أكد مشاركون في ورشة عن إستراتيجيات مساهمة المجتمع المدني في التحول الديمقراطي في الدول العربية أن المجتمع المدني وتحسين واقع حقوق الإنسان في البلدان العربية يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحول إلى الديمقراطية وتجذرها في بنية السلطة السياسية والمجتمع.
وأشارت الورشة -التي استضافتها الدوحة اليوم- إلى أن تطور المجتمع المدني يرتبط بتطور سياسات الدولة وتوجهاتها الأيديولوجية، وبتطور نظامها القانوني والقضائي وما توفره الدولة من آليات ووسائل أخرى تدعم نشأة وتطور مؤسسات المجتمع المدني.
ورأى رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر خالد بن محمد العطية أنه يتعين على نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان في الدول العربية تأصيل الفكر المنهجي الذي يهدف إلى إكساب المجتمع وعيا حديثا يتطابق مع الواقع المعاصر، وتجاوز المحددات الثقافية والاجتماعية التقليدية التي خلفتها عصور سابقة لا تصلح لمواكبة العصر الحديث.
وفي مقابل ذلك طالب العطية السلطات الحاكمة في العالم العربي بالإقرار والتصديق على الصكوك الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، فضلا عن قيام الدولة بالإقرار المحلي للديمقراطية لأن ذلك يوفر ظروف سياسية وقانونية ملائمة لنماء المجتمع الديمقراطي السليم.
عوائق التحول
ونوه المشاركون في الورشة إلى النتيجة التي خلص إليها تقرير التنمية السياسية العربية لعام 2003، والتي مفادها أن المجتمعات العربية هي أدنى مجتمعات العالم تمتعا بالحريات العامة.
وأرجع الخبير الثقافي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث الدكتور عبد الله إبراهيم هذا الأمر إلى سببين هما وجود نظم استبدادية حاكمة في العالم العربي، وكذلك ضآلة المشاركة الشعبية في الحكم والممارسة السياسية الفاعلة، مشددا على أن المجتمعات العربية ما زالت أسيرة المجتمع الأهلي القائم على تشكيلات أهلية مغلقة كالقبيلة والطائفة والعرق، وليس المجتمع المدني الذي يؤمن بالتغيير.
وخلصت الورشة إلى أن أهم معوقات تراجع الحريات في العالم العربي تعود إلى كون المجتمعات العربية تتصف بأنها مجتمعات “تأثيمية” أي مجتمعات لا تعرف المشاركة، ولا تدرك أهمية التاريخ، ولا تنخرط في صنعه، وتؤمن بزمن دائري سحري يجعلها مشدودة إلى نقطة مركزية بدل تبني مفهوم متقدم للزمن.
ولم يغفل المشاركون دور القلق الذي يسيطر على المجتمعات العربية بتراجع الحريات فيها، منوهين إلى أن الكثير من المجتمعات تخطت أحاسيس التأثيم والخوف والقلق والحيرة والتردد واللامبالاة، بينما ما زالت المجتمعات العربية تعيش ازدواجا خطيرا تختلط فيه قيم روحية وقيم مادية شديدة التعقيد.
وبحسب المشاركين في الورشة فإن من أهم أسباب تراجع الحريات في العالم العربي، هو الأنظمة السياسية التي تحكمت بتلك المجتمعات في العصر الحديث، وأساليب الاستبداد التي مارستها، وكيفية إخضاع تلك المجتمعات لأيديولوجيات شمولية، وهي أيديولوجيات -حسب المشاركين- تدفع بجملة من الفروض الثقافية لتجعل منها قوانين وأعرافا ينبغي على الجميع الانصياع لها.
وبالرغم من ِإقرار الورشة بوجود تفاوت بين دولة عربية وأخرى، فإنها أكدت أن ذلك لا يمنع من القول إن العالم العربي من أقصى شرقه إلى أقصى غربه، يعتبر من المناطق الأخيرة في العالم التي لم يشرع فيها بعد الإصلاح بمفهومه الشامل، وبالأخص الإصلاح السياسي.
ويأتي تنظيم الورشة بدعوة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر والمعهد العربي لحقوق الإنسان ومنظمة فريدم هاوس، بمثابة اجتماع إقليمي عربي للتحضير للمؤتمر الدولي للديمقراطيات الذي سيعقد في سانتياغو في مارس/آذار القادم.
وستناقش الورشة خلال يومي عمل عدة مواضيع منها علاقة المجتمع المدني بالسلطة وعملية التحول الديمقراطي وكذلك الثقافة الديمقراطية والتعصب والتطرف والإرهاب وقضية التحول الديمقراطي.