللجوء إلى نقابتهم لتسوية ملفهم بما يسمح به القانون.

ودعا أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة صحفيي بناء نيوز و الضمير المطرودين إلى مباشرة أعمالهم بصفة عادية طالما أنهم لم يتلقوا أية وثيقة رسمية تفيد بطردهم، مؤكدين أنهم سيحاولون بكل الطرق حل هذا الملف والعمل على ضمان حقوق الصحفيين، وذلك وفق ما أكدته، يامنة السالمي.

قطاع الصحافة الورقية قطاع موبوء وفاسد

ويرى مراقبون أنّ الأزمة الوجودبة في قطاع الإعلام في تونس تمس كل قطاع الصحافة الورقية “المستقلة” لأنّ قطاع الصحافة الورقية قطاع موبوء وفاسد وتتحكم فيه اللوبيات والمافيات وكثير من الجرائد الورقية هي مفلسة ماليا وقليلة التوزيع والإنتشار ولكن الإشهار العمومي والخاص يوزع منهجيا وفق رؤى إيديولوجية استئصالية لتجفيف منابع كل صحافة حرة أو لا تخضع لرؤى معبنة وقطاع الصحافة غارق بالمال الفاسد الذي يوزع على الإعلام الفاسد.

ويعيش قطاع الإعلام في تونس وخاصة منه الصحافة المكتوبة أزمة كبيرة بسبب سيطرة المال السياسي والأيديولوجية والحزبية عليه بالإضافة إلى التخبّط القانوني والتوزيع غير العادل للإشهار العمومي وعدم سعي السلطات الرسمية للعمل قدما نحو حلّ هذه المشاكل التي نخرت القطاع بعد 14 يناير.

وفي وقت سابق من شهر مايو الماضي، دخل صحفيّو وتقنيّو جريدة التونسية في اعتصام مفتوح بمقرّ العمل على خلفية تنكّر صاحب المؤسّسة للإمضاء الممضى معهم الذي ينصّ على صرف أجورهم المتخلدة بالذمة منذ شهر فبراير 2016.

وتوقفت جريدة التونسية بمحمليها الورقي والإلكتروني عن العمل منذ 4 أشهر دون أن يتحصّل العاملون بالمؤسّسة على مستحقاتهم المالية في ظلّ مصير غامض.

ويخوض العاملون بالمؤسّسة منذ أكثر من شهرين اعتصاما مفتوحا بمقر المؤسّسة، مطالبين بتسوية وضعيتهم المالية والمهنية وسط صمت مريب ولامبالاة تامة من أغلب مكونات المجتمع المدني والحقوقي والمهني والسياسي باستثناء البعض الذين تكبدوا عناء الوقوف معهم قدر استطاعتهم، وفق ما أكّدت ذلك الصحفية العاملة بجريدة التونسية جيهان لغماري.

أرباب بعض المؤسسات الإعلامية يتعاملون بمنطق أنا ربكم الأعلى

وفي سياق تعليقه على هذه الأزمة التي يمرّ بها قطاع الصحافة في تونس، قال الصحفي محمد علي الصغيّر إنّ ما حصل للزملاء في جريدة التونسية واليوم في جريدة الضمير وغدا في باقي المؤسسات الإعلامية في القطاع الخاص تحديدا وفي ظل الصمت الرهيب للدولة المخولة وحدها بتطبيق القانون على أرباب بعض المؤسسات الإعلامية -وأقول أرباب لأنهم يتعاملون بمنطق أنا ربكم الأعلى- وفي ظل عجز الهياكل النقابية وللأسف على التأثير على هذه الشرذمة ممن يستبيحون حقوق الصحفيين ويعاملونهم معاملة العبيد في سوق النخاسة يعد النتاج الطبيعي لقطاع هش تغيب فيه أدنى مقومات الهيكلة والتنظيم ولا يستجيب في جزء هام منه لأبسط مقومات النشاط الإقتصادي.

وأضاف الصغيّر في تدوينة له على حسابه الشخصي بموقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” اليوم قطاع الصحافة هو القطاع الوحيد ربما إلى جانب قطاع التجارة الموازية الذي يتميز بالفوضوية وانعدام المراقبة. “سود وجهك ولي فحام” تقريبا هذا هو المثل الذي ينطبق على جزء كبير من أشباه الإعلاميين الذين أصبحوا بمثابة العصا التي يستقوي بها أصحاب الصحف ويستعينون بهم للجم الأفواه حينا وتجويعها حينا آخر. والحديث اليوم عن انعدام التضامن بين الصحفيين ليس مرده فقط الإلتزام بمنطق “أخطى راسي واضرب” لأن الكل على علم أن كل الرؤوس مهددة وأن هذا النزيف لن يتوقف، وإنما أيضا وبنسبة كبيرة لعدم وجود تساو أو تماهي في الإحساس بالإنتماء الفعلي للقطاع.

وتابع الصغيّر قائلا إنّ “ضرورة وقف هذا النزيف الحاد لعملية طرد الصحفيين وتشريدهم وهضم حقوقهم لا يجب أن يكون مجرد شعار نرفعه كلما حصلت مصيبة في إحدى المؤسسات الإعلامية، وقف النزيف يبدأ أولا بتحرك جماعي وهبة عامة يقوم بها كل الفاعلين في القطاع حتى يدرك هؤلاء المستكرشين الظانين أنهم أقوى من القانون أن الصحفي ليس مجرد “بوستاجي” أو كاتب عمومي (مع تقديرنا لهذه المهن). الإضراب العام هو أقل ما يمكن القيام به في ظل ما يحدث من هرسلة واستنزاف للصحفيين.

وفي ختام تدوينته دعا الصغيّر الهياكل النقابية وفي مقدمتها النقابة الوطنية للصحفيين إلى تحمل مسؤوليتها في ما يحدث وأن تبادر بأخذ قرارات جريئة بعيدا عن منطق الشراكة والتعاون مع هياكل المشغلين الذين لا يهمهم في نهاية الأمر إلا الذود عن مصالحهم.