عربي 21-
نشرت صحيفة “موند أفريك” تقريرا، تحدثت فيه عن أساليب الرقابة والقمع التي تعتمدها الجزائر لترهيب الصحفيين المستقلين، واتجاه السلطات لمزيد من التشديد على نشطاء شبكات التواصل ومواقع الإنترنت.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الصحفيين المستقلين يعانون من عدة ضغوطات في الجزائر؛ فقد سعى النظام إلى فرض أساليب رقابة جديدة، ومن الأحكام السجنية والدعاوى القضائية إلى وسائل القمع الأخرى، كالتهديد بالقتل، والترهيب، وقرصنة الحسابات الخاصة، واستعمالها لتشويه سمعة أصحابها الحقيقيين.
وأضافت أن هذه الإجراءات المضنية في حق الصحفيين وغير المسبوقة تزامنت مع الحملة الانتخابية لعبد العزيز بوتفليقة؛ لتجديد ترشحه لرئاسة الدولة الجزائرية للمرة الرابعة على التوالي. وفي مقر إدارة حملته الانتخابية، وهو فيلا جميلة في منطقة حيدرة، أرقى المناطق الجزائرية، تحاك “خطة تقسيم إلكترونية” للشعب، يعدها عبد السلام بوشوارب ومستشاروه على حد قول الصحيفة.
وقبل أن يشغل منصب وزير الصناعة والمناجم، كُلف بوشوارب باستقطاب عدد من المؤثرين على شبكة الإنترنت الجزائرية، وتجنيدهم؛ للقيام بمهام خاصة، بصفته مدير الاتصالات في حملة بوتفليقة الانتخابية. ويتمثل الهدف من وراء ذلك في تشكيل “جيش إلكتروني حقيقي”، من شأنه تضييق الخناق على الشبكات الاجتماعية والإنترنت؛ لإسكات أصوات المعارضين لتجديد مدة عهدته الرئاسية.
وعملت هذه الخطة على ضم صفحات الفيسبوك الأكثر شعبية في البلاد إلى صف بوتفليقة. وعُرضت على أصحابها مبالغ ضخمة للقبول بهذا العرض. وتم تحديد مبلغ 100 ألف دينار جزائري أجرا شهريا ومكافآت مالية تصل إلى مليون دينار.
وكشفت الصحيفة أنه تم تمويل جماعات أخرى على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ لتوسيع عدد المنتمين إليها. كما تم، أيضا، بث مقاطع فيديو داعمة للرئيس على نطاق واسع على يوتيوب.
ولم يتوقف عمل قسم الإلكترونيات عند هذا المستوى، بل تعداه إلى استئجار قراصنة بمقابل مادي باهظ جدا لمهاجمة صفحات الفيسبوك والحسابات الشخصية التابعة للمعارضين الرافضين لسياسة بوتفليقة، بما في ذلك الصحفيين.
ولفتت الصحيفة إلى أن أنشطة القرصنة، التي تعرض إليها موقع موند أفريك مرات عديدة خلال هذا العام، زادت من حدة التسلط الإلكتروني الذي يفرضه النظام لترهيب المعارضين وقمعهم بشكل دائم. وقد تم إنشاء صفحة على الفيسبوك أطلق عليها اسم “احتيال حركة بركات”.
وتتمثل المهمة الأولى التي أُوكلت إلى هذه الصفحة في نشر صور خاصة لأعضاء تابعين لحركة بركات الجزائرية، الناشطة ميدانيا، للتعبير عن معارضتها للولاية الرابعة لبوتفليقة؛ لتشويه سمعتهم، ولإفقادهم الشرعية الشعبية التي يتمتعون بها. وبالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء عشرات الصفحات العربية الأخرى. وتضاعف عدد الناشطين في الشبكات الاجتماعية الذين يقومون بنشر تعليقات تزرع الكره والبغضاء بين الجزائريين، وأكاذيب حول الحياة الخاصة للصحفيين الذين يكتبون مقالات ضد حملة بوتفليقة.
وتصاعدت أعمال العنف ضد الصحفيين، إلى درجة إنشاء حسابات مزيفة باسم نشطاء معادين لتمديد ترشح الرئيس الجزائري الحالي.
وخلصت الصحيفة إلى أن المعلومات الكاذبة والشائعات التشهيرية كانت بمثابة أسلحة رهيبة وفعالة جدا في حرب “الشبكات” هذه، التي خرج منها الكثير من المعارضين ملوثي السمعة، خائفين ومحطمي المعنويات. وإلى نهاية الحملة الانتخابية، ستواصل شبكة “التقسيم الإلكتروني” عملها.
وبينت الصحيفة أن الأشخاص الذين يعلمون لصالح هذه الشبكة مقسمون إلى مجموعات، تخضع كل منها إلى سيطرة طرف تابع للمخابرات الجزائرية؛ دائرة الاستعلام والأمن. وحتى بعد إعادة انتخاب بوتفليقة، وبفضل الميزانيات الضخمة التي تنفق على شبكة الإنترنت، ستظل هذه الانقسامات متجذرة وراسخة في شبكة الإنترنت الجزائرية، لتصبح قوة إعلامية حقيقية.
ولكن غالبا ما يكون الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و20 سنة، والذين لا يملكون أي تكوين سياسي أو صحفي، داخل دوامة هذه الانقسامات. أضف إلى ذلك، أنه تم تجنيدهم لاستعمال دوافع دينية وانتحال شخصيات إسلاميين محافظين، لتأليب الرأي العام ضد المعارضين، عبر اتهامهم بالكفار أو الملحدين أو المثليين الجنسيين. ومثل هذه الحجج تعطي أكلها في مجتمع محافظ جدا.
ولفتت الصحيفة إلى أن استهداف النظام الجزائري لفئة الصحفيين يهدف إلى التقليل من شعبيتهم وشرعيتهم وتأثيرهم على الرأي العام. في بلد يعد فيه أكثر من 8 مليون مستخدم للفيسبوك، وبدت هذه الممارسات العنيفة والقمعية المطبقة على شبكة الإنترنت أكثر فعالية من الرقابة أو المضايقات التي تفرضها الشرطة.
وقال إنه وفي حال فشلت هذه الإجراءات في المس من الصحفيين المستقلين، تقوم الأجهزة الأمنية المختصة بتلفيق تهم لهم، كما هو حال الناشط الحقوقي والنقابي ياسين زيد، المنفي الآن في سويسرا، على خلفية الفيديوهات التي نشرها حول النفط في الجنوب الجزائري. كما تم أيضا سجن “مدون غرداية” لعدة أشهر؛ لنشره فيديو يفضح بعض الممارسات المشبوهة للشرطة.
وشددت الصحيفة على أن هؤلاء الصحفيين وغيرهم، كانوا ضحايا قمع عنيف خلف انقسامات “إلكترونية” بين الجزائريين، وانقسامات خطط لها النظام؛ لتوسيع نفوذه وسلطته على قطاع أنشئ كي يكون متنفسا للمواطن الجزائري.