أجرتها منظمة مجلس البحوث والتبادل الدولي "ايركس" ضمن برنامج تدعيم
وسائل الإعلام في الأردن وتعلن عنها اليوم "إن الراديو كوسيلة إعلامية هو
الأكثر انتشارا ووصولا بين وسائل الإعلام كافة في الاردن باستثناء إعلانات الرسائل
النصية على جهاز الخلوي". و"ان نسب قراءة الصحف اليومية أقل بكثير من
المستويات التي اعتمدت عليها صناعة الإعلان تقليديا".
وبلغت ميزانية
الدراسة حوالي 38 الف دولار أمريكي وهي ضمن برنامج ممول من قبل الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية بمبلغ 5 ملايين دولار ويستمر لمدة 3 سنوات.
فهل صحيح ان "الراديو
في الاردن هو الاكثر انتشارا بين وسائل الاعلام"? وهل صحيح ان نسبة الاستماع
للراديو بلغت 46 بالمائة بين الاردنيين? وهل صحيح أن نسب قراءة الصحف اليومية أقل
بكثير من المستويات التي اعتمدت عليها صناعة الإعلان تقليديا? وهل باتت الصحف موضى
قديمة, وان "اللوك الجديد" لوسائل الاعلام هو الاذاعات?
وما الذي تريد
قوله الدراسة الامريكية التي قامت بها الشركة الإستراتيجية للأبحاث والدراسات
وخبراء منظمة مجلس البحوث والتبادل الدولي "ايركس" ونشرت ملخصها أمس
الاول? وهل صحيح ما ذهب اليه بعض الصحافيين بان هذه النتيجة إنما هي في سياق
محاولة امريكية لتعميم "المفهوم الامريكي" على وسائل الاعلام العربية.
يقول نقيب
الصحافيين طارق المومني انه لا يمكن الوقوف على نتائج مثل هذه الدراسات متناسين ان
تمويل "ايركس" هو من وزارة الخارجية الامريكية, متسائلا عن تمتع
الاستطلاعات والدراسات التي تنفذها مثل هذه المنظمات بالاستقلالية والمهنية في
تعاطيها مع قضايانا المحلية.
واضاف ان بعض
هذه المنظمات لا تخلو من تنفيذ اجندات خاصة مرتبطة بوزارة الخارجية الامريكية ومن
هنا تكمن خشيتنا من فقدانها للمصداقية المهنية والاستقلالية في استخلاص النتائج.
وأوضح المومني
بانه لا يتفق مع هذا الرأي القائل بان الفضائيات أو الاذاعات قد تمكنت من خطف
الاضواء كليا حتى استعاض المواطن بها عن الصحافة مستذكرا بانه عندما ظهر الراديو
قبل عشرات السنين قيل انه سيحل محل الصحيفة وعندما ظهر التلفزيون قيل انه سيحل محل
الراديو وعندما ظهرت المواقع الالكترونية قيل انها ستحصد النسبة الكبرى من الجمهور
وهكذا ولكن في النهاية تبين ان لكل وسيلة نمطها واسلوب تعامل الجمهور معها.
وقال ان
الوسيلة الوحيدة التي ستتمكن من خطف الاضواء كاملة هي تلك الوسيلة الاعلامية التي
تتمتع بالمصداقية والمهنية مهما كان الشكل الذي تخرج فيه للجمهور.
الكاتب في
صحيفة الغد الزميل سميح المعايطة الذي اختارته الحكومة عضوا في اللجنة الاستشارية
التي كان يفترض ان تراقب اتفاق منظمة "ايركس" في برنامج تدعيم وسائل
الإعلام في الأردن قال: "منذ عام لم ندع الى اجتماع واحد رغم ان المتفق عليه
الاجتماع كل ثلاثة اشهر مرة بهدف مراجعة عمل المنظمة", مشيرا الى "انه
دعي الى اجتماعين فقط وهذا ما يجعله وفق قوله يشكك في آلية عمل "ايركس".
وقال: "أخشى
ان الاتفاق جرى خارج اطار مشورة اللجنة التي نحن ممثلون فيها, فقد كان عليها العمل
ضمن شراكة واسعة مع كل المعنيين ولكن ذلك لم يحدث ومن هنا فان الباب بات مفتوحا
للجميع للتشكيك في مهنية نتائج الدراسة".
واشار
المعايطة "ان الحكومة الامريكية احالت البرنامج الى أحد قطاعاتها الخاصة الذي
بدوره شارك بعض القطاعات الخاصة الاردنية في البرنامج دون الاكتراث بالاتفاق
السابق مع الحكومة بالاجتماع مع اللجنة الاستشارية". وقال: "ما جرى
للجنة الاستشارية يعطينا صورة عامة عن دقة النتائج, مشيرا "ان منهجية بهذه
الالية لا يمكن ان تكون محصنة ضد التشكيك".
ويرفض العديد
من الصحافيين اعتماد نظرية المؤامرة كمظلة لنتائج الدراسة ولكنهم في المقابل لم
يتمكنوا من القول انهم مطمئنين من اهداف منظمة "ايركس" الامريكية خاصة
وانها أثارت منذ انطلاقتها محليا جدلا واسعا حول نواياها واهدافها بين الاوساط
الصحافية الاردنية. مع العلم بان عددا كبيرا من الصحافيين رفضوا التعامل مع هذه
المنظمة على اعتبار انها منظمة امريكية ذات اهداف مسبقة.
ويتساءل هؤلاء
ما الذي يدفع جهات امريكية للحديث عن تطوير الاعلام العربي ومنه الاردني, وما هي
الدلالات التي تريد واشنطن ايحاءها للرأي العام الاردني? وهل تريد ان تقول لهم
اقتربوا اكثر من الراديو الذي تغلب على مشاريعه اسس تجارية صرف بعيدا عن الاسس
المهنية التقليدية التي نمت على ارضها الصحف الاردنية.
ويعتبر البعض
بان مجرد دخول هذه المنظمة الامريكية عبر وكلاء وجهات خاصة في الاردن ارتبطت دائما
بالتمويل الاجنبي يدفعنا الى الشك باهداف هذه الدراسة, خاصة في سياق المشروع
الامريكي لتطويع الاعلام العربي الذي بدأ الاهتمام به بعد احداث الحادي عشر من
أيلول مرورا باحتلال العراق والتلويح بالعدوان على ايران.
ووفق الكونجرس
فان الاموال التي خصصها لتمويل وسائل اعلام عربية تهدف اساسا "لتبييض" صورة
امريكا في نظر الرأي العام العربي, بعد عدة استطلاعات اشارت الى ان حجم العداء
للسياسة الامريكة يتجاوز في بعض الاحيان العداء لاسرائيل نفسها.