قالت منظمة هيومان رايتس ووتش في بيان تلقى مركز حماية وحرية الصحفية نسخة منه عبر بريده الإلكتروني أنه من غير الممكن للمملكة المتحدة أن تقوم بترحيل مشتبه بهم أمنياً إلى الأردن من دون أن تخرق الحظر الدولي المفروض على إرسال الأشخاص إلى بلدانٍ يواجهون فيها خطر التعرض للتعذيب.
وأكدت هيومان رايتس ووتش أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الأردن والمملكة المتحدة في العاشر من أغسطس/آب، والتي تنص على تعهدات بعدم تعرض الأشخاص المرحَّلين لسوء المعاملة، ليس من شأنها الحد من المخاطر المترتبة عن التحلل من الالتزام بعدم تعريض الأشخاص للتعذيب.
ومن ناحيته قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لا زال التعذيب موجوداً في الأردن، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالمشبوهين أمنياً. ومازالت جميع الأسباب الوجيهة التي منعت المملكة المتحدة من ترحيل الأشخاص إلى الأردن قبل العاشر من أغسطس/آب كما هي، إذ لا تحدث هذه الاتفاقية أي تغيير على هذا الصعيد”.
والمملكة المتحدة والأردن هما من الأطراف الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي تحرم تعذيب أو إعادة أو ترحيل الأشخاص إلى البلدان التي يوجد أساسٌ ملموس للاعتقاد بأنهم سيتعرضون فيها لخطر للتعذيب. وبموجب القانون الدولي، فإن الحظر ضد التعذيب والترحيل غير الطوعي حظرٌ مطلق ولا يمكن التملص منه تحت أي ظرفٍ من الظروف.
كما واحتجزت بريطانيا مؤخرا عدداً من المقيمين الأجانب الذين قد يواجهون الآن خطر الترحيل، ومن بينهم عمر محمود عثمان أبو عمر المعروف باسم “أبو قتادة”. وكانت محكمة أمن الدولة الأردنية، المؤلفة من قاضيين عسكريين وقاضٍ مدنيٍّ واحد، قد أصدرت حكماً بالسجن لمدة 15 سنة بحق أبي قتادة الذي يحمل الجنسية الأردنية، بسبب مشاركته في محاولة تفجير احتفالات الألفية التي دبرتها خلية خضير أبو هوشر، ثم أصدرت عليه حكماً آخر بالسجن المؤبد بسبب تمويله النشاطات الإرهابية لحركة الإصلاح والتحدي. وقد صدر الحكمان غيابياً في عامي 2000 و2001 على التوالي.
ومن حق المجرمين المدانين غيابياً أن يحصلوا على الحق في إعادة محاكمتهم ما إن يصبحوا بعهدة السلطات الأردنية. ومن غير الواضح ما إذا كان محمود أبو رضا، وهو أردني آخر تعتبره السلطات البريطانية خطراً على أمنها القومي، والذي يعتقد أنه ممن ينتظرون قرارا بالترحيل، يواجه أية تهمٍ الآن، أو ما إذا كان قد صدر حكمٌ بحقه في الأردن. وقد كانت بريطانيا منحت حق اللجوء لكلٍّ من أبو قتادة ومحمود أبو رضا، لكن وزير الداخلية في المملكة المتحدة ديفيد بلانكيت ما انفك يسعى لترحيل أبي رضا منذ ديسمبر/كانون الأول 2001. وفي مارس/آذار 2004 بينت وثائق المحكمة أن وزارة الداخلية قد “أقرت […] بأنه لا يمكن ترحيل [أبو قتادة] لأنه من المرجح أن يواجه الاضطهاد أو انتهاكا لحقوقه الإنسانية، وذلك بموجب المادة 3 من العهد الأوروبي الخاص بحقوق الإنسان”.
وقالت هيومن رايتس ووتش أن مذكرة التفاهم الموقعة في 10 أغسطس/آب تمثل محاولةً للالتفاف على الالتزام الصارم بعدم الترحيل غير الطوعي بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، كما أنها لا تتضمن أية آليةٍ للمحاسبة. وبموجب هذه الاتفاقية يمكن للأردن أن يحصل على المشتبه بهم، في حين تتخلص بريطانيا من الأشخاص غير المرغوب بهم، من غير أن يكون لدى أي من البلدين ما يدفعه لمراقبة معاملتهم أو التحقيق في الادعاء بسوء المعاملة. فبموجب مذكرة التفاهم، لا يحتاج بدء الإجراءات إلى ما هو أكثر من الإبلاغ الشفهي. وينفي وزير الداخلية الأردني حتى الآن تلقي أي طلب بريطاني لتنفيذ المذكرة، لكنه أشار إلى أن الأردن سوف يطالب بتسليم أبو قتادة إلى الأردن في الأيام المقبلة، في حين أن من حق أبو قتادة ومحمود أبو رضا أن يحتجا على قرار ترحيلهما أمام القضاء البريطاني.
وقال ستورك: “إن لمديرية المخابرات العامة الأردنية، وكذلك السجون وأقسام الشرطة العادية، سجلاً في مجال التعذيب. كما أن المملكة المتحدة تؤكد استمرار خطر التعرض للتعذيب من خلال سعيها للحصول على وعد أردني بأن يلقى الأشخاص الذين تعيدهم إلى الأردن معاملة مختلفة”.
وفي سبتمبر/أيلول 2004، أعلن المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة رسمية، أن عبد الله المشاقبة قد مات في سجن جويدة نتيجةً للتعذيب. وفي شهر أغسطس/آب 2005، أخبر الموقوفون في ذلك السجن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، وهي منظمة محلية غير حكومية، بأنهم تعرضوا للضرب العنيف. وفي العام الماضي تلقى المركز الوطني لحقوق الإنسان 250 ادّعاءاًَ بالتعرض للتعذيب أو سوء المعاملة في أماكن الاحتجاز الأردنية. وهذا الرقم لا يشمل مديرية الأمن العام الأردني التي لم تسمح بأية زيارات يقوم بها مراقبو حقوق الإنسان من المنظمات غير الحكومية. وعادة ما تكون مديرية الأمن العام هي مكان الاحتجاز الأول بالنسبة للموقوفين أمنياً.
وقد قالت منظمة هيومن رايتس ووتش أن ثمة أسباباً كثيرة تجعل من الضمانات الدبلوماسية، من مثل مذكرة التفاهم، عاجزةً عن توفير الحماية ضد التعذيب.
ففي المقام الأول، وبخلاف الحالة التي يعد فيها أحد البلدان بالامتناع عن فرض عقوبة الإعدام، فإن التعذيب مدانٌ دولياً وهو يمارس في السر غالباً. ولا يجد البلد المرسل أو المستقبل ما يدفعهما للكشف عن سوء المعاملة؛ إذ يمكن أن يكون البلد المستقبل متورطاً في التعذيب أو إساءة المعاملة، بينما يمكن أن يكون البلد المرسل متورطاً في خرق الحظر المفروض على الترحيل غير الطوعي. وأما في المقام الثاني، فإن الضمانات الدبلوماسية، وكما يشير اسمها، تخضع عادةً للحدود الدبلوماسية، وغالباً ما تفتقر إلى الآليات الفعالة التي تضمن الالتزام بها.
وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن المملكة المتحدة تخطط لإبرام اتفاقيات مماثلة مع عدد من البلدان الأخرى في المنطقة، ومن بينها مصر والجزائر. من ناحيته قال ستورك: “إن للأردن ومصر والجزائر سجلاً موثقاً في مجال التعذيب. ولا يجوز للمملكة المتحدة أو لأي بلد آخر أن تفكر في إعادة الناس إلى هذه البلدان التي يواجهون فيها خطر التعذيب”.