القدس العربي-
استمرت أمس من دون حل، أزمة الصرف المالي لمخصصات عمومية موجهة للإعلان والتكوين في الصحافة الخاصة التي فجرتها رابطة الصحافيين الموريتانيين قبل يومين مع الحكومة، واشتكت فيها من تعميم صادر عن المفتشية العامة للدولة بأمر من الوزير الأول يحيا ولد حدمين، يمنع الصحافة المستقلة من الاستفادة من موارد مالية صادقت عليها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في إطار ميزانية الدولة للعام الجاري.
وحسب مصدر حكومي فإن المخصصات التي تشكو رابطة الصحافيين من عدم صرفها لا تتعلق بمخصصات صندوق الدعم العمومي للصحافة المستقلة الذي رصدت له الحكومة مبلغاً ثابتاً قدره 200 مليون أوقية، والذي تتولى تسييره لجنة تضم ممثلين عن الصحافة الخاصة والسلطة العليا للصحافة ووزارتي الاتصال والمالية.
ومع أن شكوى رابطة الصحافيين لم تؤيدها بشكل معلن نقابة الصحافيين الموريتانيين ولا الاتحادات الصحافية المهنية، فقد لاقت دعماً من جهتين دخلتا على الخط هما المعارضة الموريتانية واتحاد الصحافيين العرب. وأكدت المعارضة الموريتانية في بيان أصدرته أمس «أن النظام الحاكم في موريتانيا أقدم، في نطاق سياسة القمع والتضييق على الحريات وتقليص مساحتها، ومن خلال تعميم أصدرته المفتشية العامة للدولة، على حرمان وسائل الإعلام الحرة من الاستفادة من المخصصات المتعلقة بالاشتراكات والاتصال والإشهار في ميزانيات القطاعات الحكومية وشركات الدولة والمصالح العمومية كافة «.
«إن هذا القرار، تقول المعارضة، يحمل دلالتين خطيرتين أولاهما أنه يعبر عن مدى استهتار السلطة بالقوانين والنظم التي يجب أن تحكم البلد، حيث أصبح مجرد تعميم صادر عن مصلحة تابعة للوزير الأول يلغي مخصصات صادقت عليها الجمعية الوطنية في نطاق قانون المالية واعتمدتها مجالس إدارة المؤسسات العمومية في نطاق صلاحياتها الشرعية».
«أما الدلالة الأخرى، يضيف بيان المعارضة، فهو أن التعميم يحرم وسائل الاعلام غير الحكومية من المصادر الشرعية الوحيدة لتمويلها، المعترف بها في كل دول العالم؛ فالمخصصات الموجهة لوسائل الاعلام ليست ترفاً ولا فضولاً، بل هي استثمار أساسي في الديمقراطية والحرية والحكامة الرشيدة والتنوير».
وأكدت المعارضة الموريتانية «أن الإجراء الذي اتخذته الحكومة، سيزيد من هشاشة وسائل الإعلام الحرة التي تعاني منذ البداية من مشاكل جمة وبخاصة في مجال التمويل، حيث اختفى العديد من الصحف، كما أن إذاعتين (إذاعة نواكشوط الحرة وإذاعة كوبني) قد اختفتا من المشهد الاعلامي، بفعل هذه المشاكل».
وشددت المعارضة الموريتانية على «إدانتها لهذا الاجراء المخالف للقانون، حسب تعبيرها، والذي يهدف الى خنق وسائل الاعلام المستقلة، كما اعتبرت التعميم الحكومي «مساساً خطيراً بدعامة أساسية من دعائم الديمقراطية والحرية، تلعب دوراً لا يمكن الاستغناء عنه في بناء دولة القانون».
وفي بيان حول القضية نفسها، ناشد الاتحاد العام للصحافيين العرب «الوزير الأول في حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، الاستجابة لمطالب الصحافيين الموريتانيين المتمثلة في الموافقة على الموارد المالية التي سبق وأن صادقت عليها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ الموريتاني في إطار ميزانية الدولة عام 2016 وكذلك الموافقة على حصول الصحافة على الاشتراكات والإعلانات وتيسير مهام الصحافيين وما تتطلبه من الوصول إلى مصادرالأخبار».
وأعرب الاتحاد العام للصحافيين العرب في بيانه عن «تضامنه مع الصحافيين الموريتانيين في مطالبهم العادلة وفي الوقت نفسه يناشد الحكومة الموريتانية الاستجابة لهذه المطالب».
يذكر أن الحكومة الموريتانية تخصص كل سنة غلافا ماليا قدره 200 مليون أوقية (حوالي 600 ألف دولار)، للصحافة الخاصة، حيث استفادت منه السنة الماضية 52 صحيفة ورقية، و94 موقعاً ألكترونياً، بالإضافة إلى 10 من مؤسسات الإعلام السمعي البصري، و 12 من النقابات والمنظمات الصحفية. وفي مقابل تخصيصها لهذا الغلاف المالي السنوي، ألغت الحكومة أبواب الصرف التي كانت مؤسسات الدولة تقدم عبرها مساعدات مالية للمؤسسات الصحافية الخاصة ضمن سياسة التقشف المالي التي تنهجها الحكومة، الأمر الذي أثار استنكار رابطة الصحافيين الموريتانيين.