الفظيعة التي يعيشها العراق في تحول الصحافيين العراقيين الى مضرب المثل في
الشجاعة والإقدام والتضحيات، ويكاد أي مؤتمر أو حفل تكريم لصحافيين في أي مكان من
العالم يخلو من كلمة إطراء وتضامن مع الظروف القاسية التي يعيشها الإعلاميون في
العراق، الذي أصبح رسميا اخطر بلد للعمل في الصحافة بحسب تقرير «مراسلون بلا حدود»
السنوي. وأخذت هيئات عالمية عدة على عاتقها مهمة مساعدة ضحايا الوضع في العراق،
ودعم الصحافيين هناك، ولذلك لم يكد خبر «مقتل افراد عائلة صحافي عراقي يدير موقعا
الكترونيا من المانيا» ينتشر في الاسبوع الماضي، حتى تسارعت ردود الفعل المتضامنة
والشاجبة والراغبة في المساعدة، سيما وانه نقل عن هذا الصحافي واسمه ضياء الكواز
قوله «إن اربعة اشخاص اقتحموا منزل عائلتي الذي تركته منذ اكثر من عشرين عاما في
منطقة الشعب (شمال بغداد) وأطلقوا النار على النساء والأطفال والرجال بصورة
عشوائية بينما كانوا يتناولون الافطار، مما أسفر عن مقتلهم جميعا. وأضاف ان افراد
عائلتي هم اثنتان من اخواتي وزوجاهما وأولادهم السبعة الذين تتراوح اعمارهم بين
خمس وعشر سنوات».
«مراسلون بلا
حدود» استنكرت ما جرى فورا… الا ان موجة التضامن هذه سرعان ما تغيرت، عندما
افادت تقارير اعلامية ان اسرة الكواز بخير، وانها لم تقتل بدليل ظهورها على قناة «الحرة»
التلفزيونية لتكذيب ما ادعاه ضياء نفسه. وذكرت «مراسلون بلا حدود» في بيان لها
انها مذهولة وغاضبة لاكتشاف ان ادعاء مقتل افراد عائلة الكواز كان خاطئا. واضاف
البيان «نحن بالتأكيد سعداء بأن نعلم ان عائلة الكواز بخير ولكن تصرف هذا الصحافي
غير مقبول». وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» رفض ضياء الكواز الإدلاء بأي تصريح.
وذكر الكواز من العاصمة الأردنية عمان انه يمتنع عن إجراء أية مقابلات قبل ان يصل
كافة أفراد عائلته إلى الأردن. واضاف أن نصف أفراد عائلته قد وصل فعلا إلى عمان
وانه بانتظار وصول البقية. وعند سؤاله عن المقصود بأفراد عائلته، بافتراض أن
الميليشيات الشيعية أبادت 11 فردا من أفراد العائلة، قال الكواز انه يقصد «البقية».
واضاف: ان العائلة ستجري مقابلة مع المحطات التلفزيونية، حال اكتمالها في الأردن،
بهدف إيصال الحقيقة للجميع.
اللافت هو ان
رقم ضياء الكواز الذي يفترض أنه يتخذ من العاصمة الألمانية برلين موقعا لبث صفحته
الإلكترونية «شبكة أخبار العراق» لا يعمل، فعند الاتصال بالرقم الألماني( رقم جوال)
الوارد في الصفحة الالكترونية جاء صوت التسجيل بالألمانية ليعلن عدم وجود مثل هذا
الرقم. وأوضح الكواز فيما بعد لـ «الشرق الأوسط» أن رقم الهاتف الألماني المذكور
يعود إلى زوجته المقيمة في ألمانيا. من جهة ثانية، حصلت «الشرق الأوسط» من «مراسلون
بلا حدود» على نسخة من البيان الصحافي الذي اصدره الكواز عقب الكشف عن عدم صحة
اقواله، وقال الكواز في هذا البيان ان الحكومة العراقية تسعى «لاسقاطه سياسيا»،
متهما زوج شقيقته المدعو حيدر صادق بانه يقف وراء هذه الحملة ضده بايحاء من
الحكومة التي تسعى «لاسكات الاصوات الوطنية التي ترفض سياستها الطائفية وضلوعها في
المخطط الايراني» بحسب وصف الكواز. ومعتبرا ان المدعو المفترض حيدر صادق هو الذي «قاد
عملية استدراج بعض شقيقاتي عنوة وتحت الاكراه للادلاء بشهادات مزورة وغير حقيقية
حول الحادث». واضاف الكواز في هذا البيان المنسوب اليه بانه «لم يفلح بالاتصال بأي
من افراد ما تبقى من عائلته بعد الحادثة بسبب اقدام السلطات العراقية على ايقاف
هواتفهم النقالة». من جهتها قالت هاجر سموني، مسؤولة قسم الشرق الأوسط وشمال
افريقيا في منظمة «مراسلون بلا حدود» لـ «الشرق الأوسط» بأنهم في المنظمة قلقون
وغاضبون لسببين، الأول هو انه لا يمكن تصور ان يقوم شخص بالكذب بهذا الشكل،
والثاني ان تلفيق مثل هذه الأخبار يضر بوضع الصحافيين العراقيين الآخرين، الذي
يتعرضون فعلا للتنكيل وللعمليات الانتقامية والذين يقتل ذووهم فعلا. وتضيف سموني «بالنسبة
لنا، القضية لم تغلق»، موضحة «سنستمر في التحقيق لمعرفة حقيقة ما جرى مع الكواز
وعائلته»، ومضيفة كذلك انه حتى تتبين الحقائق فسيعطى الكواز كافة المبررات التي قد
تعلل ادعاءه، خصوصا في ظل ما ذكره في البيان الصحافي الذي نشره أخيرا.