قُدس الإخبارية-
ليست المرّة الأولى التي يحاسب فيها صحفيون إثر نشرهم تحقيقًا استقصائيًا يتحدث حول فساد في مؤسسة حكومية أو رسمية، ليتقدم ضدهم أشخاص بشكاوى قضائية بدعوى التضرر ومحاولة دحض للحقائق المنشورة في التحقيق، إلا أن ما يبدو لافتًا هنا؛ أن تتدخل مؤسسة رسمية إعلامية بآلية جديدة.
الصحفية هاجر حرب العاملة في قناة المسيرة الفضائية من قطاع غزة، مثلت أمام النيابة العامة بغزة، بعدما تلقت اتصالًا بالمثول أمامها ظهر اليوم الأحد، للتحقيق معها على خلفية تحقيقها الصحفي حول الفساد في منح الحوالات الطبية المسؤول عنها هيئة العلاج بالخارج التابعة لوزارة الصحة.
وكانت حرب قد تعرضت للمساءلة عقب نشرها تحقيقها الاستقصائي في الرابع والعشرين من حزيران الماضي، وفقًا لشكوى قدّمها طبيب تم التعامل معه وفق التقرير المصوّر وعرضه على أنّه الطبيب المسؤول عن كتابة تقارير طبيّة مزوّرة لغير المرضى برشاوى مالية، حيث اعتبر أنه تعرض للضرر من وراء التحقيق وايقاف عمله.
وتقول حرب إن الشق الثاني، هو مساءلة “المكتب الاعلامي الحكومي” لها عبر النيابة ومطالبتها بالكشف عن مصادرها الصحفية التي استندت إليها في التحقيق المذكور، مضيفة “رفضتُ الكشف عن مصادري وفقًا لنص القانون الذي يقول إنه يجب على الصحفي الاحتفاظ بمصادره وعدم الكشف عنها إلا بأمر قضائي وأمام هيئة المحكمة، كما تقدمت محامية مركز الميزان لحقوق الانسان ميرفت النحال بمذكرة قانونية للاستناد على عدم الكشف عن المصادر.
وأضافت الصحفية في حديثها لـ قُدس الإخبارية، أن ما جرى لاحقًا، هو أن القضية استكملت سير الإجراءات القانونية وحُوّلت من النيابة العامة إلى “اللجنة الفنية” وفقًا لشكوى الطبيب والمكتب الاعلامي للنظر في الاتهامات الموجهة من الطرفين ومناقشتها وفقًا للاجراءات المعمول بها.
اليوم، وبعد الاتصال للحضور أمام النيابة، ذهبت الصحفية حرب برفقة المحامية لاستكمال الإجراءات والتحقيق في “الشكوى” التي تقدّم بها المكتب الاعلامي وليس الشكوى الأولى المقدمة من الطبيب الذي يدّعي تضرره، حيث تحولت من شكوى إلى “قضية” لها رقم واجراءات تستدعي حضور جلسات محاكمة لاحقة، قالت الصحفية حرب.
وحول التهم المنسوبة لها، وفقًا لملف قضيتها الذي اطّلعت عليه اليوم، فانها تواجه “خمسة” اتهامات تتعلق بتحقيقها الصحفي، كان أوّلها انتحال شخصية وذلك خلافًا للمادة 274 لقانون العقوبات، وثانيها القدح في وزارة الصحة خلافاً للمادة 201-203، المعاقب عليه بالمادة 47 في قانون العقوبات.
أما عن التهمتين الثالثة والرابعة فكانتا تتعلق بقانون النشر الفلسطيني بحسب النيابة، فكانت التهمة الثالثة هي “نشر خبر غير صحيح حول الفساد في وزارة الصحة، خلافاً للمادة 25-26، لقانون المطبوعات والنشر الفلسطيني والمعاقب عليه في المادة 44 من ذات القانون، والرابعة هي “عدم توخي الدقه والحذر في نشر ما يثير الضغينة ضد وزارة الصحة خلافاً للمادة 48 من قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، وذلك بنشر تقرير صحفي آثار الضغينة ضد وزارة الصحة”.
وفيما يتعلق بالتهمة الخامسة، التي استنكرتها حرب بشدة، فهي الاتهام بـ”الارتباط مع جهة أجنبية بالعمل خلافاً للمواد 10-48 من خلال مؤسسة إعلامية ليس لها قيود في قطاع غزة والمكتب الإعلامي الحكومي”.
ولفتت حرب إلى أنّ كل التهم الأخيرة المثارة ضدّها بناءً على ما تقدم به المكتب الاعلامي الحكومي من “شكوى” للنيابة لتوجيه الاتهامات الخمس، مضيفة “أن جميع التهم التي حملها ملف القضية المعروض اليوم لا علاقة له بشكوى الطبيب، مؤكدة أن خلافها ليس شخصيًا مع أحد.
وأكدت أنّ كل ما يثار حول توقيفها عن عملها هو عارٍ عن الصحة، مضيفة “أنا ماضية في ممارسة العمل الاستقصائي بكل مهنية وحيادية وموضوعية بما يضمن الكشف عن الفساد والفاسدين في كل ما يهم الرأي العام، مع التزامي الكامل بكافة المعايير المهنية والأخلاقية والقانونية، فيما ستواصل هيئة المحامين المدافعة عني واتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل أنصاف الحقيقة.
المكتب الاعلامي يردّ
في المقابل، فان المكتب الاعلامي الحكومي كان له توضيحًا يتعلق بقضية هاجر حرب التي أثيرت على خلفية مثولها أمام النيابة العامة والتحقيق معها في التهم المنسوبة إليها، وأصدر بيانًا يؤكد فيه احترامه وتقديره للصحفيين واحترام حرية الرأي والتعبير وتوفير مناخ مناسب للعمل بمهنية وموضوعية، حسب قولهم.
“شبكة قدس الاخبارية” تواصلت مع مسؤول المكتب الاعلامي سلامة معروف للاستيضاح منه، حول موقف المكتب من قضية الصحفية هاجر حرب وتقدمهم بشكوى ضدها، حيث قال “إن المكتب لم يتقدم أصلًا بشكوى ضدّها بل تم التقدم بـ”مذكرة” للنيابة العامة ووزارة الصحة للتحقيق في المعلومات الواردة في تحقيقها المنشور آنذاك”.
وقال معروف، “إن التحقيق الذي نشرته الصحفية حرب قد أثار جدلًا كبيرًا في أوساط الشارع الفلسطيني، مما يستدعي الوقوف على تفاصيله ودقته والتأكد من المعلومات الواردة فيع، وعليه فانه تم مطالبتها بتوضيح ما ورد به لكنها “رفضت التعاون مع المكتب منذ البداية”.
وأضاف لـ قُدس الإخبارية، “إننا في المكتب كنّا تواصلنا مع الصحفية هاجر حرب بمجرد نشر التقرير وطلبنا منها التعاون معنا وتزويدنا بكل ما لديها من أدلة لتقديمها للنيابة من أجل محاسبة المقصرين أو من وصفهم التقرير بالمرتشين، ولكنها فضلت عدم التعاون معنا وقالت أنها تفضل ألا تكشف ما لديها من معلومات إلا أمام النيابة”.
ونظرًا لخطورة ما طرحه التحقيق وحجم الإثارة التي خلقها عقب نشره، إضافة إلى رفض الزميلة حرب التعاون معنا لما فيه الصالح العام، -بحسب قوله-، فإن المكتب رفع “مذكرة” للنيابة العامة ووزارة الصحة من واقع مسؤولياتهما للتحقيق في مجمل الاتهامات التي وردت في التقرير ومحاسبة المتجاوزين وتقديمهم للمحاكمة لنيل الجزاء العادل، يقول معروف.
وأوضح، أن عرض الزميلة هاجر على النيابة من واقع الاستماع إلى أقوالها حول تحقيقها، مشيرًا إلى أنها مستدعاة كشاهدة وليس كمتهمة، إلا إذا ثبت زيف اتهاماتها وعدم صحة ما نشرته في تحقيقها أو استنادها إلى أسس غير صحيحة
وقال معروف، “إن الصحفية حرب استندت في تحقيقها على أمور غير صحيحة وغير مهنية، وأنها ادّعت في تحقيقها حالة بنيت على خداع، حيث عرضت نفسها على أنها متصدرة المشهد، بينما ما كان يجري هو أن الاسم لمريضة فعلًا قد جرى العمل على تحويلها، إضافة إلى أن الطبيب المذكور كمرتشي لم يتلق منها رشوة بل كانت تكاليف العلاج والتقرير الطبي بشكلٍ عادي، وعليه فإن الإجراءات القانونية ستوضح نتائج التحقيق”.
وحول سير القانون، أشار معروف إلى أن العدالة يجب أن تأخذ مجراها بكافة الأحوال، فلو كان تحقيقها صحيحًا وأثبت حقيقة وجود فساد كما استعرضته تمامًا فاننا سنتعاطى مع محاسبة الطبيب والجهات المسئولة عن الفساد، والعكس صحيح، مضيفًا “ستتضح الادعاءات وتثبت براءة الطبيب ومعاودة مزاولة عمله عقب انتهاء التحقيقات القضائية بهذا الموضوع”.